أكد محمد عايش، الخبير في شئون الاقتصاد، أن قرار تعويم العملة المحلية أسفر عن 4 كوارث كبرى، أهمها على الإطلاق تبخر أموال المصريين وتآكل قيمتها، إضافة إلى الخسائر الفادحة التي حاقت بحائزي شهادات تفريعة قناة السويس، الذين جمع السيسي منهم 64 مليار جنيه بفائدة قدرها 12% على 5 سنوات.
وفي مقال للخبير الاقتصادي تحت عنوان «هكذا تتبخر أموال المصريين.. وأربع مشكلات بعد تعويم الجنيه» على موقع “ميدل إيست آي”، ترجمه موقع “عربي 21″، اليوم الخميس 24 نوفمبر 2016م، يؤكد عايش أن البنك المركزي المصري لم يكن أمامه سوى قرار التعويم؛ معللا ذلك بأن خزائن البنك خاوية، ولم يعد فيها من العملة الأجنبية والذهب ما يكفي لإسناد العملة المحلية، ولا ما يكفي لتغطية الطلب المتزايد على الدولار، في الوقت الذي تراجعت فيه إيرادات العملة الصعبة بسبب العجز في الميزان التجاري وانهيار القطاع السياحي.
“أول يوم تعويم”
ويلفت المقال إلى أنه في اليوم الأول لتعويم الجنيه المصري، انخفض سعر صرفه الرسمي أمام العملات الأجنبية بنحو 65%، وأسباب الهبوط أصبحت معروفة ومعلومة بحسب عايش؛ فاحتياطي النقد الأجنبي في مصر هبط من 36 مليار دولار في يناير 2011 إلى 16 مليار دولار قبل شهور، وحاليا يترنح حول الـ19 مليارا. أما المديونية الخارجية فارتفعت إلى أعلى مستوياتها في تاريخ مصر، حيث بلغت الشهر الماضي 55.7 مليار دولار. هذا فضلا عن انهيار القطاع السياحي الذي كان يضخ على الاقتصاد المصري ما بين 9 و11% من إيرادات النقد الأجنبي، وكذلك تعمّق العجز في الميزان التجاري بسبب تراجع الإنتاج في مصر وبالتالي تراجع الصادرات، مقابل زيادة في واردات البلاد بما في ذلك واردات السلاح التي تتم عبر صفقات بالدولار الأمريكي واليورو الأوروبي.
ويضيف الكاتب أنه ليس من الصعب اليوم الاستنتاج بأن أموال المصريين تبخرت وتتبخر وهي في جيوبهم، فأموالهم فقدت أكثر من 65% من قيمتها خلال ساعات، ومن يملك ألف جنيه مصري- على سبيل المثال- فقد كانت تساوي (في السوق الرسمية) قبل التعويم 112 دولارا، أما يوم التعويم (3 نوفمبر 2016) فأصبحت تساوي 55 دولارا فقط!.
4 كوارث بعد التعويم
وبحسب الكاتب، فإن آثار قرار تعويم الجنيه المصري، أو أزمات ما بعد التعويم، أو أزمات ما بعد انهيار سعر الصرف في مصر، يمكن إجمالُها ببساطة في الأمور التالية:
أولا: انهيار الجنيه سيؤدي إلى ارتفاع كبير في مستويات التضخم، وهذا يعني أن مصر ستكون أمام المزيد من الخلل في توزيع الثروات بين الناس؛ لأن الأثرياء ورجال الأعمال الذين يدخرون أموالهم بالعملة الأجنبية ستزيد إمكاناتهم المالية، بينما سيزداد الفقراء فقرا، ويهوي أبناء الطبقة المتوسطة إلى ما دون خط الفقر، وتتآكل القدرة الشرائية للأموال التي في أيدي البسطاء.
