الجنون إذ بدأ .. كيف سينتهي ؟!

عزت النمر :

العلاقة بين الجنون وواقعنا قديمة متجددة..

مؤخراً تجاوزنا الهلاوس والتخريفات ودخلنا في دركات بعيدة من الجنون الرسمي، ويبدو أن هناك من يصر على السقوط أكثر من تلك الهاوية رغم خطورتها.

ربما قادم الأيام يحمل من الجنون ما يعصف بتخيلات المنطق ويجاوز قدرات العقلانية على توصيفه وتشخيصه.

حالة الجنون في العقد الحالي كشفتها وأظهرتها ثورة انطلق بها جموع الشباب، لم يكن من محفز لها إلا جنون إقليمي أطلق صافرته شاب تونسي في لحظة طيش فأحرق نفسه وأحرق معها كوابح العقلانية ومثبتات الرزانة والهدوء.

تحركت قوافل مجنونة من الشعب التونسي في اتجاه تحطيم هوامش الاستقرار وثوابت الواقع فأنشأت ربيعاً مجنوناً محطته الأولى هناك وانتشر بعدها في الإقليم.

إنطلق في مصر حينها حراك محدود الأهداف تحت مظلة الواقعية، ثم ما لبث أن فقد عقلانيته شعرة شعرة حتى وصل الى الجنون وقتها وحققه.

هل كان يتصور عاقل حينئذ أن يتم خلع مبارك ونجله من حكم مصر ؟!.

لم يكن ثمة أمل في ذلك إلا بقدر إلهي قاهر من عينة عزرائيل.

تحولنا إذن الى الجنون الناجح الذي لم يتخيله أحد قبلها، ولم يتوقف الهوس والجنون عند هذه الهلاوس التي أصبحت واقعاً، إذ وصل الجنون مداه حينما رأينا مبارك ونجلاه وأعمدة نظامه وخوابير حكمه في الزنازين وأقفاص المتهمين.

ثم رأينا بعض رموز السجون ومرتادي المحاكم وخبراء المعتقلات أحدهما يرأس مجلس الشعب المصري قبل أن يصل رفيقه إلى سُدة الحكم.

لو قُدِّر أن نحكي هذه العجائب لأحد الذين ماتوا قبل يناير 2011 في قبره لربما تعجب أن الكذب أدركه وهو في آخرته وقبره، وربما استسهل أن يرمينا بالجنون هروباً من خطيئة كهذه.

ولم يكن كذباً، ولم نكن مجانين .. لكن هذا ماحدث!!.

هاجمنا الجنون مرة أخرى حينما راحت “النخبة الطائشة” تلعن استبداد مرسي الذي حاول حكم “المورستان” ومَنَح الحرية بجنون طائعاً أو مرغماً لــ 90 مليون مصري ليلعنه من يشاء في أي وقت يشاء وعلى شاشة التلفزيون الرسمي.

عاد الجنون بطل اللقطة حينما استطاع إعلام مزيف أن يحرك مع أجهزة ملعونة قطيع من الشعب في شهور ــ كأخواتها ــ غابت فيها أي شبهة من الوعي أو التعقل، وأثمرت هذه اللقطة أن عاد الجميع إلى مواقعهم، مع تبديلات شكلية لكن مع ارتفاع قياسي في مستوى الهلاوس والهبل.

تم صناعة مشهد العَتَه بامتياز حين تنادى بعض من يحملون أعلى أوسمة “الثقافة” و”النخبة” على سفهاء الوطن وقطعان العوام، وساعد كل منهم بقَدْر نَزقِه وغباءه في إنقلاب أتى بصاحب العلامة الكاملة في السفه والعته والغباوة ليرتقي منصة الحكم ويجلس في قصره المشيد فحوله إلى “قصرية” مبتلة.

الغريب في الأمر ومنتهى العبثية حينما انتظرت جموع الداعين من نخبة “الغبرة” ومهاطيل الغفلة من صاحبهم أن يُقَوِّم شأنهم ويُصلِحُ حالهم.

كل يوم يمر يظهر للجميع أن هذا السيسي المخلص المنتظر ماهو إلا سفيه معتوه أسلموه قيادة السفينة, ومن فرط جنون “العرض” طار بها وبهم في الجو بعيداً عن الماء وعلا بها أسطح الجبال، ولم يترك لها حتى فرصة الطفو ولم يترك لأحد فرصة القفز أو النجاة.

ركاب سفينة الوطن التي نعيش فيها والتي أصبحت طائرة يقودها مخبول انقسموا بدورهم إلى أصناف، منهم من هو معني بموقعه من الخَبَل، وآخرين مجانين يعيشون في بحبوحة الجِنَّة والهطل ويتمتعون باهتزازات الطائرة وبهلوانية القائد ، ومنهم العقلاء الذين يعيشون غيبوبة الصدمة وسكرة الخوف وضياع الأمل وانتظار الخاتمة.

نفرٌ قليل من المسافرين الذين أتت بهم أقدارهم إلى هذه الرحلة البائسة هم من يبحثون بجديه عن مواجهة الواقع ويَجدِّون في ذلك.

في هذه الأجواء المختلط فيه الخرف بالجهل والجنون بالخبل، تنطلق الطائرة صوب الأرض وتوشك أن ترتطم برؤوس الجبال، ومازال بعض الحالمين يترقبون معجزة تأتي من بعيد تكتب لهم النجاه أو تفتح لهم باب الأمل في موت هادئ مريح!!.

في هذه اللحظة المعقدة يظهر في أفق نوافذ السفينة الطائرة أثار نار ودخان لبركان ينفجر في الأرض يوشك أن يُذيب الطائرة وينهي رحلتها ويختم مسيرتها.

صور البركان الشائهة الكريهة تُزيد من جنون اللحظة وعبثية المشهد، وتحمل فوهته المتفجرة وجهاً كالحاً بلا شارب ولا حاجب لكائن يُدعى “طررررامب”.

يتراكم الجنون إذن ..

ثم صوت نخير وشخير:

مرحباً بكم على متن الرحلة ..

“المرستان” لم يعد وطناً .. أصبح عالماً ..

لا داعي لربط الأحزمة .. فقط أغمضوا أعينكم ..

أطلقوا لخيالكم العنان .. طوبى للأغبياء وهنيئاً للمجانين ..

ثم.. صمت وجلال ..

ثم..صوت داوٍ يملأ الأفاق ..

ينادي ويعلن بحسم العهد الجديد ..

بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ..

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...