وائل قنديل يكتب .. غزوة نيويورك: زاوية السيسي الحمراء

1

من الخطأ أن يتصوّر أحدٌ أن الحشد الطائفي من أجل عبد الفتاح السيسي في نيويورك هو مجرد مبادرة من رأس الكنيسة المصرية، أو محض تصرّف نزِق من المتعصبين، من لوبي أقباط أميركا، تماماً كما يجافي الحقيقة أن يُقال إن حزمة الأخبار الحمقاء عن رفض السيسي طلبات من أمير قطر والرئيس التركي لمقابلته، هي شطحات إعلام مصاب بلوثة.

كل ما يفعله عبد الفتاح السيسي، منذ عملية السطو المسلح على الحكم، هو السعي إلى وضع مصر على مضمار الاحتراب الطائفي، والتلويح به في وجه كل من ينتقدون طغيانه واستبداده، ويسعون إلى إزاحته من موقعه.

وعلى ذلك، فإن الحشد الطائفي المبتذل في نيويورك هو صناعة النظام الرسمي، وما أقدم عليه رأس الكنيسة هو تنفيذٌ لرغبات مؤسسة الحكم التي تعاملت مع زيارة نيويورك، باعتبارها “غزوةً” أو مباراةً صاخبة، تتطلب حشد المشجعين والأنصار، لتثبيت صورة السيسي في نظر المهووسين بمشروع الحرب على الإرهاب، محارباً شرساً ضد “التطرّف الإسلامي”.

ربما تصوّر السيسي وأذرعه في الحكم، ومن ضمنها المؤسّسة الدينية، بفرعيها، أن الولايات المتحدة في الطريق إلى مرحلةٍ “ترامبية” شديدة التطرّف ضد الإسلام السياسي، فقرّروا أن يبالغوا في إظهار علامات الموالاة والتبعية لهذا “التسونامي” من الكراهية والعنصرية، وهذا هو التفسير الوحيد للإمعان في إبراز الرموز الكنسية في الزفّة المبتذلة، التي صاحبت الجنرال الذي تفوق على دونالد ترامب شخصياً، في استثمار فزّاعة خطر المهاجرين إلى الغرب.

وهذه الرقصة الطائفية المجنونة هي الأخطر، حتى الآن، في مسيرة الحكم غير الرشيد، وغير العاقل، التي ينطلق بها عبد الفتاح السيسي بمصر إلى مصائر بالغة الوعورة، الأمر الذي حدا بالعقلاء من المسيحيين المصريين، في الداخل، إلى إصدار وثيقةٍ ترفض فيها حماقات ما يمكن تسميته “تحالف البيادة والقلنسوة الكهنوتية” التي تضع مصر على شفير أزمةٍ طائفية، تعود بالذاكرة إلى تلك الأحداث الدامية التي وقعت في منطقة الزاوية الحمراء في القاهرة، في سنوات حكم أنور السادات، عندما اختار أن يلهو بالورقة الطائفية، لتأمين حكمه ضد معارضيه من اليسار.

وتدهشك في ذروة هذه الحالة من الهوس باستثمار حالة من الاحتقان العقدي، في شوارع نيويورك وأمام مقر الأمم المتحدة، جرأة، بل وقاحة، وسائل إعلام عبد الفتاح السيسي في الكذب والتلفيق، حين تنسب للمرشحة الديمقراطية للانتخابات الأميركية، هيلاري كلينتون، أنها أكدت للسيسي “أن على الجميع أن يعلم أن مصر تغيّرت تماماً، وأصبحت دولة مدنية حديثة”.

كانت الصلبان والمظاهر الكنسية تلمع أمام مقر إقامة السيسي، واشتباكات بالأيدي، على أرضية من التعصّب الطائفي، تدور على بعد خطواتٍ من مكان لقاء السيسي وهيلاري كلينتون. وعلى الرغم من ذلك، لا يتورّعون عن الادعاء بأنها أكّدت “أن مصر أصبحت دولة مدنية حديثة”، الأمر الذي يظهر كلينتون وكأنها تعيش في عزلةٍ عن العالم، ولا تقرأ حرفاً مما تكتبه الصحافة الأميركية عن الأوضاع في مصر، واندفاعها المتهور نحو العسكرة الكاملة لنظامها السياسي، حتى أن حملةً انطلقت، مع بدء زيارة السيسي، تحت شعار”الجيش هو الحل”، تطالب بإسناد ما تبقى من وزاراتٍ يتولاها مدنيون إلى قيادات الجيش.. فأية مدنيةٍ تلك، التي تراها كلينتون على حد زعم إعلام السيسي، في دولةٍ يمشي نظامها السياسي على ساقين، الأولى هي الصعود بحالة الاستقطاب الديني إلى أعلى مراحلها، والثانية القضاء على المظاهر المدنية في الحكومة؟!

وأية “حداثةٍ” في مصر السيسية رأتها هيلاري، بينما موكب جنرال الحكم العسكري إلى الأمم المتحدة يتخذ ذلك الشكل البدائي المتخلف، المنتمي كلياً إلى عصاباتٍ تسكن الغابات، وتقود صراعاتٍ قبلية، تنتهي بهدير احتفالات صاخبة أقرب إلى مهرجانات ملوك الطوائف الإثنية، في تاريخ ما قبل الحضارة؟

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...