لاتستوحشوا من الحق لقلة سالكيه

د / إبراهيم كامل :

الحمد لله الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً

الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا والصلاة والسلام على الرحمة المهداه محمد بن عبدالله وبعد :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل للعرب من شر قد اقترب، فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، يبيع قومٌ دينَهم بعرض من الدنيا قليل المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر، أو قال على الشوك” صححه الأرناؤوط، وفي رواية الترمذي: يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر” صححه الألباني . قال العلامة ابن سعدي ” وهذا الحديث أيضا يقتضي خبرا وإرشادا ، أما الخبر، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في آخر الزمان يقل الخير وأسبابه، ويكثر الشر وأسبابه، وأنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقل القليل، وهذا القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة، كحالة القابض على الجمر، من قوة المعارضين، وكثرة الفتن المضلة، فتن الشبهات والشكوك والإلحاد، وفتن الشهوات وانصراف الخلق إلى الدنيا وانهماكهم فيها، ظاهرا وباطنا، وضعف الإيمان، وشدة التفرد لقلة المعين والمساعد. ولكن المتمسك بدينه، القائم بدفع هذه المعارضات والعوائق التي لا يصمد لها إلا أهل البصيرة واليقين، وأهل الإيمان المتين، من أفضل الخلق، وأرفعهم عند الله درجة، وأعظمهم عنده قدرا . وأما الإرشاد، فإنه إرشاد لأمته، أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة، وأن يعرفوا أنه لا بد منها، وأن من اقتحم هذه العقبات، وصبر على دينه وإيمانه – مع هذه المعارضات – فإن له عند الله أعلى الدرجات، وسيعينه مولاه على ما يحبه ويرضاه، فإن المعونة على قدر المؤونة . ” بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار وهو آخر حديث في كتابه تحت رقم 99 ” ويقول الدكتور محمد العريفي بأن هذا الحديث فيه إعجاز علمي وبين الفرق بين القابض والماسك فقال : “عندما تمسك الجمرة سيظل الأكسجين يصل اليها وستستمر بالإشتعال ولن تنطفئ وستحرق يدك معها اما عندما تقبض على الجمرة ستقفل عليها ولن يصل لها الأكسجين وتنطفئ صحيح انك ستحس في بالبداية بلسعة النار وتتعبك لكن بعد قليل تتحول الى رماد وينتهي الألم ”

ياأهل الحق والشرعية

هنيئا لكم هذا الخير والفضل الذي بشركم به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يروي لنا الصحابي الجليل عتبة بن غزوان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليـه أجر خمسين منكم قالوا : يا نبي الله أو منهم ؟ قال : بل منكم ” أخرجه ابن نصر في كتـاب السنـة وصححه الشيخ الألباني وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن من ورائكم أيام الصبر فيهن كقبض على الجمر للعامل فيها أجر خمسين قالوا : يا رسول الله أجر خمسين منهم أو خمسين منا قال خمسين منكم ” قال الهيثمي رواه البزار والطبراني بنحوه إلا أنه قال ” للمتمسك أجر خمسين شهيداً فقال عمر : يا رسول الله منا أو منهم ؟ قال منكم ” ورجال البزار رجال الصحيح غير سهيل بن عامر البجلي وثقه ابن حبان ” مجمع الزوائد ” وقال الشيخ الألباني عن إسناد الطبراني : وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم . ويقول أبوأمية الشعباني : أتيت أبا ثعلبة الخشني رضي الله عنه فقلت : يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية ( لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) قال : أما والله لقد سألت عنها خبيراً سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع أمر العوام فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل قبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله” رواه الترمذي وقال حسن غريب ورواه ابن حبان والحاكم وصححاه وقال ابن قيم الجوزية : قال بعض السلف ” عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين . وكلما استوحشت في تفردك فانظر إلى الرفيق السابق واحرص على اللحاق بهم وغض الطرف عمن سواهم فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك “انظر مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ” والمقصود ببعض السلف هو الفضيل بن عياض فهو صاحب المقولة الحكيمة حيث نسبها الرافضة إلى علي رضي الله عنه وهذا خطأ بيِّن وليس بصواب .

