“حياة القبور” انتهاكات سجن العقرب في مصر

egyptmap-ar

صورة بالقمر الصناعي لسجن العقرب

شنت السلطات المصرية منذ يوليو/تموز 2013 حملة اعتقالات شاملة استهدفت طيفا عريضا من الخصوم السياسيين بعد أن قام الجيش المصري بقيادة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي بعزل محمد مرسي، أول رئيس مُنتخب بشكل حر والعضو القيادي في “الإخوان المسلمين”.

بين عزل مرسي ومايو/أيار 2014، أصبح 41 ألف شخص– على الأقل – بين معتقل ومُتهم بحسب إحصاء موثق، مع اعتقال 26 ألفا آخرين منذ بداية 2015، على حد قول محامين وباحثين حقوقيين. اعترفت الحكومة بنفسها بأنها أجرت نحو 34 ألف اعتقال.

هذا السيل العارم من المعتقلين ضغط بشدة على نظام السجون المصري. بحسب “المجلس القومي لحقوق الإنسان” – شبه الرسمي – فإن السجون في عام 2015 كانت تعمل بـ 150 بالمائة من طاقة استيعابها. على مدار السنتين التاليتين لسقوط مرسي، شيدت الحكومة المصرية وخططت لبناء 8 سجون جديدة.

أحد هذه السجون كان جاهزا. تم بناؤه عام 1993 وسُمي – رسميا – “سجن طرة شديد الحراسة”، لكن ومنذ فترة طويلة أكسبته سمعته مسمى مختلفا: سجن العقرب.

هذا التقرير الذي يستند إلى 23 مقابلة مع أقارب سجناء ومحامين وسجين سابق، يوثق الظروف المتسببة في الانتهاكات في سجن العقرب. تحظر سلطات السجن على النزلاء التواصل مع عائلاتهم أو محاميهم لشهور، وتحتجزهم في أوضاع تنتهك الكرامة، دون أسرّة أو أفرشة أو مواد النظافة الشخصية الأساسية، ويتعرضون للإهانة والضرب والسجن لأسابيع في زنازين “التأديب” المزدحمة، وهي معاملة يُرجح أنها ترقى لمصاف التعذيب في بعض الحالات، مع عرقلة الرعاية الطبية للنزلاء بشكل ربما أسهم في وفاة بعضهم. أدى الافتقار شبه الكامل للرقابة المستقلة على سجن العقرب – كما يوثق التقرير – إلى زيادة هذه الانتهاكات، وأسهم في الإفلات من العقاب.

رغم ادعاء السجناء بالتعرض لانتهاكات جسيمة في عدد من السجون، والعديد منها تأوي معتقلين سياسيين، مثل برج العرب في الإسكندرية – حيث يجري احتجاز مرسي – فقد برز العقرب بصفته الموقع المركزي المخصص لمن ينظر إليهم كأعداء الدولة، بما يشمل الإخوان المسلمين، المعارضة السياسية الرئيسية للسيسي.

سجن العقرب الذي شُيّد في خضم إحدى أسوأ فترات العنف الداخلي في مصر، كان على مدار أغلب فترات تاريخه مخصصا لأخطر السجناء في مصر، وبينهم من زُعم أنهم أعضاء في “الجماعة الإسلامية” و”الجهاد الإسلامي”، وقد شارك أفراد الجماعتين في أعمال تمرد متطرف واسعة النطاق في الثمانينات والتسعينات، استهدفت الأجانب والحكومة المصرية، وخلّفت مئات القتلى. من بين سجناء العقرب أولئك الذين شاركوا في اغتيال الرئيس أنور السادات في 1981، ورئيس البرلمان الأسبق رفعت المحجوب في 1990.

بحلول الألفية الجديدة، انحسر هذا النزاع، وأفرجت السلطات عن آلاف الأشخاص الذي احتجزوا لسنوات دون محاكمة. لكن بعد 2013، عاد سجن العقرب إلى دوره القديم.

