متى يأتي النصر ؟

1

بقلم : مجدي مغيرة

في زحمة انشغالنا بالبحث عن أسباب الثورة ومسبباتها ، وعن موعد زوال الدول والأنظمة وسقوطها ننسى قدر الله تعالى الذي يحدد وحده أجَلَ كل دولة ونهاية كل نظام ، ننسى قول الله تعالى : ” لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ” يونس (49) ، وكذلك قوله تعالى : ” وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ” الأعراف (34) .

كذلك ننسى أن كثيرا من التحليلات الموسومة بالعلمية والموضوعية تظهر لنا الوقائع فيما بعد أنها كانت غير دقيقة ، أو غير صحيحة ، أو مجرد حملة دعائية ظهرت كأنها حقيقة علمية أعدوها لصالح طرفٍ ما أو جهةٍ ما وأعطتهم مقابل ذلك مالاً أو جاهاً أو مناصبَ أو حققت لهم أماني تمنَّوها أو أحلاما حلموا بها .

وكم من تحليلات وتوقعات خابت رغم صدورها عن مراكز علمية مرموقة ، رغم إنفاق الملايين عليها ، ولعل انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة خير دليل على ذلك ، حيث أشارت أغلب التوقعات إلى فوز مريح لهيلاري كلينتون ، لكن كانت المفاجئة هي فوز دونالد ترامب بفارق كبير عليها ؛ مما أصاب الكثيرين بالصدمة .

ونجد القرآن الكريم قد ذكر مثالا لذلك في المعركة الطاحنة التي دارت بين الفرس والروم بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم في مكة يعاني من صدود أهل مكة عنه ، وإذا بالأنباء تأتي بهزيمة ساحقة ماحقة للروم على يد الفرس ، قرر بعدها كثيرٌ من أهل الرأي والسياسة ألا قائمة تقوم للروم بعدها ، فينزل القرآن متحديا ، ومخبرا أن ستكون معركة أخرى بين الفرس والروم ينتصر فيها الروم على الفرس ، وحدد لذلك زمنا هو بضع سنين { وكلمة “بضع” في اللغة تدل على العدد ما بين ( 3- 9 ) أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أن البضع ما دون العشرة } وقد كان رد فعل المشركين هو السخرية والاستهزاء بما قال القرآن الكريم حتى أنهم تراهنوا مع أبي بكر رضي الله عنه ، وبعد مضي سبع سنوات التقى الروم بالفرس مرة أخرى ، وتحقق وعد الله تعالى بانتصار الروم وهزيمة الفرس .

ونزل القرآن ليعقب على هذا الأمر موضحا سبب فشل توقعات الناس ، فقال تعالى : ” الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)” من سورة الروم .

فالله تعالى يقول أن أكثر الناس وإن علموا ظاهرا من الدنيا ، فإنهم لا يعلمون أمر الآخرة ، والتعبير بكلمة { ظاهرا } يدل على أنَّ هناك باطنا للدنيا هم يجهلونه أو يجهلون أكثره .

يقول الإمام الفخر الرازي عن الآية الكريمة ، فيما نقله عنه الصابوني في صفوة التفاسير : ” ومعنى الآية أن علمَهم منحصرٌ في الدنيا ، وهم مع ذلك لا يعلمون الدنيا كما هي وإِنما يعلمون ظاهرها ، وهي ملاذُّها وملاعبُها ، ولا يعلمون باطنها وهي مضارُّها ومتاعبَها ، ويعلمون وجودَها الظاهر ولا يعلمون فناءها وهم عن الآخرة غافلون ، ولعل في التعبير بقوله {ظَاهِراً} إِشارة إلى أنهم عرفوا القشور ، ولم يعرفوا اللباب ” .

ومن سنن الله تعالى أن من يجاهد مخلصا في جهاده ؛ فلا بد أن ينصره الله تعالى مهما ظهر له وللناس أن النصرَ بعيدُ المنال ، وأن الفرج قرين المحال .

قال الله تعالى في الآية 69 سورة العنكبوت وهي ختام السورة : ” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ “.

ولعل بيان سبب نزول الآيات الكريمة يبين أن المؤمنين كانوا في حيرة من أمرهم حين طلب منهم المولى سبحانه الهجرة وتركَ الديار والأموال ، لكن الله تعالى طمأنهم وثبتهم وبشرهم بالنصر شرط الجهاد في سبيله كما قال ابن عباس رضي الله عنه : ” أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أمر المؤمنين بالهجرة حين آذاهم المشركون فقال لهم: اخرجوا إلى المدينة وهاجروا، ولا تجاوروا الظلمة، قالوا: ليس لنا بها دار ولا عقار، ولا من يطعمنا ولا من يسقينا ” .

قد تبدو الأمور أمام أعيننا معقدة وصعبة ، لكننا نعتقد يقينا جازما أن الله تعالى لن يخذل عبيده ، قد لا نعلم كيف سيأتي النصر ، ولا متى سيأتي النصر ، لكننا نوقن تماما أنه آتٍ لامحالة ؛ لأن ذلك وعد الله الذي لايخلف وعده ولكنَّ أكثر الناس لايعلمون .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...