في أكتوبر انتصار وانحسار

1

مجدي مغيرة :

عندما تنتصر دولة على عدوها في معركة من المعارك يكون ذلك مقدمة لصعودها وتربعها في مكانة كبيرة لم تكن لها من قبل ، أو إذا كانت في مرحلة الانحدار ، فهذه المعركة تؤجل الانحدار والسقوط مدة طويلة من الزمان ، هذا ما عرفناه من كتاب التاريخ .

أما في بلادنا فالأمر يختلف اختلافا كبيرا ، فحرب أكتوبر الذي عبرنا فيه القناة ، ودمرنا فيه خط بارليف ، وحطمنا فيه أسطور الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقْهَر ، حرب أكتوبر هذه كانت هي مقدمة لصعود جديد لإسرائيل ، وانحدار جديد لبلادنا .

فبدلا من بداية تحرير الأرض ، وتحطيم قيود الإرادة بسبب انتصارنا ، وبدلا من بداية ضعف إسرائيل وتفكك مشروعها الاستيطاني الإحلالي بسبب هزيمتها ، وجدنا أن معركة أكتوبر هي مقدمة للتنازلات عن كثير من حقوقنا في الأرض ، فاستغل السادات انتصاره ليعلن إقامة سلام مع إسرائيل ، وبالطبع بشرنا بالخير العميم في حال أقمنا هذا السلام وبالطبع لم نر خيرا ، بل انصبت علينا المصائب صبا .

والعجيب أن كل عام يمر تنكشف فيه حقائق جديدة عن علاقات قديمة وحميمة بين قادة العرب وبين إسرائيل ، وتنكشف لنا فيه أن هذه العلاقات لم تجن منها شعوبنا غير مشكلات وأزمات اقتصادية وسياسية ، بشكل يجعلك توقن أنها مشاكل وأزمات متعمدة وليست مشاكل وأزمات مما تمر بها عادة الدول والشعوب في حياتها الطبيعية .

ماذا جنى العرب من علاقاتهم بإسرائيل ؟

جنوا منها صراعات لاتنتهي بين الدول بعضها وبعض .

جنوا منها ظهور الانقسامات الدينية والمذهبية والعرقية .

جنوا منها مزيدا من تدهور أحوال الشعوب ، ومزيدا من الغلاء ، ومزيدا من قلة الدخل .

جنوا منها مزيدا من الأمراض والمشكلات الصحية الناتجة من زراعة البذور المستوردة من إسرائيل .

جنوا منها أن العدو أصبح صديقا ، والأخ والصديق صار عدوا .

جنوا منها أن الاعتداء على الآخرين وسلب حقوقهم صار دفاعا مشروعا عن النفس ، وضرورة أكيدة لتحقيق المصالح ، بينما صار الدفاع عن الأرض والعرض إرهابا ، والمطالبة بالحقوق عداءً للسامية .

وجنوا منها أن الدين صار سبة ينبغي تغيير نصوصه المقدسة ، وصارت الحرب عليه وعلى من يلتزم به دليل الاعتدال والإبداع والحرية والديمقراطية والمدنية .

فهل نحن بذلك استفدنا من انتصارنا في أكتوبر ؟

نحن لم نستفد من انتصارنا ، ولم نخرج منه إلا بالمباهاة الفارغة ، والاحتفالات الجوفاء.

نحن الآن نجني الثمار المرة لتخاذلنا ولإهدار حقوقنا وانتصاراتنا ، حتى سيطر اليأس على الكثير من شعوبنا ، فهل نفيق ؟

بني قومي أناديكم وقلبي من الأحداث في هم وضيق

ولكني أرى أملا مشعا يضيء الدربَ كالحُلُم الرفيق

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...