من يقهر القهر ؟!

11

عزت النمر :

أحداث يومية كثيرة نعاني فيها القهر إلى الحد الذي ذهب بالبعض منا أن يبحث عن رابط بيننا ــ نحن المصريين ــ وبين القهر!!.

سنوات ما قبل الثورة كان علينا أن نتجرع المرار قهراً في مستوى ما, كلٌ بحسب وعيه وثقافته وعلو همته وغاية حماسته.

منظومة الحُكم كانت تغص بالغباء والبلادة والسماجة والتبعية, فكنا نعيش قهر تخلفنا عن الركب وسقوطنا في أوعية الإنكسار وسفوح المغيبين.

لجأنا حينها لإجراءات ونشاطات وفعاليات وأحياناً لشئ من المواجهة والمجاهدة لنعالج سكرات القهر, عشنا حينها تحت شعار أننا نتقدم, وأحلام وهلاوس أن التغيير قادم وأن وأن..

لم نكن ندري وقتها ونحن نبني للحق لبنات أن الباطل يبني من حولنا قواعد وأعمدة وأسوار وقصور ذات أبراج.

جاءت الثورة على غير موعد وربما من غير جهد موجه أو إرادة فاعلة أو سبب مؤثر في قيامها, لكنها جاءت على كل حال.

تصورنا حينها أن أحوالنا تبدلت وأن الدنيا تغيرت وأنه آن الآوان لنطوي صفحات القهر وننسى ذكرياته ونمحي ما بقي له من آثار وأطلال.

سنوات ما بعد الثورة عُدنا ننازع نوعاً جديداً من القهر في سلوك نخبتنا ورموز وطننا, فضلاً عن مكر وخيانة رأيناها في دولتنا العميقة ومؤسساتنا العتيدة.

ثم كان الإنقلاب إذ حققنا أرقاماً قياسية ودخلنا موسوعة القهر من أحقر أبوابها, وأصبحنا نغترف يومياً وجبات منه أتخمتنا, حتى نسينا وتجاوزنا في هذا الباب كل رصيد القهر المتكلس في أجسامنا ورواسب إدمانه في عروقنا.

بالأمس القريب مقتل ثلاثة من خيرة شباب الوطن كانوا قد اعتقلتهم الداخلية من شهور وأخفتهم قسرياً ثم ادَّعت أنهم قُتلوا في مواجهة مسلحة.

قضاء العسكر الغاشم الظلوم لم يغب عن دوره في قهرنا بالحكم على فتاة بتسع سنوات والتهمة .. حيازة “آر بي جي”!!.

القاضي العسكري الملعون لم تأخذه شفقة بالفتاة أن الداخلية كانت قد قتلت أباها في محبسه, وفجعتها بالخبر في جلسة سابقة.

وجبة القهر تكتمل بخبر تصفية شاب في القليوبية بدم بارد لتصبح كاملة الدسم.

هذه الأخبار الثلاثة احتوتها ثلاثة أيام فقط, وهي ليست استثناء خارج السياق بل نموذج مكرور بامتياز لمقررات القهر في أيامنا هذه السوداء التعيسة.

مسببات القهر في وقعنا الحالي كثيرة ومتنوعة فهذا من إجرام العسكر وآخر من فُجْر الداخلية وثالث تأتي به لعنة القضاء وحسبك بالباقي من عته السيسي وبلاهته وخواطره”القذافية” وأفيهاته الكُفرية.

ليست هذه هي كل مفردات القهر في مشهدنا البائس, فلا تزال ممارسات النخبة وسلوكيات الشعب تسكب اليأس وتكرس لحالات الأحباط التي يتجرعها شباب الوطن من جيل الثورة وعمودها الفقري وروحها الوثابة.

إنهيار الثقة لدى البعض وفقدان الأمل لدى البعض الآخر ذهب بنا إلى ردود أفعال طائشة تجاه هذا القهر الذي نعانيه.

