سنشد عضدك بأخيك : رسالة جندي ورد قائده

1

محمد عبدالرحمن صادق:

أولاً : رسالة الجندي إلى قائده

قال تعالى : ” قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ {35} ” ( القصص 35 ) .

– أخي وحبيبي وقرة عيني

– اعلم أنني أكتوي من داخلي بالنار من أجل ما تمر به أمتنا وبلادنا .

– واعلم أن في حلقي غُصة وفي جوفي مرارة وفي أحشائي نار لا يتحملهم بشر .

– واعلم أنني أتصبر وأتجلد وأتحامل وأبتسم لأشد عضد من حولي وأقويهم فننهض جميعاً .

– أخي وحبيبي وقرة عيني

– إذا أخطأت فقومني بلطف وأغدق عليَّ من حُبك وحنانك فأنا لا أتعمد هذا الخطـأ .

– وإذا فترت همتي فهذا من دافع بشريتي فبشرني بما يسرني ويرفع من عزيمتي .

– وإذا رأيتني مُتعجلاً أو مُتهوراً فذكرني وبصِّرني وصبرني فأنا لك كالسوار للمعصم ولن أرد لك أمراً .

– أخي وحبيبي وقرة عيني

– لا أبوح سراً إن قلت لك أن بداخلي عزيمة تقتلع الجبال وصبراً ليس له حدود ولكن أحتاج إلى صاحب العقل الحكيم الذي يساعدني على استخراج ذلك واستغلاله .

– ولا أبوح سراً إن قلت بأن نفسي أمارة بالسوء وتركن للراحة وتؤثر السلامة فلا تكن أنت – بقسوة حالك ومُر عباراتك – مُعينا لها وللشيطان عليَّ .

– ولا أبوح سراً إن اعترفت لك بأن نفسي تحدثني أنك لست أهلاً لهذه المكانة ولا لهذه المرحلة فأنت بتصرفاتك نمطي الحال وتقليدي المقال ولا تنظر للميدان من كل جوانبه فجدد من أسلوبك وطور من وسائلك وإمكانياتك عسى الله أن يفتح بنا جميعاً ، وأعدك أنني من هذه اللحظة الإبن البار والطالب النجيب والجندي المُطيع .

– أخي وحبيبي وقرة عيني

لا تنساني من صالح دعائك في صلواتك وخلواتك – فإنه إن انفض الناس عنا فإن جناب الله لا يُرام وحبله لا ينقطع وفضله لا ينتهي – وأنا أعدك بالدعاء لك في كل وقت وحين .

– أخي وحبيبي وقرة عيني

إن كنت قد أحسنت عرض حالتي فهذا بفضل الله تعالى ثم بفضل تعليمك لي وتعهدك فأنا من غرس يدك . وإن كنت قد أسأت في عرضها فالتمس لي العذر فما ذلك إلا لتقصير مني .

وما المرء إلا بإخوانه كما يقبض الكف بالمعصم …. ولا خير في الكف مقطوعة ولا خير في الساعد الأجذم .

ثانياً : رد القائد على رسالة الجندي

قال تعالى : ” قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ {35} ” ( القصص 35 ) .

– ابني وحبيبي وفلذة فؤادي

– أعلم مدى إخلاصك في كل حرف كتبته وفي كل عبرة سكبتها وفي كل زفرة زفرتها من أجل أمتنا وبلادنا .

– اعلم أنني معك في نفس الخندق كتف بكتف أعيش ظروفك بل أشد ولكن لا ينبغي للأب أن يُظهِر ألمه ولا للقائد أن يُبدي مرارة ما يُقاسيه .

– واعلم أن تصبرك وتجلدك وتحاملك لتشد عضد من حولك هو من علامات رضا الله تعالى عليك ومن علامات قبول عملك واعلم أن الله تعالى مُطلع عليه وسيجزيك عليه خيراً فهكذا يجب أن يكون جندي العقيدة .

– ابني وحبيبي وفلذة فؤادي

– إن أنت أخطأت فلك الأجر طالما تبغي بعملك وجه الله تعالى وأنا أثق في ذلك فلا تنتظر مني تعنيفاً ولا لوماً ولا عِتاباً بل انتظر النصح في الله تعالى لنصل سوياً إلى ما يُحبه الله ويرضى ولا يُوسوس لك الشيطان يوماً أن عبوسي في وجهك بُغضاً بل إفراط حب وغيرة على كل مجهود تبذله وعلى كل فكرة وكلمة ولحظة وخاطرة .

– إن الهمة والعزيمة والوسع والطاقة هبة من الله تعالى يمنحها الله تعالى لكل إنسان حسب إيمانه وصلته بربه فكن أنت ميزان نفسك فإن فترت همتك ووهنت عزيمتك وضاق وسعك فارتمي بين يدي ربك لتستمد منه العون .

– إنني أعلم جيدا فورة الشباب وحميتهم فلن يُغضبني ذلك ولكن ما أنتظره منك هو سعة الصدر لنصحي وإعمال العقل في إرشادي وإن ارتضيت لنفسك أن تكون ( سواري ) فأنا سأكون لك ( دِثار ) يحيطك من كل جوانبك ويخشى عليك من ذرات الغبار ومن دخان النار .

– ابني وحبيبي وفلذة فؤادي

– لا أبوح لك سراً إن قلت لك إنني أعتصر ألماً لما تمر به أنت ومن هم في سنك من أحداث عطلت طاقاتكم وبددت أحلامكم وعرقلت مستقبلكم ولكن كونوا على ثقة ويقين أن هذه هي مرحلة الانصهار والابتلاء التي يليها الاجتباء والاصطفاء .

– ولا أبوح لك سراً إن قلت لك إنني أحياناً أمر بنفس ما تمر به أنت من ضعف النفس الأمارة بالسوء ولكن ضع نصب عينيك قوله تعالى : ” وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {200} إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ {201} ” ( الأعراف 201 ) .

– ولا أبوح لك سراً إن قلت لك إنني – بيني وبين نفسي – أعترف ببعض ما تتهمني به من اتباع الأسلوب النمطي والتقليدي وأجتهد في تغيير ذلك ما استطعت إليه سبيلا ، وأنا انتظر منك أن تضم قوتك إلى ضعفي في هذا الجانب وتقبل أنت حكمتي وخبرتي ومعرفتي بدروب الحياة التي لم تتطرق أنت إليها وبذلك نكون سبيكة تستعصي على الهزيمة وتصارع الأمواج المتلاطمة حتى تصل إلى شاطيء الأمان . وأعدك أنني سأسلم لك زمام القيادة وأكون لك حينها الأب الفخور والطالب النجيب والجندي المطيع .

– ابني وحبيبي وفلذة فؤادي

لقد طلبت مني الدعاء لك وهذا من أدب ديننا أن نطلب الدعاء من بعضنا لبعضنا ولكن ثق أن دعائي لك لن ينقطع ولن يتوقف إلا حين يتوقف القلب عن النبض وينسدل الجفن على العين .

– ابني وحبيبي وفلذة فؤادي

– لقد أحسنت عرض حالتك في أدب جم وذوق رفيع وتربية أصيلة وأرجوا أن أكون قد وفقت في ردي هذا على كل ما يدور في نفسك واعلم أن المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى . وأذكرك وأذكر نفسي بقوله تعالى : ” وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) ” ( الأنفال 63 ) .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...