ويل للعرب… من شر قد اقترب

11

السعيد الخميسي :

* جاء فى الحديث الشريف الصحيح عن زينب بنت جحش رضى الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم خرج يوما فزعا محمرا وجهه يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها، قالت: فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث . ” والخبث هنا يعنى إذا كثرت الشرور والمعاصي، والكثرة في الشرور والمعاصي من أسباب الهلاك. أضف إلى ذلك البلاء والوباء والغلاء الذي أصاب سويداء قلب المجتمع فى مقتل . كما قال- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه . قال “ابن حجر ” فى الفتح فى كتاب الفتن : إنما خص العرب بالذكر لأنهم أول من دخلوا الإسلام , وللإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك أسرع إليهم . وقال” ابن الملقن” فى كتابه “التوضيح لشرح الجامع الصحيح” قوله للعرب يعنى للمسلمين لان أكثر المسلمين العرب ومواليهم وقال الشيخ” ابن عثيمين ” فى شرح رياض الصالحين : وهم حاملوا لواء الإسلام فالله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم فى الأميين فى العرب فبين هذا الوعيد للعرب لأنهم حاملوا لواء الإسلام .

* وقال بعض المفسرين المراد بالشر ماوقع بعده من مقتل عثمان ثم توالت الفتن حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة . كما جاء فى الحديث الآخر : يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى القصعة على أكلتها , قالوا : من قلة بنا يومئذ ..؟ قال : لا , انتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل , ينزع الله المهابة من قلوب عدوكم , ويجعل فى قلوبكم الوهن , قيل وما الوهن ..؟قال : حب الدنيا وكراهية الموت ” قال القرطبى : ويحتمل أن يكون المراد بالشر ما أشار إليه فى حديث أم سلمة : ماذا انزل الليلة من الفتن وماذا انزل من الخزائن . فأشار بذلك إلى الفتوح التى فتحت بعده فكثرت الأموال فى أيديهم . فوقع التنافس الذي جر الفتن وكذلك التنافس على الإمرة , فان معظم ما أنكروه على عثمان توليه أقاربه من بنى أمية وغيرهم حتى أفضى ذلك إلى قتله . وترتب على قتله الفتنة والاقتتال بين المسلمين الذى استمر حتى عصرنا هذا .

* وصور” نزار قباني ” حالة العرب وما وصلوا إليه حالهم من تدهور وضياع قائلا :” معتقلون داخل النص الذي يكتبه حكامنا , معتقلون داخل الدين كما فسره إمامنا , معتقلون داخل الحزن ..وأحلى ما بنا أحزاننا . مراقبون نحن فى المقهى , وفى البيت , وفى أرحام أمهاتنا !, حيث تلفتنا وجدنا المخبر السري فى انتظارنا يشرب من قهوتنا , ينام فى فراشنا , يعبث فى بريدنا , ينكش فى أوراقنا , يدخل فى أنوفنا , يخرج من سعالنا . لساننا مقطوع , ورأسنا مقطوع , وخبزنا مبلل بالخوف والدموع .إذا تظلمنا إلى حامى الحمى قيل لنا : ممنـــوع وإذا تضرعنا إلى رب السما قيل لنا : ممنوع , وإن هتفنا .. يا رسول الله كن فى عوننا , يعطوننا تأشيرة من غير رجوع . وإن طلبنا قلماً لنكتب القصيدة الأخيرة أو نكتب الوصية الأخيرة قبيل أن نموت شنقاً قيل لنا : غيروا الموضوع .” وطبعا كما توقع نذار فقد غيرنا الموضوع وإلا كان الثمن إن رفضنا هو نكسير الضلوع .