هناك من يستدعي أحاديث فتن آخر الزمان وأنها علامات الساعة ثم يتلحف بأحزانه مستسلماً بائساً.

وغير هؤلاء يُمَنوا أنفسهم بأنهم في زمان ظهور مُجَدِد الإسلام فقد أوشكت المئة عام أن تنقضى, وهي سلوى رخيصة وسراب آمن يحتويهم.

وآخرين لجأوا إلى مخرج آمن هروباً من مواجهة الواقع والاستعداد له, الغريب أن يستخدوا في هذا الباب دعاء حثيث إلى الله ظاهره الخشوع والثقة وباطنه القعود والعجز والتَوَلِّي وقلة الحيله.

أنماط عديدة من التعاطي السلبي مع القهر المحلي الذي ابتلينا به في واقعنا المباشر, والأمر تزداد كآبته وكارثيته لمن تتسع دائرة اهتمامه ويعيش هموم أوطان العرب أو تشغله آلام أمة الإسلام.

فالواقع اليمني بسوءاته, والمشهد العراقي بكربه القاتم, وحَدِّث عن سوريا واستدعي فيها كل مبررات القهر , واذا اتسعت الدائرة فهناك مآسي ميانمار وأهوال برما وما لا يسهل معه الحساب والحصر.

لي فيك يا ليل آهات أرددها *** أواه لو أجدت المحزون أواه

أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد *** تجده كالطير مقصوصا جناحاه

ما استوقفني في الأمر : أنه إذا قَبِل البعض أن ينصرف منكسراً إلى لعن الواقع أو الهروب لأصغاث الأحلام أو الركون وانتظار عطايا الزمن, فأين من يواجه هذا الواقع ويغالبه ؟!!.

ينبغي على طليعة ما خاصةً من نخب ورموز وزعامات هذه الأمة وأولي الأمر فيها, أن يقفوا مع أنفسهم ويبحثوا لنا عن أمل ويجهدوا في إيجاد مخرج مما نحن فيه.

أن نبحث جميعاً في إجابة للسؤال : من يغالب هذا القهر الذي نعيشه ويقهره؟!.

أعيتني الفكرة لكنني لم أفقد الأمل في مجامع لدينا قادرة على عصف الفكر وإنتاج البرامج ولن نعدم منها طاقة وعي تدلنا على سبيل لقهر القهر وانقاذ حاضرنا وتطهير مستقبلنا ونصر أمتنا.

هي دعوة إذن للدعاة والعلماء والمفكرين أياً كانت تخصصاتهم, أن ينشغلوا بهذا الأمر, يعقدوا له المؤتمرات ويقيموا من أجله المنتديات وورش العمل.

هؤلاء نطالبهم أن يفتحوا لنا باباً من الأمل ويُحَمِّلوا أنفسهم أو من يُقَدِّروه أمانة الفعل ومسؤولية إنقاذ الوطن وإعادة بعث العرب وإحياء أمة الإسلام.

على الجانب الآخر مازلت أرى أن جماعة الإخوان المسلمين قادرة على أن تعود إلى الواجهة وتتحمل العبء وتعيد كتابة التاريخ, وأعتقد أنها تملك الإمكانات والكفاءة والقدرة شريطة أن يعيدوا اكتشاف أنفسهم وترميم جراحاتهم وتفَعّيل طاقاتهم وإضاءة طاقة الأمل في ذواتهم.

أيها الإخوان : هذه منزلتكم فلا تصغروا في أنفسكم ولا تسودوا صحائف أعمالكم باللغو وضياع الوقت, واستجمعوا كلمتكم واستحضروا الشجاعة والمبادرة واطردوا التردد والتلكؤ واحزموا أمركم واعزموا عزمة جد ويقين.

وترقبوا ساعة النصر, وما هي منكم ببعيد..

هذا الأمل بكم أيها الإخوان .. فهل أنتم فاعلون ؟!!.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...