مجدي مغيرة :
عندما تنتصر دولة على عدوها في معركة من المعارك يكون ذلك مقدمة لصعودها وتربعها في مكانة كبيرة لم تكن لها من قبل ، أو إذا كانت في مرحلة الانحدار ، فهذه المعركة تؤجل الانحدار والسقوط مدة طويلة من الزمان ، هذا ما عرفناه من كتاب التاريخ .
أما في بلادنا فالأمر يختلف اختلافا كبيرا ، فحرب أكتوبر الذي عبرنا فيه القناة ، ودمرنا فيه خط بارليف ، وحطمنا فيه أسطور الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقْهَر ، حرب أكتوبر هذه كانت هي مقدمة لصعود جديد لإسرائيل ، وانحدار جديد لبلادنا .
فبدلا من بداية تحرير الأرض ، وتحطيم قيود الإرادة بسبب انتصارنا ، وبدلا من بداية ضعف إسرائيل وتفكك مشروعها الاستيطاني الإحلالي بسبب هزيمتها ، وجدنا أن معركة أكتوبر هي مقدمة للتنازلات عن كثير من حقوقنا في الأرض ، فاستغل السادات انتصاره ليعلن إقامة سلام مع إسرائيل ، وبالطبع بشرنا بالخير العميم في حال أقمنا هذا السلام وبالطبع لم نر خيرا ، بل انصبت علينا المصائب صبا .
والعجيب أن كل عام يمر تنكشف فيه حقائق جديدة عن علاقات قديمة وحميمة بين قادة العرب وبين إسرائيل ، وتنكشف لنا فيه أن هذه العلاقات لم تجن منها شعوبنا غير مشكلات وأزمات اقتصادية وسياسية ، بشكل يجعلك توقن أنها مشاكل وأزمات متعمدة وليست مشاكل وأزمات مما تمر بها عادة الدول والشعوب في حياتها الطبيعية .
ماذا جنى العرب من علاقاتهم بإسرائيل ؟
جنوا منها صراعات لاتنتهي بين الدول بعضها وبعض .
جنوا منها ظهور الانقسامات الدينية والمذهبية والعرقية .
جنوا منها مزيدا من تدهور أحوال الشعوب ، ومزيدا من الغلاء ، ومزيدا من قلة الدخل .
جنوا منها مزيدا من الأمراض والمشكلات الصحية الناتجة من زراعة البذور المستوردة من إسرائيل .
جنوا منها أن العدو أصبح صديقا ، والأخ والصديق صار عدوا .
جنوا منها أن الاعتداء على الآخرين وسلب حقوقهم صار دفاعا مشروعا عن النفس ، وضرورة أكيدة لتحقيق المصالح ، بينما صار الدفاع عن الأرض والعرض إرهابا ، والمطالبة بالحقوق عداءً للسامية .
وجنوا منها أن الدين صار سبة ينبغي تغيير نصوصه المقدسة ، وصارت الحرب عليه وعلى من يلتزم به دليل الاعتدال والإبداع والحرية والديمقراطية والمدنية .
فهل نحن بذلك استفدنا من انتصارنا في أكتوبر ؟
نحن لم نستفد من انتصارنا ، ولم نخرج منه إلا بالمباهاة الفارغة ، والاحتفالات الجوفاء.
نحن الآن نجني الثمار المرة لتخاذلنا ولإهدار حقوقنا وانتصاراتنا ، حتى سيطر اليأس على الكثير من شعوبنا ، فهل نفيق ؟
بني قومي أناديكم وقلبي من الأحداث في هم وضيق
ولكني أرى أملا مشعا يضيء الدربَ كالحُلُم الرفيق