هذا السجن الواقع ضمن منطقة سجون طرة – وهو مجمع حكومي على نهر النيل في الطرف الجنوبي للقاهرة – له قيمة مركزية في جهاز الدولة القمعي، وتشرف عليه طوال الوقت تقريبا وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني التابع لها. في العديد من الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، فإن من ينظر إليهم على أنهم خصوم للحكومة يجري التحقيق معهم واعتقالهم على يد أعوان الأمن الوطني؛ يُعذبون للاعتراف على يد هؤلاء الأعوان أثناء فترات اختفاء قسري قد تدوم لأسابيع أو شهور، ثم يُحاكمون أثناء احتجازهم، في عزلة شبه تامة ودون محامين، في السجون التي يهيمن عليها مسؤولو هذا الجهاز.

يعتقد أهالي المعتقلين أن زنازين العقرب البالغ عددها 320 زنزانة، في بلوكات في شكل الحرف H، تضم حاليا نحو 1000 معتقل، بينهم أغلب أعضاء القيادة العليا للإخوان المسلمين، المسجونين جنبا إلى جنب مع أشخاص يُدعى أنهم من أعضاء “الدولة الإسلامية”، الجماعة المتطرفة المعروفة أيضا بـ “داعش”. كما يجري احتجاز أشخاص ليسوا أعضاء في أية حركة إسلامية في سجن العقرب، ومنهم الصحفي هشام جعفر والطبيب الناشط أحمد سعيد.

في حين تحاول السلطات المصرية بشكل عام تفادي وصول المعلومات عن السجون للجمهور، فهي تبذل جهودا أكبر بكثير على هذا المسار فيما يخص سجن العقرب. زيارات الأهالي والمحامين غير منتظمة، وتُمنع بالكامل لفترات طويلة، ولا تدوم إلا لدقائق معدودة. لا يُسمح للنزلاء بإجراء مقابلات أو التواصل مع أشخاص خارج السجن بأي شكل. وفي مناسبات قليلة – أثناء جلسات المحاكم – يُسمح لهم بالتحدث قليلا في وجود الإعلام. قلة ممن أُرسلوا إلى العقرب منذ 2013 أخلي سبيلهم. كانت هيومن رايتس ووتش على علم بسجين واحد فقط أخلي سبيله وتحدث عن تجربته علنا، وهو مراسل “الجزيرة” عبد الله الشامي، الذي احتجز هناك لمدة شهر في 2014. أُنزلت بالعديد من المعتقلين أحكام مطولة بالسجن، وما زالوا رهن الاحتجاز على ذمة الاستئناف، وهي إجراءات تستغرق سنوات في العادة. هناك آخرون محتجزون على ذمة المحاكمة، ويواجهون في الأغلب مجموعة متنوعة من الاتهامات الخطيرة، دون قبول خروجهم بكفالة.

رغم أن العقرب – مثل كافة السجون المصرية – يتبع قطاع مصلحة السجون بوزارة الداخلية، فمن حيث الممارسة يسيطر عليه جهاز الأمن الوطني سيطرة شبه كاملة. هذه الترتيبات القائمة منذ افتتاح العقرب عندما كان الأمن الوطني يُسمى “مباحث أمن الدولة”، بسجلها الحافل بالتعذيب والانتهاكات الأخرى، تعني أن الأمن الوطني ليس مسؤولا فحسب عن التحقيقات واعتقال المشتبه بهم، إنما أيضا عن معاملتهم أثناء الحبس.

منع الزيارات

سجن العقرب مُحاط بقدر كبير من السرية، ما يتسبب في وقوع الانتهاكات وتفاقمها. تحافظ سلطات وزارة الداخلية على هذه السرية عبر منع الزيارات بشكل منتظم ومتعسف، سواء من الأهالي أو المحامين. منذ مارس/آذار تقريبا إلى أغسطس/آب 2015 حظرت وزارة الداخلية كل الزيارات لسجن العقرب. تقريبا، بدأ الحظر مباشرة بعد أن عيّن السيسي وزير الداخلية الحالي مجدي عبد الغفار. أجمع كل الأهالي الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش تقريبا على أن الظروف في سجن العقرب تدهورت كثيرا بعد تعيين عبد الغفار في مارس/آذار 2015.

أدى حظر الزيارات إلى منع الأهالي من جلب الطعام والدواء والملابس، وهي مواد إما غير متوفرة، أو تتوفر بكميات هزيلة وحالة سيئة داخل السجن، ما وصفه بعض الأهالي بسياسة “التجويع”. قال البعض إن أقاربهم المعتقلين فقدوا 29 إلى 34 كلغ من وزنهم. مات 6 على الأقل من نزلاء سجن العقرب أثناء فترة حظر الزيارات هذه أو بعد انتهائها مباشرة (انظر أدناه). منع الحظر بعض الأهالي من زيارة أقاربهم المحتجزين الذين ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام، وأُعدموا دون إخطار الأهالي، في مخالفة للقانون المصري.