ثانيا: ارتفاع جنوني في الأسعار، فهبوط سعر صرف الجنيه بنسبة 65% لا يعني أن السلع سترتفع أسعارها بهذه النسبة، بل إن العديد من السلع الأساسية والمواد المستوردة من الخارج سترتفع أسعارها بنسب تصل إلى 200% و300%، وهذا يعني أن ملايين الموظفين المحليين سينزلقون نحو أزمات مالية ومعيشية، إذ لا يوجد شركة ولا مؤسسة ولا هيئة، سواء حكومية أو خاصة، يمكن أن ترفع رواتب موظفيها بما يعوض هذه النسب في ارتفاع الأسعار.
ثالثا: الأهم من ذلك هو أموال المصريين ومدخراتهم بالعملة المحلية، حيث رفع المركزي المصري أسعار الفائدة على الجنيه بنسبة 5% فقط، وهذه الخمسة بالمائة تستحق الدفع على الوديعة بعد سنة من الآن، بينما خسر أصحاب هذه الودائع 65% من قيمتها خلال يوم واحد، أي أن الحكومة أخذت 65% من أموال الناس في يوم واحد، ثم عوضتهم عنها بـ5% موزعة على سنة كاملة!.
خديعة 1,1 مليون في شهادات القناة
رابعا: الآن وبعد تعويم الجنيه المصري، يتبين حجم الخديعة التي تعرض لها 1.1 مليون مواطن مصري تدافعوا في شهر سبتمبر 2014 لشراء شهادات الاستثمار في قناة السويس بحسب الكاتب، حيث دفعوا حينها للحكومة 64 مليار جنيه، على أن الفائدة السنوية لشهادة الاستثمار في قناة السويس تبلغ 12% فقط، واستحقاق السداد بعد خمس سنوات (2019)، يومها كانت الـ64 مليار جنيه تساوي 9 مليارات دولار أمريكي، أما اليوم فهذه الـ64 مليارا أصبحت تساوي أقل من 4 مليارات دولار فقط!.
وبحسب الكاتب، فإضافة إلى الهبوط في سعر صرف الجنيه المصري، فإن الفائدة على شهادة الاستثمار في قناة السويس تبلغ 12% سنويا، بينما الفائدة اليوم على الوديعة البنكية التقليدية بالجنيه المصري تتجاوز 15%، ما يعني أن هذه الشهادات الاستثمارية تتبخر وتتراجع قيمتها، والاستثمار فيها يعني الخسارة المؤكدة، حيث يوجد مليون و100 ألف مصري تبخرت أموالهم في هذه الاستثمارات الخاسرة!.
ويضيف الخبير الاقتصادي أنه بطبيعة الحال، من المهم الإشارة إلى أن مشكلة شهادات استثمار قناة السويس أنها تختلف عن السندات التقليدية التي تصدر عن الحكومات في مختلف دول العالم، فهي غير قابلة للتداول أو البيع أو نقل الملكية، وهو ما يجعل صاحبها مضطرا للانتظار خمسة سنوات حتى يسترد قيمتها الأصلية، وطوال الخمس سنوات يحصل على فائدة 12% سنويا عليها، ما يعني أن من استثمر في قناة السويس 100 جنيه مصري سوف يسترجع 160 جنيها بعد مرور خمس سنوات، بينما في الحقيقة يكون قد دفع 14 دولارا في عام 2014 واستردها 10 دولارات بعد خمس سنوات!.
وينتهي الكاتب إلى أن خلاصة القول، هو أن تعويم الجنيه ليس سوى خطوة للهروب إلى الأمام، وليس حلا للأزمة الاقتصادية، فالأزمات القادمة ستكون أعمق بكثير، إذ أن أسعار السلع والمواد التموينية والمحروقات والخدمات سترتفع بنسب جنونية، والوضع المعيشي للسكان سيتدهور، والقدرة الشرائية للجنيه ستتآكل، وملايين جديدة من المصريين سوف تنزلق إلى ما دون خط الفقر، أما الأموال والمدخرات والاستثمارات المحلية فتتبخر تدريجيا، بما في ذلك أولئك الذين تدافعوا في العام 2014 على الاستثمار في قناة السويس، والذين فقدوا اليوم رءوس أموالهم وأرباحهم معا، وأصبحت الفوائد على حسابات التوفير والودائع في البنوك أفضل من الأرباح على شهادات الاستثمار التي يحملونها!.