ابكِ على خطيئتك بقلم: د. فتحى أبو الورد

1212

يمضى بنا العمر، وتظهر آثاره على الوجه، والشعر، والصحة، والذاكرة، والحركة، والعطاء، ويبكى الإنسان على زمان مضى لم يحسن فيه، ولم يدر أكان محل قبول أم سخط؟

تتراكم المعاصى، وتتلاحق الزفرات، وتتابع الآهات، وتنسكب العبرات ندما على عمر فات، وزمان ولى لم يكن فيه العبد على ما يحب ربه ويرضى.

قال ابن عمر رضي الله عنهما: استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلاً، فالتفت، فإذا هو بعمر يبكي، فقال: ((يا عمر، ههنا تسكب العبرات)).

تفكرت فى رحلة الإنسان القصيرة فى هذه الدنيا، ووجدت أن الإنسان كثير الخطأ، متتابع الجهل، قاصر النظر، قليل الاستقامة، قريب الشهوة، سهل الغواية، متقلب المزاج، متلبس بالهوى، مضيع للأوقات، لا يفرق بين صحيح القول والعمل وسقطه،، بطىء الأوبة، متأخر التوبة فى مساحة من الزمن ليست بالكبيرة.

قال ابن الجوزى: لو تفكرت النفوس فيما بين يديها، وتذكرت حسابها فيما لها وعليها، لبعث حزنها بريد دمها إليها، أما يحق البكاء لمن طال عصيانه وطال خسرانه: نهاره في المعاصي، وليله في الخطايا، فقد خف ميزانه، وبين يديه الموت الشديد فيه من العذاب ألوانه.

وكان سفيان الثوري من شدة تفكيره يبول الدم.

مر العمر ونسى الإنسان فى كثير من أوقاته أن يفكر فى أخراه، ويعمل لمثواه، ويسعى فى رضا مولاه، وشغلتنا الدنيا عن الدين، واستغرقنا التفكر فى الفانية أكثر من التفكر فى الباقية. قال أبو يوسف بن أسباط: الدنيا لم تخلق لتنظر إليها، وإنما خلقت لتنظر بها إلى الآخرة.

إذا وفقنا إلى عمل خير تداخلنا العجب، وحدثتنا النفس، وإذا وقعنا فى المعصية لم نلتفت أو ننتبه لإحداث توبة لها، وانكسار بين يدى الذى يغفر الذنب ويقيل العثرة. قال ابن عطاء الله: رب معصية أورثت ذلا وافتقارا، خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا.

قال ابن الجوزى: من تفكر في ذنوبه تاب ورجع، ومن تذكر قبيح عيوبه ذل وتواضع، ومن علم أن الهوى يسكن تصبر، ومن تلمح إساءته لم يتكبر.

ورأيت العلاج الشافى، للكبير والصغير، والمحسن والمسىء، والعاصى والمطيع فيما وصفه النبى صلى الله عليه وسلم: ((ليسعك بيتك، وابكِ من ذكر خطيئتك، وأمسك عليك لسانك)).

أصلح الله لنا جميعا أعمالنا، وغفر زلاتنا، وأحسن ختامنا.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...