اعترف عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري الدموي، لصحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية بتراجع شعبيته، إلا أنه قلل من ذلك بأنه لا أحد ينافسه، فيما تؤكد الصحيفة أن مصر التي كانت تتطلع إلى الديمقراطية عادت إلى القبطة السلطوية أسوأ مما كانت عليه في عهد مبارك.
وبحسب الصحيفة، فإن السيسي رفض الرأي الآخذ في الانتشار بأنَّ حكمه أسوأ من حكم مبارك، زاعما أنه “يبني الحب بين المصريين، وموجة احترام للآخر سوف تبدأ في القاهرة وتنتشر في المنطقة”!.
جاء ذلك في مقابلة أجراها معه بقصر الاتحادية بالقاهرة مراسل صحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية، وترجمته “هافنغتون بوست عربي”، مساء اليوم الإثنين.
وبحسب الصحيفة، خفت بريق السيسي حين اضطر النظام للجوء إلى صندوق النقد الدولي، وتنفيذ تعديلات رُفضت طويلا. وانكمشت حالة التهليل التي كانت تروج لها وسائل الإعلام المتملقة، وانتشر النقد لقيادته على الشبكات الاجتماعية. ومع أنَّ عدد المصريين الذين لم يزل لديهم ميل للثورة قليل للغاية، يقال إنَّ الأجهزة الأمنية، التي مُنحت صلاحيات واسعة مؤخرا، في حالة ترقُّب دائمة استعدادا للمزيد من الاضطراب.
مخاوف من اندلاع ثورة
وحول دوافع السيسي نحو تشديد القبضة الأمنية السلطوية، نقلت “فايننشيال تايمز” عن مسئول سابق قائلا: “أغلق النظام كل منافذ التعبير؛ لأنهم مهووسون باحتمال حدوث ثورة أخرى. المصريون متعبون تعبا لا يمكنهم معه أن يثوروا، لكن ما يمكن أن نلاحظه هو اضطراب مشتت ومتقطع”. وأضاف أنَّ المشكلة هي أنَّ النظام يقيس نجاح سياساته بما إذا كان الناس يخرجون للشوارع أم لا.
وقال أيضا: “لكنَّ مقياس النجاح أيضا هو عدد الناس الذين يسقطون في دوامة الفقر، وما يحدث للثقة في المشاريع التجارية، وما إذا كان الاقتصاد ينمو أم لا”.
ولا تزال أصوات قليلة، بحسب الصحيفة، تجرؤ على المطالبة بمصالحة سياسية مع أجزاء من جماعة الإخوان، وبفتح مساحة أكبر في المجال السياسي. يقول عضو في البرلمان: “كانت لدينا سياسة أمنية لأربعين عاما وقد فشلت، يجب أن توجد مساحة للإسلاميين الذين يلتزمون بحكم القانون، إنهم جزء من المجتمع”.
ضم الإخوان للإرهاب
وبشكل حاسم، يشمل تعريف السيسي للإرهاب جماعة الإخوان المسلمين، الحركة السياسية التي جردها من الحكم وهو فريق في الجيش عام 2013، “في تعبير خفيف عن الانقلاب العسكري”، واستمر في سحقها بقسوةٍ منذ ذلك الحين.
وبحسب التقرير، فإن ما تأمُله حكومة السيسي هو أنَّ ترامب سوف يمنح الشرعية للحملة الأمنية ضد الإخوان، ويدعم نظام السيسي أثناء مروره بضغط اقتصادي متزايد، وذلك بدلا من إدارة أوباما التي اتهمها أنصار السيسي بالتعاطف مع جماعة الإخوان.
وأبدى السيسي إعجابه الشديد بدونالد ترامب، الرئيس الأمريكي المنتخب، على أمل أن يمنح الشرعية لحملته القمعية ضد جماعة الإخوان المسلمين.
مصر في قبضة “سلطوية”
ويشير التقرير إلى أنه بعد مرور قرابة الستة أعوام على الثورة التي أسرت خيال العالم، وخلقت آمالا في حدوث تحول ديمقراطي في الشرق الأوسط، عادت الأمة ذات العدد الأكبر من السكان في الوطن العربي لتقع في قبضة دولة سلطوية. وصارت مشكلات مصر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية اليوم أعمق من المشكلات التي أطلقت ثورة 2011 ضد حسني مبارك الرئيس الأسبق.
وبحسب التقرير، فإن ميدان التحرير بالقاهرة، حيث خَيَّم الشباب المصري لأسابيع عام 2011، أُزيلت كل علامات الاحتجاج الشعبي، واستُبدِلت بها سارية طويلة تحمل علم مصر، والذي يراه المواطنون رمزا لعودة النظام الذي تفرضه الدولة. وأُزيل كل الباعة الذين شغلوا الشوارع الجانبية حين اكتسحت العاصمة موجةٌ من الحرية الفوضوية. حتى رسوم الغرافيتي أُزيلت هي الأخرى.
مشكلات مصر تتراكم
وبحسب “ف. تايمز” فإن المصريين الذين طفح كيلهم من الفوضى، علقوا آمالهم على الفريق، حتى حين تولت زمامَ الأمور الوكالاتُ الأمنية القمعية، التي كانوا قد ثاروا عليها من قبل، وفرضت نفسها مبدأ أساسيا لإدارة الدولة.
ومع ذلك تراكمت مشكلات مصر، بحسب الصحيفة، فقد أُغلقت المساحة السياسية، التي سمحت ببعض حرية التعبير حتى في عهد مبارك، إغلاقا حازما، وتعُج السجون بالمعتقلين.