رغم رفع وزارة الداخلية الحظر العام على الزيارات في أغسطس/آب 2015، فإن السلطات المصرية مستمرة في منع الزيارات بشكل منتظم ومتعسف، سواء من الأهالي أو المحامين، وتحدد مدة الزيارة بخمس إلى 10 دقائق. تعتمد في هذا على مادة فضفاضة ومبهمة من قانون السجون المصري الذي لم يتغير منذ عام 1956. تنص المادة على أنه “يجوز أن تمنع الزيارة منعا مطلقا أو مقيدا – بالنسبة إلى الظروف – اوقات معينة، وذلك لأسباب صحية أو متعلقة بالأمن”.

تقتصر زيارات المحامين المسموح لهم بزيارة موكليهم على مقابلتهم في مكتب مأمور السجن أو مدير المباحث. يجلس حارس أو مسؤول بالسجن في نفس الحجرة في كل المقابلات ولا يُسمح للمحامي أو النزيل بأوراق أو بأدوات كتابة. هذه القيود لا تمكن السجناء من تحضير دفاعهم وتنتهك حقهم في المحاكمة العادلة. اعتقلت السلطات – وأخفت قسرا – محاميا واحدا على الأقل: هو المحامي محمد صادق الذي كسب الكثير من القضايا التي رفعها سجناء في سجن العقرب أو أقارب لهم، بحسب زملائه المحامين.

ظروف السجن السيئة

لا تسمح سلطات سجن العقرب للنزلاء بحيازة الضروريات اللازمة للراحة والنظافة الشخصية، وتشمل الصابون والشامبو والأمشاط ومعجون الأسنان وفرش الأسنان وأدوات الحلاقة والأطباق وأواني تناول الطعام أو حتى أغراض أخرى مثل الساعات والكتب وأبسطة الصلاة أو الأوراق وأدوات الكتابة. تُحظر الصحف والكتب – باستثناء الكتب المدرسية في بعض الحالات.

يؤدي الحرمان من الضروريات الأساسية اللازمة للنظافة الشخصية إلى الأمراض من قبيل الطفح الجلدي وأشكال العدوى الجلدية الأخرى، مع عدم قدرة النزلاء على الاعتناء بنظافتهم الشخصية ومظهرهم المعتاد.

بحسب الأهالي، فإن السجون في العقرب لا توجد بها أسرّة. إنما ينام النزلاء على مصاطب خرسانية منخفضة. قال أغلب الأهالي إن أقاربهم داخل السجن لم يناموا مطلقا على أفرشة، ويعتمدون على بطانيتين أو 3 بطانيات توفرها سلطات السجن، أو يستخدمون صناديق كرتونية مطوية. قالت أسرة نزيل بالسجن لـ هيومن رايتس ووتش إن قريبهم لديه فراش في زنزانته، وقال 3 أشخاص إن أقاربهم كانت لديهم أفرشة سابقا لكن صادرتها سلطات السجن.

يرقى حرمان السلطات للنزلاء من الأغراض الأساسية اللازمة للراحة والنظافة الشخصية – بموجب المعايير الدولية لمعاملة السجناء – إلى مصاف المعاملة التي تنتهك الكرامة، والقصد منها على ما يبدو إهانتهم.

التدخل في العلاج الطبي

يتدخل مسؤولو وزارة الداخلية بشكل منتظم في العلاج الطبي الخاص بنزلاء سجن العقرب. أثناء الفترة التي مُنعت فيها الزيارات، منعوا الأهالي من تسليم العقاقير الطبية غير المتوفرة في صيدلية السجن. حتى عند السماح بالزيارات يصادر الحراس أحيانا بشكل متعسف العقاقير الطبية، ويُخرجون أقراص الدواء من عبواتها ويرمون بعضها أو يخلطون الأدوية ببعضها في الحقائب، ما يعني أن في أغلب الأحيان لا تُسلم جميع الأدوية إلى الصيدلية، على حد قول الأهالي.

