انقلاب ناعم على الشامخ

د. عز الدين الكومي :

القضاء الشامخ الذي صار بعد الانقلاب العسكري سوطا فى يد النظام الانقلابي، يجلد به كل من يعارضه؛ يشهد اليوم انقلابا ناعما عليه من شركاء الانقلاب، ليشرب من كأس الظلم الذي سقاه لشبابِ وفتيات مصر الأطهار!!

بعد أن ذبح كل قيم العدالة والإنسانية، ها هو يشرب من نفس الكأس، ولكن بيد من دعمهم وأعانهم على ظلمهم وبغيهم، ليمكن للعسكر فى مقابل حفنة من المال الحرام، وبعض الامتيازات، والسكوت عن ملفات الفضائح التي تورط فيها بعض من أعضاء هذا القضاء الشامخ!!

برلمان العسكر وبتوجيه مباشر من قائد الانقلاب، وعبر أحد مرتزقته، قدّم مشروعا لتعديل قانون السلطةالقضائية، الهدف منه إخضاع القضاء الشامخ لصالح السلطة التنفيذية، وسيطرة النظام الانقلابي على آخر المعاقل، بعد سيطرته على السلطتين التنفيذية والتشريعية من خلال برلمان العسكر، ليكون من حقه ـ بموجب هذا التعديل ـ اختيار رؤساء الهيئات القضائية، دون التقيد بمبدأ الأقدمية، بهدف ضمان ولاء تلك الهيئات لقائد الانقلاب، فيقوم باختيار رؤساء الهيئات القضائية مِن بين أقدم سبعة أعضاء بكل هيئة قضائية، عوضاً عن مبدأ الأقدميات في التعيين والنزول بسن القضاة إلى ستين سنة بدلا من سبعين سنة، بزعم أن التعديل الذي يهدف لإلغاء مَدّ السن لأعضاء الهيئات القضائية، بدأت في العهود السابقة لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، للإبقاء على أشخاص بعينهم في مواقعهم، لأغراض سياسية، حيث إن المد كان يقر لمدة سنتين، فسنتين، إلى أن وصل إلى سن السبعين في القانون الحالي، وأنّ استمرار القاضي حتى هذا السن، وما يصاحبه من ضعف صحي، وتغيرات ذهنية بفعل الزمن يؤثر على سير العدالة، ويوصد الباب أمام ترقي وتصعيد أجيال جديدة من القضاة في المواقع القيادية، بما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص، ويتعارض مع توجه الدولة الحالي نحو تمكين الشباب!!

وهذه الاعتبارات لم تكن موجودة، عندما ثارت ثائرة القضاء الشامخ، وقدم مشروعا لتعديل سن القضاة، بل وصلت الوقاحة بـ “الزّند” أن يرسل رسالة تهديد لرئيس مجلس الشورى آنذاك!!

وجدير بالذكر أنّ قاعدة الأقدمية معمول بها منذ تأسيس القضاء المدني المصري، وتجاوزها ـ بمقتضى هذا التعديل ـ سيكون لأول مرة في تاريخ القضاء الشامخ، وعليه فيختار قائد الانقلاب مَن شاء مِن رؤساء الهيئات القضائية، بما في ذلك رئيس مجلس القضاء الأعلى (رئيس النقض) ورئيس مجلس الدولة، ما يشكل تهديدًا لاستقلالية السلطة القضائية !!

