المؤامرة الإعلامية

بقلم: د.عز الدين الكومي

أحد الأذرع الإعلامية للانقلاب شنّ هجوما حادًّا على إعلام العسكر والشئون المعنوية لعسكر كامب ديفيد بسبب إغراق هذا الإعلام للمصريين في برامج التسلية والترفيه وتسطيحه لعقول المشاهدين على حد زعمه!

وقال إنّ البعض يتوقع أن السذاجة التي تقدم في القنوات تنطلي على الشعب المصري، الذي يئن من حكومة بلهاء تخدع المواطنين، قائلا: أنتو متصورين إن المواطن المصري ها ياكل من الكلام ده كتير؟

ومشكلة هذا الأفاك كغيره من مطبلاتية الإعلام الانقلابي أنه يعتبر أن المشكلة تكمن فقط فى الحكومة البلهاء وليس فى نظام انقلابي عسكري أبله فاشل يقود البلاد إلى الهاوية، بعدما أغرق البلاد فى أتون الديون، وشِبَاك صندوق النقد الدولي، وإهدار مقدرات الشعب على شراء أسلحة لتخزينها، وبناء السجون والمعتقلات، والمشروعات الفنكوشية الوهمية، فالعيب عنده فقط في الحكومة وليس فى صنم العجوة والعجل المقدس!

واعتبر أن ما يقوم به الإعلام الفاسد الذي يقود الثورة المضادة بأنه مؤامرة ضد الشعب المصري قائلا : مش ممكن يكون وطن يريد أن يتقدم ويتنفس الصعداء، يتم بناء عقله بهذا الإعلام المتدني الهابط الذي يسعى أن يجعل المواطن طواعية مُطَأْطأ الراس يسحب على بطنه في أي وقت!

وهل حقا يريد النظام الانقلابي أن يبنى العقول، وهو يزج بخيرة أبناء الوطن فى غياهب السجون والمعتقلات، ويقتله بالبطيء بمنع الأدوية عنهم وحرمانهم من العلاج!

وأقول لهذا الذراع الإعلامي الأفاك: صدقت وأنت الكذوب، ففضلا عما تقدمه هذه الفضائيات العكاشية من إسفاف وتهريج واستخفاف بعقول المصريين، وما نسمعه من أفلام الخيال العلمي من جنرالات العسكر المتقاعدين، والخوابير الأمنية والاستراتيجية، وسيل من الكذب والخرافات، لإلهاء الشعب بقضايا هامشية لا يستفيد منها إلا أصحاب الفضائيات من لصوص المال العام، ومصاصي دماء الشعب، من خلال مقابل الإعلانات الذي يحصلونه!

ويقول: إنه يرفض مصطلح المؤامرة الذي يزعم بأن الإعلام يدار بأيدي من الغرب، مؤكدا على أن أموال المصريين هي التي تدير هذه القنوات، انتو بتعملوا إيه، فلوس المصريين هي اللي بتصرف على “القرف” دا، واهم من يعتقد أنه يقدر يضحك على الشعب بالهزار دا!

إنه إعلام الدعارة والدياثة، الذي يطالب الشعب بالصبر على الجوع والعطش، وغلاء الأسعار والفساد والخراب فى الوقت الذي يتقاضى فيه مستحقات خيالية تصل لملايين الجنيهات! إنه وريث إعلام الحقبة الناصرية البغيضة، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، من أمثال أحمد سعيد وشركاه ممن تفننوا فى صناعة الصنم، رجل الزعامات الوهمية والهزائم، فعندما هزم الصهاينةُ العربَ في يونية 1967 شر هزيمة، وقتلوا الآلاف وأجبروا العرب على الاستسلام والخنوع، فإن الشعوب المغيبة على يد الإعلام القومي الناصري في ذلك الوقت لم تستشعر الهزيمة، ولكن الذي استشعرها الزعيم الملهم، والذي أعلن أمام الملأ أنه مسؤول عنها، ومع ذلك خرجت تلك الشعوب في أغلب المدن العربية وهي تهتف باسم القائد المهزوم، حتى بعد أن قادها للنكسة! وحتى بعد ثورة يناير، وتنفس الشعب نسائم الحرية، ظهر بالتوازى الإعلام العكاشي، الذي كان لا يكف عن النهيق والنعيق، زاعما بأن عبد الفتاح السيسي رجل الإخوان المسلمين فى القوات المسلحة، وأن الإخوان باعوا الأهرامات وقناة السويس لدولة قطر!

وأما بعد الانقلاب العسكري المشؤوم، فقد أطلق النظام الانقلابي العنان لأذرعه الإعلامية، لحملة واسعة من التحريض ضد جماعة الإخوان المسلمين، وأنها هي المسؤولة عن أخطاء الحاضر والماضي، مثل اتهام جماعة الإخوان المسلمين بأنهم السبب في سقوط الأندلس!

وكان التناقض واضحا فى تناول الإعلام الانقلابي لأي قضية من القضايا، فقد برأ الإعلام الانقلابي العسكر من المسئولية عن انقطاع الكهرباء، والتماس الأعذار للحكومة فى اللجوء إلى القطع، مع تحميل جماعة الإخوان أزمة انقطاع الكهرباء، رغم تأكيد المتحدث الرسمي لكهرباء الانقلاب، أن الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي نتيجة وجود أعطال في بعض المحطات!
على أن دور الإعلام الانقلابي لم يقف فقط عند حد دعم النظام الانقلابي، والتماس الأعذار له، والتهليل والتطبيل لسفك الدماء، وانتهاك الحقوق والحريات، بل تجاوزه إلى خارج الحدود ليكون تطبيله عابرا للقارات، بدعمه النظم القمعية، كما هو الحال فى دعم النظام النصيري، وما يقوم به من جرائم في حق الشعب السوري، ودعم والحشد الشيعي في العراق، بالرغم من جرائمه ضد السنة هناك، بل وصلت بهم الوقاحة لتأييد الكيان الصهيوني في عدوانه على غزة! ولعل مواقف الإعلام المتناقضة في قضية بيع جزيرتى تيران وصنافير للسعودية، حيث أكد الإعلام الانقلابي مرارا وتكرارا، أن الجزيرتين مصريتان، ولكنهم يتراجعوا سريعا، بعد ليؤكدا أنه لا يوجد أي دليل على أن الجزيرتين مصريتان!

وكذلك في قضية مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني حيث أذاع التلفزيون الانقلابي مقطعا مقتضبا، أظهر جوليو مع نقيب
الباعة الجائلين محمد عبد الله، يتحدثان فيه عن أموال طالب الأخير من جوليو الحصول عليها.

غير أن الجانب الإيطالي عاد وأذاع المقطع كاملًا، وظهر فيه صوت جوليو وهو يرفض، قائلًا: «محمد، الفلوس مش فلوسي! وبعد كل هذا يخرج علينا أحد الأذرع الإعلامية، التي لا تكف عن النباح فى الإعلام الانقلابي ليقول لنا: الإعلام المصري يدير مؤامرة كبيرة على المواطنين!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...