رفض الأمن الوطني ومصلحة السجون طلبات من السجناء بالنقل إلى خارج سجن العقرب لتلقي العلاج الطبي، رغم تصديق النيابة على بعض هذه الطلبات، وخالفوا تعليمات الأطباء عندما أعادوا سجناء قبل انتهاء علاجهم، على حد قول عدة عائلات. لم تخبر سلطات سجن العقرب على الإطلاق تقريبا الأهالي عند مرض النزلاء، أو لدى نقلهم للعلاج في عيادات أو مستشفيات خارج السجن.

لا يوجد مستشفى في سجن العقرب، وجميع الأهالي الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش أجمعوا على أن السجناء لا يحصلون على زيارات منتظمة من طبيب السجن، كما ينص القانون المصري. غياب الرعاية الطبية أدى إلى حرمان نزلاء سجن العقرب المصابين بأمراض خطيرة ومزمنة – مثل السكري وفيروس الكبد ج والصرع وأمراض القلب – على العقاقير الطبية الضرورية والعلاج الطبي المتخصص. هؤلاء السجناء يعانون أكثر من غيرهم في مثل هذه الظروف.

الموت رهن الاحتجاز

مات 6 من نزلاء سجن العقرب على الأقل رهن الاحتجاز أثناء فترة حظر الزيارات في 2015 أو بعدها مباشرة. قال أقارب ومحامو 3 من النزلاء الستة لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات رفضت النظر في أمر الإفراج عنهم بصفة مشروطة لأسباب طبية، ومنعت علاجهم في الوقت المناسب، وأخفقت في إجراء تحقيقات جدّية في وفاتهم. في إحدى الحالات منعت النيابة تصريح الدفن إلى أن وعد قريب للنزيل المتوفى بعدم تقديم شكوى بشأن غياب الرعاية الطبية.

عصام دربالة – القيادي بالجماعة الإسلامية الذي سبق احتجازه 20 عاما في مجمع سجون طرة والمصاب بالسكري – لم يُسمح له بالحصول على دواء رغم مثوله أمام المحكمة في أغسطس/آب 2015، وكان يرتعد ولا يمكنه الوقوف أو الامتناع عن التبول. مات بعد الجلسة، بعد أن رفض مسؤولو السجن إمداده بالدواء الذي سلمته إليه أسرته، رغم أوامر من النيابة والقضاء بذلك، بحسب أخيه.

نزيل آخر، هو فريد إسماعيل، البرلماني السابق من “حزب الحرية والعدالة” التابع للإخوان المسلمين، مات في مايو/أيار 2015 بعد أسبوع تقريبا من الدخول في غيبوبة بسبب مرض كبدي، داخل زنزانته في العقرب، نُقل على إثرها إلى مستشفى خارجي. خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، وهو محتجز في سجن العقرب، قال لابنته عائشة الشاطر إن مسؤولي السجن تجاهلوا طلبات النزلاء بمساعدة إسماعيل.

قالت ابنة الشاطر لـ هيومن رايتس ووتش إن أثناء فترة وفاة إسماعيل، لم تسمح السلطات للنزلاء بالخروج من زنزاناتهم، فتدبر والدها وآخرون نظاما للاطمئنان على صحة بعضهم البعض، إذ كانوا يطرقون على أبواب الزنازين ويصيحون للتواصل. يوم وفاة إسماعيل لم يكن يرد، فافترضوا أنه نائم أو لم يسمع. في الليل عندما طلبوا من الحراس الاطمئنان على إسماعيل، قال لهم الحراس “ليس شأنكم”. في اليوم التالي عندما لم يرد إسماعيل، أحدثوا جلبة وجاء الحراس أخيرا وأخرجوا إسماعيل – الذي كان فاقدا للوعي – من زنزانته.

قالت عائشة الشاطر: “بعد ذلك أصبح الصياح من داخل الزنزانة ممنوعا. يقولون: إنها حياة القبور. أحياء لكن في قبور”.

الانتهاكات البدنية والنفسية والإضراب عن الطعام

أدت الظروف المزرية في سجن العقرب ببعض المعتقلين إلى بدء إضراب عن الطعام في فبراير/شباط 2016، وبحلول الشهر التالي، انضم إليه ما لا يقل عن 57 نزيلا، بحسب أحد الأقارب. ردت السلطات، ممثلة في اللواء حسن السوهاجي، مساعد وزير الداخلية لشؤون السجون، بتهديد بعض النزلاء المضربين بالعنف، في حين تعرض بعضهم للضرب. بحلول أغسطس/آب 2016 القليل فقط من السجناء استمروا في الإضراب، بحسب أحد الأقارب.

