“نُكت الانقلاب” التي لا تضحك أحدا!

ربما لم يكن طارق عامر محافظ البنك المركزي يقصد حين قال إن حديثه عن انخفاض سعر الدولار إلى 4 جنيهات كان “نكتة”، وإن “المصريين أحبوها، أي أنهم استوعبوا أنها نكتة، وأنهم “فوتوها”، إلا أن كلامه جاء في موضعه ليعبر عن المنهج الذي يتعامل به مسئولو الانقلاب مع الشعب المصري، والذي يعتمد على “النكتة” و”التهريج”، تعبيرا عن الاستخفاف بالشعب المصري، واعتقادا بأن الناس تضحك على تلك “النكت”، في حين لا تزيدهم نكات المسئولين هؤلاء إلا قهرا وكمدا بسبب تأثيراتها المدمرة على حاضرهم ومستقبل أبنائهم.

المفارقة أن “نكتة” طارق عامر التي دمر بسببها الاقتصاد، بعد اتخاذه قرار تعويم الجنيه دون دراسة آثاره الجانبية، جاءت في وقت يحيي فيه المصريون ذكرى إحدى أهم النكات التي استمع لها المصريون، وضحكوا حتى الاستلقاء، ليس لطرافتها، بل لمليودراميتها القاسية، التي عبرت عن قمة الاستخفاف بعقول وأمراض وطموح المصريين الذي يعاني قطاع واسع منه من أمراض فيروس “سي” والسرطان، وربما الإيدز، وهي الأمراض التي بشرت “نكتة عبدالعاطي” في الوصول إلى علاج لا رجعة فيه، ليكتشف الجميع أن ما تم الإعلان عنه في مؤتمر كبير أقامته الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، بحضور قائد الانقلاب ما هو إلا صفحة سخيفة من كتاب “نكت الانقلاب” ثقيلة الظل والتأثير.

لا أول لها ولا آخر
ليس بعيدا عن نكتتي “الدولار والكفتة” عشرات النكات التي أطلقها قائد الانقلاب على المصريين ومنها: “سنتين وهتستغربوا مصر بقت كدة ازاي، هلفها بشبكة طرق في سنة، مشروع مليون ونصف مليون فدان، الأسعار هتنزل أول الشهر، المؤتمر الاقتصادي، الإرهاب في سيناء يلفظ أنفاسه الأخيرة، مصر هتبقى قد الدنيا، لن يزيد الدولار، 100 مليار من القناة الجديدة، انتوا مش عارفين إنكم نور عنينا ولا إيه؟”.

وهي نكات تعود المصريون سماعها والسخرية من صاحبها، إلا أنهم لم يعودوا يصدقونها، حتى الذين كانوا من أشد المتحمسين لقائد الانقلاب أصبحوا أكثرهم سخرية من تصريحاته، وهذا ما يمكن رصده بسهولة من تغريدات الكاتبة غادة شريف، التي أطلقت نكتة في بداية معرفتها بالسيسي وانقلابه، تدل على مدى إخلاصها في حبه؛ حين عرضت عليه أن تصبح ملك يمين له، إلا أنها منذ شهور أدركت سخافة الاستمرار في سياسة “النكات” في وطن يغرق شبرا جديدا مع إطلالة كل صباح، فأصبحت توجه قذائفها الساخرة نحو قائد الانقلاب، من خلال “قفشات حمادة” التي تفضح عبرها حقيقة الانقلاب الذي يريد الاستمرار في التهريج حتى النهاية.

منهج حياة
لم تتوقف النكات عند هذا الحد؛ بل تحولت إلى “منهج حياة” لدى المسئولين، حيث تباروا في إطلاق تصريحات فكاهية، للاستهلاك المحلي جدا، بعيدا عن إمكانية التنفيذ، وهؤلاء يصعب حصرهم؛ إلا أن اللواء “الهياتمي” محافظ السويس السابق يأتي في مقدمتهم، حيث أصدر الكثير من تلك التصريحات، ومنها “الرياح التي سترد صواريخ إسرائيل من حيث جاءت”.

كما كان وزير التموين الأسبق خالد حنفي نجما في هذا المجال، عبر “الفرخة التي تباع بـ75 قرشا، وكيلو اللحم الذي لن يتجاوز الجنيه”، كما لم يقصر وزير تعليم انقلابي في التصريح بأن الدول تدرس التجربة المصرية في التعليم، على الرغم من أن الإحصاءات العالمية الموثوقة تصر على أن مصر في المركز قبل الأخير في مستوى التعليم. إضافة إلى تصريحات لآخرين بأن تهجير المسيحيين من منازلهم في شمال سيناء تعبير عن نجاح مواجهتهم أمنيا.

أما الإعلاميون المؤيدون للانقلاب فكان إسهامهم واضحا، ومن الأمثلة: أسر قائد الأسطول السادس الأمريكي، دفن جثث تحت منصة اعتصام رابعة العدوية، عدم وفاة أسماء البلتاجي ابنة القيادي الثوري محمد البلتاجي.

ولم تغب النيابة والقضاء عن المشهد، حيث تداولت المحاكم قضايا لا تقل فكاهية عما سبق ذكره، ومن ذلك: دور رجل الأعمال حسن مالك في تدهور حالة الجنيه، قدرة مجموعة أشخاص على سد بالوعات الإسكندرية لإغراقها بمياه الأمطار، نشر مجموعة أخرى “المناخ التشاؤمي” لنشر الإحباط بين المصريين، حمل أطفال تم القبض عليهم من منازلهم والشوارع لصواريخ، وخطفهم دبابات، واعتدائهم على ضباط، إضافة إلى قدرة شيخ في عمر وصحة الشيخ محمد عبدالمقصود على قطع طرق وإثارة الشغب.

القائمة لا تنتهي، وربما من أحدثها تزامن “تحمير السيسي عينيه” حين قال إنه لا أحد قادر على المساس بهيبة الدولة، فيما كان أفراد “داعش” يستوقفون الأتوبيسات التي تحمل المهجرين من سيناء إلى الإسماعيلية لتلقينهم درسا في التسامح وقبول الآخر.

وكان المشهد الأخير هو استضافة الدولة لاعب كرة عالمي وإنفاق الملايين على تأمين الزيارة، في الوقت الذي يتم التنكيل بلاعب مصري لا يقل نجومية عن الذي تم استضافته وتكريمه، بل حرمانه من المشاركة في إلقاء نظرة الوداع على والده الذي مات دون أن يتمكن من الضحك على نكات الانقلاب.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...