ياأهل الحق والشرعية

إن نظرة عوام الناس إلى مفهوم القلة والكثرة غير نظرة المؤمنين السالكين في طريق الحق حيث القلة في نظرهم مذمومة والكثرة عندهم محمودة وأما سبيلكم فهو معروف ” الله غايتكم والرسول قدوتكم ” ولونظرنا لأهل الإيمان والجهاد فهم قليلون ويوم أن نعتمد على الكثرة قبل أن يتخمروا في حوض الإيمان ستكون الهزيمة لنا أسرع وتأملوا التربية القرآنية ” لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم ” يقول صاحب الظلال “هذه هي المعركة التي اجتمع فيها للمسلمين – للمرة الأولى – جيش عدته اثنا عشر ألفا فأعجبتهم كثرتهم، وغفلوا بها عن سبب النصر الأول، فردهم الله بالهزيمة في أول المعركة إليه; ثم نصرهم بالقلة المؤمنة التي ثبتت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والتصقت به فمن انفعال الإعجاب بالكثرة، إلى زلزلة الهزيمة الروحية، إلى انفعال الضيق والحرج حتى لكأن الأرض كلها تضيق بهم وتشد عليهم إلى حركة الهزيمة الحسية، وتولية الأدبار والنكوص على الأعقاب. إن معركة حنين التي يذكرها السياق هنا ليعرض نتائج الانشغال عن الله، والاعتماد على قوة غير قوته، لتكشف لنا عن حقيقة أخرى ضمنية. حقيقة القوى التي تعتمد عليها كل عقيدة. إن الكثرة العددية ليست بشيء، إنما هي القلة العارفة المتصلة الثابتة المتجردة للعقيدة. وإن الكثرة لتكون أحيانا سببا في الهزيمة، لأن بعض الداخلين فيها، التائهين في غمارها، ممن لم يدركوا حقيقة العقيدة التي ينساقون في تيارها، تتزلزل أقدامهم وترتجف في ساعة الشدة; فيشيعون الاضطراب والهزيمة في الصفوف فوق ما تخدع الكثرة أصحابها فتجعلهم يتهاونون في توثيق صلتهم بالله، انشغالا بهذه الكثرة الظاهرة عن اليقظة لسر النصر في الحياة. لقد قامت كل عقيدة بالصفوة المختارة، لا بالزبد الذي يذهب جفاء، ولا بالهشيم الذي تذروه الرياح . انظر الظلال في نفسيره للآيات من سورة التوية .