تعرض أعوان السجن بالضرب المبرح لنزيل مضرب عن الطعام، كان – وبحسب قول طبيب شاورته أسرته – يعاني على الأرجح من الصرع. أدى الضرب إلى إصابته إصابات خطيرة واستلزم علاجا في مستشفى السجن، على حد قول شقيقه وأحد أقاربه الآخرين. تم إعطاؤه مهدئات قوية هو وسجين آخر دون موافقتهما، وبعدها فقد الرجل الثاني وعيه لمدة يوم ونصف تقريبا وتقيأ دما. أمضى الشامي – مراسل الجزيرة – شهرا في سجن العقرب، وكان مضربا عن الطعام. قال لـ هيومن رايتس ووتش إن المسؤولين حاولوا مرتين إنهاء إضرابه عن طريق إطعامه قسرا، وأعطوه مهدئا قويا دون موافقته أثناء إحدى تلك المحاولات.

تعرضت سلطات سجن العقرب بالضرب والإهانة للنزلاء واحتجزتهم لأسابيع في زنازين صغيرة في “عنبر التأديب”، ولا تتوفر فيه كهرباء أو مياه جارية أو مراحيض، مع التمادي في تقليل نصيب المحتجزين في تلك الزنازين من الغذاء، أكثر من عموم النزلاء. ادعى سجناء وأقارب لسجناء إن هذه المعاملة كان القصد منها تأديبهم وتخويفهم.

ادعى محمد البلتاجي – قيادي بالإخوان المسلمين ونائب برلماني سابق – في جلسة بالمحكمة في أغسطس/آب 2016 أن اللواء السوهاجي ومسؤول آخر رفيع المستوى بوزارة الداخلية أجبراه أثناء تفتيش الزنزانة على التجرد من الثياب والجلوس في وضع القرفصاء أثناء تصويره، لإجباره على سحب بلاغ تقدم به ضد الرئيس السيسي. قالت عائشة الشاطر إن والدها أخبرها أن النزلاء أُجبروا على الرقود على الأرض فيما صورهم المسؤولون و”وقفوا” على بطونهم.

غياب الرقابة

رغم أن القوانين المصرية تعطي عدة هيئات سلطة تفتيش السجون، فمن حيث الممارسة نادرا ما تمارس هيئات مستقلة الرقابة الحقيقية. هذه المشكلة ليست جديدة؛ ففي تقرير صدر عام 1993 إبان زيارات لستة سجون في مصر، توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن سيطرة وزارة الداخلية على السجون عامل أساسي يمكّن من وقوع الانتهاكات.

قانون تنظيم السجون الصادر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، في نوفمبر/تشرين الثاني 1956 والذي ما زال نافذا وإن عُدّل عدة مرات، يمنح مفتشي وزارة الداخلية والمحافظين والقضاة وأعضاء النيابة الحق في تفتيش السجون. تعرف هيومن رايتس ووتش بحالة واحدة فقط – هي حالة الشامي التي شهدت اهتماما دوليا كبيرا – مارست فيها هيئة ما سلطة تفتيش السجون في سجن العقرب.

زار المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي تموله الحكومة سجن العقرب 3 مرات، لكن فقط بعد الحصول على تصريح من السلطات ودون إمكانية مقابلة النزلاء على انفراد. انتقد تحالف لأهالي سجناء العقرب المجلس بعد زيارته الأكثر استفاضة للسجن، في أغسطس/آب 2015، وقال إنه يبرئ ذمة الحكومة من الانتهاكات التي تقع داخل السجن.

العجز عن ممارسة الرقابة على سجن العقرب – أو غياب الإرادة اللازمة لذلك – يحول دون تمكن النزلاء من تقديم شكاوى حول المعاملة، ويهيئ لحالة الإفلات من العقاب على الانتهاكات.