وبعد هذا الانقلاب الناعم مِن شركاء الانقلاب، أعلن القضاء الشامخ بعد اجتماعه في نادي القضاة رفض المشروع والتمسك باستقلالية القضاء، لكن لم نسمع بمناشدات لترامب، مثلَ مناشدات الغابر “أحمد الزند” لـ “أوباما”، يقول فيها: الولايات المتحدة الأمريكية التي تفخر بتمثال الحرية، أنفقت ملايين الدولارات لنشر الفوضى الخلاقة، وحريتها لم تفد المصريين، وأقول لترامب إذا كنت لا تدري ما يحدث في مصر، فتلك مصيبة وإن كنت تعرف فالمصيبة أكبر، فالسياسيون والقضاة يتعرضون لمضايقات وانتهاكات وعلى أمريكا أن تتحمل مسؤوليتها وأن ترفع هذا العبء عن كاهل الشعب المصري خاصة القضاة، فالسن بالسن والعين بالعين والبادئ أظلم، ولم نسمع رسائل تهديد توجه لرئيس برلمان العسكر، ولم نسمع عن اعتصمات القضاة الشامخين، ولا إيقاف العمل بالمحاكم ولا محاصرة مكتب النائب العام؛ بل كل ما سمعناه من نادي القضاة الشامخ بعد ما تمخض وتألم فولد فأرا مذعورًا: أنه فوض رئيس النادي للتواصل مع قائد الانقلاب، ليستجدي منه موعدًا للدخول فى بيت الطاعة الانقلابي، ومع ذلك لم يتم تحديد موعد حتى الآن، ما يوحي أن المشروع فى سيره العادي، ومَن يعترض فهناك الملفات السوداء، وسيديهات “مرتضى منصور”، وصاجات سما المصري، ولقمة القاضي!!

وأين كانت استقلالية القضاء من الرشاوى الانقلابية، والزيادات المتتالية وغير المبررة – التي كرمشها قائد الانقلاب لكل شامخ؟؟- وما هي إلا رَشَاوَى للسكوت والخضوع للنظام الانقلابي، وأين كانت الاستقلالية من الحكم بعد المكالمة؟ حتى أنه لا يصدر حكم أو قرار من القضاة إلا بعد مكالمة تليفونية من جهات سيادية لها سلطة فوق القضاء!!

كما أكد الشامخ المتعقل، أن كافة السبل متاحة أمام القضاة لكن الحديث حول عمليات تصعيدٍ سابقٌ لأوانه، وأن القضاة لا يسعون إلى خلق حالة من الصدام مع أي مؤسسة، لكنهم أدرى بتنظيم شئونهم الداخلية!!

لكن الصدام مع الرئيس “مرسي” حلال حلال حلال ـ حسب فتوى شيخ العسكر ـ!!

والطامة الكبرى أن هذا المشروع فضلا عن عدم دستوريته، ومناقشته من قبل برلمان العسكر بهذه الطريقه الهزليه، وبدون عرض على مجلس القضاء اﻻعلى كما ينص على ذلك دستور العسكر، والذي يُلزم البرلمان بأخذ رأي السلطة القضائية على هذه التعديلات، فهذا يمثل إهانة بالغة للقضاء الشامخ،- إللى قاعد يسمع الآن أغنية يا خسارة الحلو لما تبهدله الأيام ـ!!

وعلى ما يبدو أن هذه التعديلات على قانون السلطة القضائية، خطوة استباقية قبل انتخابات 2018 المزعومة، والتي يطالبنا شركاء الانقلاب بالمشاركة فيها، والاعتراف بشرعية النظام الانقلابي، لذلك يسعى قائد الانقلاب من اليوم، حتى يتسنى له اختيار أعضاء اللجنة العليا للانتخابات للتلاعب بنتائج انتخابات 2018 التي تضمن له الفوز المريح، في ظل وجود محلل أو عدم وجوده!!

وبالأمس تم إحالة اثنين من القضاة، لمجرد أنهما شاركا مع مركز حقوقي في إعداد مشروع قانون لمناهضة التعذيب، الذي أصبح أحد أهم سمات النظام الانقلابي، بزعم أنهما تدخلا في السياسة، والسؤال لماذا لم يتم اتخاذ هذا الموقف ضد “أحمد الزند” الذي كان يتحدث فى كل شيئ، حتى إنه طالب بتدخل أجنبى فى شؤون البلاد؟؟!!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...