بقلم: عامر شماخ
يقصد بالاصطفاف: تماسك مجموعات من الناس ووحدتهم وذوبان الاختلافات التى بينهم، وانطلاقهم جميعًا لغرض واحد، تحت راية واحدة.. قد يتعارض هذا الاصطفاف مع مصالح طائفة أو جماعة من الذين قبلوا العمل سويا، غير أن التوافق على هذه الخطوة- الاصطفاف- يلزم الجميع بتناسى الخلافات، وعدم النظر إلى المصالح الخاصة الضيقة، والسعى جميعًا لتحقيق الهدف الأكبر الذى تم الاتفاق عليه.
ومعلوم أنه كلما كان الهدف مثاليا كان الاصطفاف قويا راشدا، وفى المقابل كلما كان الهدف ماديا كان الاصطفاف هشا، وتغلبت المصالح الخاصة على العامة، وسرعان ما يعود الجميع إلى ما كانوا عليه من التقوقع حول غايات صغيرة ومصالح ضيقة.
وفى الحالة السياسية المصرية يُقصد بالاصطفاف اجتماع القوى الثورية، رغم التباين الذى بينها لإسقاط حكم العسكر، ولإعادة المسار الديمقراطى الذى سطوا عليه بانقلاب يوليو الفاضح. ولا أحد يعارض الاصطفاف عامة، والاصطفاف الثورى المصرى خاصة؛ إذ الاصطفاف بهذه الصورة من أعمال التعاون على البر، وأحد صور الإصلاح. والأديان والأعراف وقوانين الدول الحديثة أمرت بهذا، ففيه صلاح الناس، ونصرة المظلوم، وكف الظالم عن ظلمه، والممتنع عن هذا فيه جاهلية ورعونة، وفيه أثرة وإعراض عن الحق.
وفى الفترة السابقة، ظهرت دعوات كثيرة من أفراد وقوى سياسية وثورية مختلفة، تنادت جميعًا بوحدة الصف، وتنحية الخلافات، والاستقامة على نهج واحد بغرض إزاحة البلوى التى ابتليت بها المحروسة.. وهذا أمر جيد وواجب الوقت، ولا أرى مصلحة أكبر منه. ورغم عدم الاتفاق بين هذه القوى حتى الآن، إلا أن ما يجرى يبشر بحتمية الوصول إلى اتفاق بينها؛ للأضرار الكارثية التي لحقت بالشعب وتهدد بضياع البلد ونشر الفوضى فى كل أركانه.
وننبه إلى محفزات هذا الاصطفاف المعجلة بتنفيذه، وهى ما أشرنا إليه سابقًا؛ من ضرورة النظر إلى المصلحة العامة دون المصالح الضيقة الخاصة، ونضيف إليها: عدم التنازع كى لا يحل الفشل وتذهب الريح، والالتزام بقواعد الشورى والديمقراطية، واحترام الرأى الآخر، وتقديم التضحية، وعدم الاستبداد والتسلط عند عرض الآراء.
وننبه كذلك إلى ما أسميناه: حلال الاصطفاف وحرامه، أما الحلال فهو ما لاقى اتفاق الجميع، وما لا يخالف الدين والعرف، وكل ما كان سببًا فى إسقاط العسكر ودحر انقلابهم، وهذا الحلال كثيرٌ ما لم يأت محرمًا أو مجرّمًا، أو ما لم يفرّق الصف ويصنع الفتنة، والباب فى مثل هذه المواقف مفتوح على مصاريعه لتلقى الاقتراحات والخطط والآراء التى تعضد موقف المصلحين وتساند طموحاتهم.
أما حرام هذا الاصطفاف، أو ما نحذر منه فهو أيضًا كثير، والخوض فيه دعم للفشل والفرقة، منه: التخلى عن شرعية خرج الشعب من أجلها، ودافع عنها بكل قوته، وكانت نتاجًا لثورة مباركة، والتخلى أيضًا عن دماء الشهداء والقصاص لهم، ونسيان عشرات الآلاف من الأحرار فى سجون العسكر؛ منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، وهؤلاء هم المدافعون الحقيقيون عن الثورة، وهم من يبذلون الغالى والرخيص لكسر الانقلاب؛ بصمودهم وثباتهم وعدم الركون إلى الظالم بتأييد أو مبايعة من أجل الإفراج والخروج.. ومن الحرمة كذلك: العتاب فيما مضى، أو التعيير بما سبق، أو الاستعلاء على الآخر والعجب بموقف أو كثرة عدد، والحذر الحذر من اختراق المجرمين ممن تورطوا في الدم لكيان المصطفين فيفسدوه ويزرعوا فيه الفتن، نعم الباب مفتوح للجميع ولا خير فيمن يرد تائبًا نادمًا، لكن للتوبة شروطها، فالقتل لا يسقط بالتقادم، والتوبة باللسان لا تكفى لرد المظالم، وعلى قادة الاصطفاف أن يميزوا بين الحالات، وأن يوسعوا صدورهم لمن يرون فيه الخير ولم يتلوث بدم أو إساءة للثوار.. سائلين الله أن يجمع الشمل، ويلم الشعث ويصلح المتخاصمين.. إنه القادر على ذلك، نعم المولى ونعم النصير