بقلم: عامر شماخ
المؤشرات كلها تؤكد أن ثورة عظيمة سوف تشهدها مصر -طالت المدة أم قصرت- وأنها لن تكون سلمية، بل سوف تأكل الأخضر واليابس، ولن يقف أمامها أحدٌ ولا شيء.
إن العسكر لم يتركوا جرمًا إلا ارتكبوه، ولم يراعوا شعبًا يوازى تعداده عشرة شعوب ممن حولنا، بل رغم الكبت والفقر والضيق والإحباط التى يعيشها الناس فإنهم سادرون فى غيهم، ينظرون بعين الاستخفاف والتحقير للناصحين، وفى كل يوم، بل فى كل ساعة يصبون على الشعب كوارثهم ومصائبهم، ولو أن ما يجرى على الشعب من غلاء وبلاء يجرى عليهم، ساعتها لن يلومهم أحد، بل قد جمعوا الثروات بلا حدود، وحصنوا أنفسهم ضد الفقر والعوز، وضمنوا لأولادهم الغنى والمال الذى سرقوه من قوت الشعب، من ثم فإنهم لا يشعرون بما يعانيه الناس؛ إذ فاقد الشىء لا يعطيه.
إنك إن سرت فى الشارع، فى أى مدينة أو قرية، تقرأ فى وجوه الناس الغضب، والتوتر والكآبة والحزن، وتشعر أن الأرض التى تسير علىها ليست الأرض التى حملتك طوال سنوات مضت، أو كما يقولون: تغيرت الأرض وتغير الناس، الكل فى محنة يترقب انفراجها، ويستوى عن الجميع الآن أن تكون هذه الانفراجة خيرًا أو شرًا، المهم أن يحدث تغيير، وأن يزول الكابوس الجاسم على الصدور، وسيان أن يأتى من ينشر العدل ويحكم بالسوية، أو يتحول البلد إلى فوضى وتراق فى نواحيه الدماء؛ هذا لأننا نعيش فى سجن كبير، كل ما فيه مرار، وإذا كنا لا نعلم ما وراء هذا السجن، إلا أن الانفكاك؛ منه واجب، فإن النفوس الأبية جبلت على الحرية وتنسم هوائها، ولم تجبل على الحبس وعصا السجان.
ظل المجرم مبارك يتعالى على الشعب وينكر حقه فى الحرية والعيش بكرامة، وصمّ أذنيه عن سماع أصوات الثورة فى تونس، حتى باغته الثوار فى قصره، وبدلا من ختم حياته بكرامة والنهوض ببلده، عاش ما بقى من عمره مسلوب الملك والنعمة، ودمر البلد وأورثها لمن استكمل بيعها للأعداء، وسلم مقدراتها للنصارى واليهود.. وسوف يستيقظ الجميع على خبر بيع ما تبقى منها سرًا؛ لإنشاء القواعد لجيوش الكفرة، أو لإنشاء دويلة جديدة للنصارى إما فى شرق البلاد أو فى غربها.. والأمر كله لله.
وعسكر اليوم يسيرون على خطى أسلافهم، بدءًا من الهالك الأول، ناصر، وحتى المخلوع، يظنون أن ذلك البلد ورثوه عن آبائهم، يفعلون به ما يحلو لهم، أما الشعب فهم أجراء عندهم على أحسن تقدير، أو هم عبيد إحساناتهم، وانظر إلى تصريحاتهم جميعًا، وخصوصًا تصريحات المضطرب المعتوه، ستجدهم جميعًا ينطقون بفم واحد، ومن عقل واحد: لا نريكم إلا ما نرى وما نهديكم إلا سبيل الرشاد، والكل يعلم ألا أحد باع كما باعوا، وما أحد فرط كما فرطوا، وما حاكم خاب وفشل كما خابوا، لكن ماذا تقول فيمن ملك سلاحًا فاتكًا وقد نزع الله منه العقل والضمير، كمثل القرد الذي أعطوه رشاشًا على سبيل المزاح، فكان أول ما فعل هو قتل من أعطاه السلاح وجميع من معه.
مستبشرون -والله- بما هو آت، وإن كنا نرى سحابة سوداء قاتمة تظلل مصر الحبيبة، وهى لا شك نازلة بها -كما أسلفنا- غير أن الله مع أهل الحق، ومع المصلحين المحسنين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، لا يخيب سعيهم، ولا يضيع أجرهم، بل ينفعهم فلا يضرهم، ويؤتيهم ما يؤتى المتقين، وفى البلاد عباد باعوا أنفسهم وأموالهم لله، وهم ينتظرون أجر الدنيا وثواب الآخرة ممن لا يضيع عنده حق، من يجزى بالحسنة عشر أمثالها.. هذا عزاؤنا ودافع صبرنا على تلك المصائب والملمات.