الباسمون إلى الردى

1

بقلم المعتقل في سجون الانقلاب : أحمد الغزالي

“نظرة من الأسى ونبرة من الإشفاق! ، يقولون كيف حالك وقد ارتديت بدلة الإعدام؟! فأردُّ وأنا مشفق عليهم فهم يظنون أن الطغاة يرهبوننا عندما يتوعدوننا بالإعدام والموت!”..

يتوعدوننا بالذي خرجنا نطلب، كم هتفنا ” الموت في سبيل الله أسمى أمانينا “، كم تمنينا أن تخضب صدورنا بدمائنا فنذهب إلى ربنا فيكلمنا كفاحًا كما كلم أبا جابر رضي الله عنه فنقول ” فيك يارب .. فيك يارب ” فيرضى ويعفو ويغفر فنفوز الفوز المبين .

كلما تذكرت وعيدهم تذكرت حواصلَ طيرٍ خضرٍ تسرح من الجنة كيف تشاء ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، اطَّلَع عليهم ربهم اطِّلاعًا فسألهم أن يسألوه، فسألوه أن يعودوا فيقتلوا في سبيله مرة أخرى، تذكرت حورًا عين كأمثال اللؤلؤ المكنون مهيئة تقول ” لنا فيك حاجة “، تذكرت رسولنا يباهي بنا الأمم ويفاخر، تذكرت لقاءًا مع سيد الشهداء حمزة وجمعٌ من الصحب الكرام، وهذا يجعلنا ” الباسمون إلى الردى “.

أما الموت والإعدام فيعني لقاء الأحبة بعد طول غياب، سرنا على الدرب معًا فاصطفاهم الله وتركنا في هذه الدنيا القاحلة بدونهم الموحشة بغير أنسهم، فكلما تذكرتني وأنا أُقادُ إلى الموت تنتفخ الأوداج باسمة لأني أراهم شاخصين أمامي ينتظرونني على شاطئ آخر لا يفصلني عنهم إلا ذلك الحبل ولا يحجبني عنهم إلا هذا الجلاد وحركة من يديه!.

كلما طافت بي ذكراهم وعهودًا قطعناها في الدنيا للقاء على الحوض أسير إلى المشنقة كمسير أهل الحب للقاء عشاقهم!.
ولعل البعض يقول ” لكنها فتنة عظيمة “، نقول نعم فتنة ولكن نتمثل فيها قول ربنا :
” إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتُلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ”

وقوله ” ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما تجمعون ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون “.

قتلة نتمثل فيها قول خبيب رضي الله عنه وهو بين أيدي المشركين موقوف ليقتلوه ” فلست أبالي حين أُقتَلُ مسلمًا .. على أي جنب كان في الله مصرعي”، نتمثل فيها عميرًا وتمراته يلقيها ويقول ” بخ بخ .. واهًا لريح الجنة ” …

نتذكر أن الكل يموت بمرض عضال أو في حادث وإن أردناها نحن في ساحة من ساحات الوغى!… وإن قدرها الله علينا في غير ذلك فشعارنا ” اللهم إنا راضون عنك فارض عنَّا “..

كلما رأيت نظرة الشفقة علت ثغري الابتسامة وتذكرت كل ذلك!

ولولا أن لنا ذنوبًا لا يعلمها الا الله وأننا لا نأمن مكر الله، لقلنا لهم ” الآن الآن إلى أعواد المشانق ”

الآن فهذا ما علمنا نبينا أن الإيمان طائر بجناحي الخوف والرجاء، ولكن ظننا بربنا أنه لن يضيعنا أبدًا …\

هكذا ياصديقي أجد حكمهم الذي لا يملكونه فالموت والحياة بيد ربي وهكذا أجد ردي على كل من يشفق عليّ، فوالله إن الذي تكرهون لهو الذي خرجتم تطلبون…

فنحن بفضل ربنا الباسمون إلى الردى .. نُقادُ إلى الموت كمسير أهل الحب للميعاد . ”

الفقير لعفو ربه
الغزالي

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...