ياأهل الحق والشرعية

تأملوا هذه الآيات المباركات يقول الله تعالى ” حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ” هود 40. في تفسير ابن كثير للآيات “عن ابن عباس : كانوا ثمانين نفسا منهم نساؤهم . ويقول الإمام الرازي كانوا سبعة نوح عليه السلام وثلاثة أبناء له سام وحام ويافث ولكل واحد منهم زوجة . وقال الإمام الطبري والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله تعالى ” وماآمن معه إلا قليل” وقال تعالى ” فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ” هود 116 فقد أرجع الإمام الرازي إلى سنة كونية تتعلق بهذه الآية وهي أن عذاب الاستئصال الذي حاق بالأمم السابقة يعود إلى أمرين أحدهما عدم النهي عن الفساد في الأرض وثانيهما بطر المعيشة وكفر النعمة ” وقال تعالى ” قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ” قال الشيخ الشعراوي الاحتناك قد يكون استئصالا للذات وقد يكون قهرا لحركتها . وهانحن نرى عوام الناس وجهالهم والمغيبين يرون ظلم دجال هذا الزمان ” القزم السيسي ” وأتباعه ولايحركون ساكنا إما لخوف وتنكيل ينتظرهم أو لتمرسهم على الجبن والاستكانة منذ عهود طويلة والصحيح أنهم يعيشون في زمن التيه وكأن مصر مكتوب عليها تكرار هذا الزمن مرة أخرى نتيجة سحر هذا الساحر الصهيوني ابن اليهودية الذي يتلون كل يوم لهم بشكل كالحرباء ويتكلم كل يوم بلسان بعدد أيام السنة ويبكي كل يوم بعين الدجاجلة ليسحر هؤلاء السائرين في سرابه وسراديبه ودهاليزه وأنفاقه فأصبحوا تحت تأثير سحره ومن جهة أخرى يسخر إعلامه وأبواقه كي يُغرِق الأمة خاصة شبابها وبناتها في بحور الشهوات والمحرمات وساعد على انتشار الفسوق والفجور وبين مفتيه وعلمائه يسخر من الله ورسوله وملائكته ولعلنا نتذكر قولته الشيطانية ( عايزين تشوفوا الملائكة طيب هخليكوا تشوفوا الملائكة وتسئيفة كبيرة للملائكة فصفقوا ) ناهيك عن الحرب العلانية باستخدام فزاعة ” الإرهاب الاسلامي المحتمل ” كل ذلك أمام العمائم المحسوبة على الدين واليوم ضرب بأحكام القضاء عرض الحائط وباع الجزيرتين بحكم نافذ لاطعن فيه فأين القضاء الشامخ الذي وقف لفخامة الرئيس الشرعي محمد مرسي وهو على حق وهم على باطل وقالوا قضاءا شامخا واليوم يرتعدون خوفا من بطش الفاجر السيسي فاصبح القضاء من شدة الخوف ” شا..خا ” فهل بقي من مصر شيئا يذكر الآن سوى مامضى من تاريخها ومع ذلك نرى التيه الذي تعيشه الأمة وليس بعد العين أين ونعوذ بالله من شدة غضبه فقد ورد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” مهلاً فإن الله تبارك وتعالى شديد العقاب، فلولا صبيان رضع ورجال ركع وبهائم رتع صب عليكم العذاب – أو أنزل عليكم العذاب ” رواه البزار والطبراني في الأوسط إلا أنه قال‏ ‏” ‏لولا شباب خشع وشيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صباً ” ورواه أبويعلى مختصرا وفيه إبراهيم بن خيثم وهو ضعيف ( انظر مجمع الزرائد ) ‏ ‏

ياأهل الحق والشرعية …. يامن ابتليتم فصبرتم وشكرتم

أبشروا بفرج الله تعالى وبنصره لكل المؤمنين والله فعال لمايريد وكل شيء عنده بمقدار وبأجل معلوم وسوف يقصم الله ظهر هؤلاء الشركاء المتشاكسين ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين وأخيرا تأملوا قوله تعالى في سورة ص ” … وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ” قال الإمام الطبري إن كثيرا من الشركاء ليتعدى بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقال الشيخ الشعراوي ” هذه ليست قضية فذة ولامفردة إنما هي ظاهرة كثيرة الحدوث …. وماأشبه هؤلاء بالمقامرين تراهم في الظاهر أحبة وأصدقاء في حين أن كلا منهم حريص على أخذ مافي جيب الآخر ” وشيكشف لنا القدر عن مفاجآته التي يفرح لها المؤمنون وسيزول الانقلاب قريبا وليس في عمرهم إلا كظمئ حمار وسيرى الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون فالأمانة والعبء ثقيل لايحمله إلا أنتم وأمثالكم من أهل الخير وعليكم أن تصبروا وتصابروا حتى تخرجوا هذه الأمة من تيهها وتأخذوا بأيديهم إلى طريق الحق ونوره فالقضية أكبر بكثير من سقوط الانقلاب وعرشه ومع فجر جديد يتنفس بهواء النصر والحرية والقصاص العادل في هؤلاء الظلمة الفجرة الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون والله أكبر ولله الحمد

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...