وتلقت السياحة ضربة قاصمة بعد تدهور الأمن، وبدأ الخليجيون الداعمون للسيسي، والذين ساعدوا في ترسيخ دعائم نظامه، يملون من التبرع بسخاء. وتوترت على وجه الخصوص العلاقات مع السعودية.
واثق من نفسه
ومع كل هذا يظل السيسي، بحسب الصحيفة، واثقا في قدرته على إنقاذ مصر من الكارثة، وذلك بعد أن هزم جماعة الإخوان بحسب ادعاءاته. إنه يؤمن أنَّ “الأمة المصرية العظيمة” لديها قابلية لا حدود لها “للتفهم والتضحية”.
ولتأكيد ذلك، نوهت الصحيفة إلى أنه منذ أكتوبر، حين اشتدت أزمة العملة الأجنبية، وتضاعف سعر الدولار في السوق السوداء، فرضت الدولة إجراءات صارمة كانت قد أجلتها الإدارات السابقة المتعاقبة. فقد فرضت ضريبة القيمة المضافة، ووضعت حدا لزيادات رواتب القطاع العام، وخفَّضت الدعم على الوقود، وسمحت بتعويم الجنيه المصري، وهو الإجراء الأكثر مفاجأة، والذي هبط بقيمة الجنيه أمام الدولار إلى النصف.
أقنعت هذه التعديلات، وهي الأجرأ منذ ثمانينات القرن الماضي، صندوق النقد الدولي بالموافقة على برنامج قرض، قد تأخر كثيرا، على مدار ثلاث سنوات، وتصل قيمته إلى 12 مليار دولار، هدفه استعادة الموارد المالية العامة إلى مستوى متوازن، وإعادة جذب المستثمرين الأجانب.
لكن الأثر المباشر لهذه الإجراءات هو الزيادة المرتفعة في معدل التضخم السنوي، والتي وصلت لقرابة الـ20% في نوفمبر، والتي من المتوقع أن تظل قابعة في عدد يتكون من رقمين حتى العام المُقبل.
هيمنة الجيش على الاقتصاد
يقول رجال الأعمال في القاهرة، إن الجيش يحتاج أن يصل فورا إلى “تصالح” مع القطاع الخاص. وصرَّح أحد رجال الأعمال قائلا: “لا يمكن دفع الاقتصاد للأمام دون القطاع الخاص، يجب أن يعترف المرء بذلك، لكنهم (النظام) لم يفعلوا”. وأضاف أن جزءا كبيرا من القطاع الخاص سيظل مُعلَّقا حتى ذلك الحين.
وتؤكد الصحيفة أن السيسي اعتمد على الجيش في إدارة المشروعات القومية التي يراها كفيلة برفع الروح المعنوية، مثل تمديد قناة السويس وبناء عاصمة جديدة، وهما مشروعان لا يرى مجتمع رجال الأعمال أنَّ أيّا منهما كان ضروريً. ويوسع الجيش، الذي لطالما امتلك مشروعات تجارية، مجاله بقانون جديد يسمح له بأن يكون شريكا في شركات محلية وأجنبية.
وانتشرت مصانع جديدة يملكها الجيش في السنتين الماضيتين، بما في ذلك قطاعَي الأسمنت والصلب.
وزعم السيسي أن اقتصاد الجيش يُشكل من 1,5% إلى 2% من إجمالي الناتج المحلي، ويقول مسئولون “إنَّ السيسي ليس لديه خيار سوى أن يعتمد على الجيش ليُلبي توقعات الناس ويتعامل مع انهيار الاستثمار الذي حدث بعد الثورة. لكن الخوف من التنافس مع مؤسسة بهذه القوة، فضلا عن كونها غير معرضة للمحاسبة، يُبعد القطاع الخاص عن الاشتراك. ويقول أحد رجال الأعمال: “المشكلة هي إدراك أنهم (الجيش) يمكن أن يدخلوا أي قطاع غدا”.
قبضة سلطوية
تُعد تدخلات الجيش الاقتصادية واحدة من مظاهر عودة الدولة الأمنية التي ظن الكثير من المصريين أنها انتهت بعد ثورة 2011.
وترسخت السلطوية بشكل كبير في عهد السيسي. إذ تلقت جماعة الإخوان المسلمين “ضربة قاصمة”، وفق تعبير السيسي، لكن المسئولين الغربيين وبعض السياسيين المصريين يحذرون من أن محاولات إبادتها قد أدت إلى جعل أفرادها الشباب أكثر راديكالية، وخلقت مجندين جددا للجماعات الإرهابية. ثم امتدت الحملة القمعية لتشمل الليبراليين الذين هتفوا للسيسي، وهم يُلقَون الآن في السجون، ومنظمات حقوق الإنسان وهي ترضخ للضغوط، وقادة المجتمع المدني وهم يُمنعون من السفر. وصدَّق البرلمان مؤخرا على قانون لتشديد التحكم في المجتمع المدني، وكان نص القانون أقسى من الذي اقترحته الحكومة.
واعتبر السيسي، خلال المقابلة، قول منظمات حقوق الإنسان بوجود عشرات الآلاف من المسجونين السياسيين، بكونها “سخيفة”، مشيرا إلى أن الرقم لا يتجاوز بضع مئات من الحالات، وأنَّ 80 معتقلا من الشباي قد أُطلق سراحهم مؤخرا!.