المعايير الدولية

المعايير الدولية الخاصة بظروف السجون منصوص عليها في “قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء” التي تم تحديثها وسُميت “قواعد نيلسون مانديلا” من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2015. أول قاعدة من قواعد مانديلا تنص على أن يُعامل السجناء “بالاحترام الواجب لكرامتهم وقيمتهم المتأصِّلة كبشر. ولايجوز إخضاع أيِّ سجين للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أوالمهينة، وتُوفَّر لجميع السجناء حماية من ذلك كله، ولا يجوز التذرُّع بأيِّ ظروف باعتبارها مسوِّغاً له”.

بموجب القانون الدولي وقواعد مانديلا فإن الانتهاكات البدنية التي تمارسها السلطات والاستخدام المطول لزنازين “التأديب” يعد من قبيل المعاملة القاسية واللاإنسانية ويُرجح أن يرقى إلى مصاف التعذيب في بعض الحالات. تدخل السلطات في العلاج الطبي والقيام بإطعام النزلاء المضربين قسرا في حالة واحدة على الأقل، هي ممارسات ترقى بدورها لمصاف المعاملة القاسية واللاإنسانية. في حالة النزلاء الذين ماتوا رهن الاحتجاز، قد يشكل ذلك انتهاكا لحقهم في الحياة.

تدعو هيومن رايتس ووتش السلطات المصرية إلى اتخاذ عدة خطوات فورية وإجراءات طويلة المدى لتحسين ظروف سجن العقرب، والسماح بقدر أكبر من الرقابة على السجون في شتى أنحاء مصر.

على وزارة الداخلية المصرية أن تنفذ فورا تغييرات مُلحّة مطلوبة في سجن العقرب، وفي السجون المصرية الأخرى التي تشهد انتهاكات مماثلة، حتى تصبح سجونها متسقة مع القانونين المصري والدولي. من هذه الإجراءات: إنهاء حظر الزيارات التعسفي، وضمان مقابلة السجناء بشكل منتظم للأطباء وحصولهم على الرعاية الطبية المناسبة، وإمدادهم بالحد الأدنى من الضروريات اليومية اللازمة للنظافة الشخصية والراحة.

على الحكومة المصرية السماح لمراقبين دوليين بزيارة سجن العقرب. يجب أن تشكل الحكومة لجنة وطنية مستقلة من أطباء ومحامين حقوقيين ومنظمات حقوقية مستقلة وقضاة وأعضاء نيابة حاليين وسابقين وآخرين، وأن تُمنح اللجنة سلطة وولاية إجراء زيارات غير معلنة للسجون، ومقابلة السجناء على انفراد، وتقديم البلاغات بالشكاوى لنيابة خاصة، وتحضير تشريع لتحسين الأوضاع في السجون. عليها أيضا دعوة “اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب” إلى زيارة مصر لتقييم الوضع الحقوقي فيها، والسماح لها بزيارة سجن العقرب وغيره من منشآت الاحتجاز الأخرى. وكان فريق الاتحاد الأفريقي رفيع المستوى الخاص بمصر قد أوصى بهذه الزيارة في تقريره النهائي لسنة 2014.

على النيابة العامة المصرية التحقيق – وتوجيه التهم إن أمكن – في مسؤولية القيادة في سجن العقرب في ما يتعلق بأعمال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية المحتملة التي ارتكبها حراس ومسؤولون في السجن. على النيابة ممارسة سلطاتها الرقابية الممنوحة لها بموجب القانون كاملة، بأن تجري زيارات لتفتيش سجن العقرب والسجون الأخرى، وأن تحقق في شكاوى السجناء وتحقق مع المسؤولين في حال وجود أدلة على وقوع انتهاكات.

وأخيرا، على البرلمان المصري التصديق على “البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” الذي ينص على ضرورة وجود مراقبة حكومية ودولية لمراكز الاحتجاز لمنع الانتهاكات. على البرلمان أيضا تعديل قانون السجون من أجل إلغاء التبرير الفضفاض والمبهم لحظر الزيارات في السجون، والحد من استخدام الحبس الانفرادي، وتكليف النيابة بإجراء زيارات للسجون.

أرسلت هيومن رايتس ووتش طلبات تفصيلية لمعلومات حول الأوضاع والسياسات في سجن العقرب إلى وزارة الداخلية ومكتب النائب العام في 12 أغسطس/آب 2016، مع إرسال نسخ إلى وزارة الخارجية. حتى اعداد هذا التقرير للنشر في منتصف سبتمبر/أيلول، لم ترد إلى هيومن رايتس ووتش أي ردود حول هذه الرسائل.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...