* أما الشاعر أحمد مطر فكان له وصف آخر عن حال العرب : ” يقول أحمد مطر :” في أي قطر عربي إن أعلن الذكي عن ذكائه .. فهو غبي . الفرد في بلادنا .. مواطن أو سلطان .. ليس لدينا إنسان وقفت في زنزانتي .. أقلّب الأفكار .. أنا السّجين ها هُنا .. أم ذلك الحارس بالجوار؟ فكلّ ما يَفصلُنا جدارْ .. و في الجدار فَتحة .. يرى الظّلام من ورائها .. وألمحُ النهار أود أن أدعو على الطغيان بالنقمة . لكنني أخاف أن يقبل ربي دعوتي فتهلك الأمة . في أي قطر عربي .. إن أعلن الذكي عن ذكائه .. فهو غبي . الحاكم علمنا درسا إن الحرية لاتهدى بل تستجدى . فى الأرض مخلوقان : انس وأمريكان , قال الصبي للحمار : ياغبى , قال الحمار للصبى : ياعربى . الفرد فى بلادنا مواطن أو سلطان .. ليس لدينا إنسان . ”

* إن حال العرب اليوم لايسر عدوا ولاحبيبا . فقد هوى العرب – كجلمود صخر حطه السيل من عل – فى محيط عميق من التشرذم والتفرق والانقسام وانعدام الإرادة والضعف والهوان وعدم القدرة على اتخاذ أى قرار يحفظ لهم بعضا من هيبتهم وكرامتهم أمام الأمم والشعوب . إن دائرة الشرور يتسع محيطها لتشمل كل العرب بلا استثناء . فاليمن لم تعد يمنا واحدا ,ولا العراق صار عراقا واحدا , ولاسوريا ولا ليبيا ولا السودان . حتى الدول التى تبدو مستقرة إلى حد ما , فإنها تموج بالخلافات السياسية والقلق والاضطرابات والمظاهرات . فهل اقترب الشر من العرب ..؟ أم أن العرب بالفعل قد سقطوا فى بئر عميق من الشرور والانقسامات ..؟ هل العرب اليوم لهم كلمة مسموعة بين الأمم..؟ هل دماء العرب والمسلمين اليوم لها ثمن وقيمة داخل أوطانهم أو خارجها..؟ هل المواطن العربي اليوم يتمتع بكافة حقوقه السياسية والاجتماعية ..؟ هل يستطيع المواطن العربي اليوم اختيار السلطة والحكومة والبرلمان الذى يمثله تمثيلا حقيقيا , أم أننا أمام مشهد درامي تمثيلي لزوم الحبكة القصصية..؟

* صدق الصادق المصدوق حين قال ” ويل للعرب من شر قد اقترب ” وهل هناك أشر وأسوأ وأخبث مما نحن فيه الآن..؟ تداعت الأمم عينا من روافض وشيعة ومجوس ومشركين وملحدين ووثنيين وحزب اللاة والعزة ومناة الثالثة الأخرى . يقتلون أبناءنا ويستحيون نساءنا , ويحرقون أرضنا , ويهدمون أو طاننا . فبغداد لم تعد بغداد , وصنعاء لم تعد صنعاء , وحلب لم تعد حلب . أين أمة العرب..؟ هل تحولت إلى بقايا جسد مريض ممتلئ بالدمامل والصديد والجرب..؟ هل الشرف من أرض العرب قد هرب..؟ أين النخوة والمروءة ,بل أين الغضب..؟ أتغتصب النساء ويذبح الأطفال , ويشنق الرجال بلا سبب..؟ أين دينكم وشهامتكم وضمائركم..؟ أم أن الذل والهوان والضعف ومعهم الاستسلام من نفوسكم وعقولكم قد اقترب..؟ لساننا مقطوع , ورأسنا مقطوع , وخبزنا مبلل بالخوف والدموع , وكل حق عندنا ممنوع , وليس أمامنا ولا وراءنا إلا الخوف والفقر والضعف والجوع. أمة تباد من سلالة البغايا والأوغاد , ونحن نائمون , تائهون , فى وحل النسيان غارقون . ليس لنا إلا الله , وعسى آن يأتيهم بأس الله بياتا وهم نائمون أو ضحى وهم يلعبون . ولله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...