شعبان عبد الرحمن يكتب : وقفات أمام مبادرة ..لم شمل القوي الثورية !

1473975293-klmtyتحت عنوان “ملتقي الحوار الوطني ” و” .. مصر وطن للجميع ” ، شهدت العاصمة الأمريكية ” واشنطن ” مؤخرا انعقاد ورشة العمل التي ذاع صيتها مترافقا مع شعار ” لم شمل القوي الثورية في مواجهة العسكر وكسر الانقلاب ” .
شعارات براقة ، لكن إفرازاتها تمثل سهاما مباشرة لكسر مصر، وتجريدها من أعز ما تملك ، وهي هويتها الأسلامية ،ونتائج ثورتها الفريدة .
وقبل التوقف أمام محاور وبنود ما صدرعن تلك الندوة أو تسرب عن مناقشتها
 يتبادر إلي ذهني تساؤل : لماذا اختيار “واشنطن ” ضمن العواصم التي يتناقش فيها المتحاورون  ؟ هل تم ذلك بأمارة أن واشنطن هي حامية حمي الثورات العربية وراعيتها  ؟! أم بحكم أن واشنطن لم تقف وراء الانقلاب العسكري ومازالت تسانده حتي اليوم ، بل وتقف وراء كل مصيبة انقلابية تحدث في العالم  ؟! أم جاء انعقادها لكي يسمع الحاضرون البيت الأبيض ما تفتقت به عبقرياتهم وبما يرضي ساكني ذلك البيت ؟ !.
وبعد …
فقد مارس المجتمعون في ورشتهم عملية إخصاء حرام لثورة 25 يناير، بتجريدها من أهم تجلياتها التي أثمرت لمصر أركان دولتها المدنية الحديثة بجهد ودم شعبي.. من برلمان ودستور ورئيس ، وتم اختصار تلك الثورة في شعار ” عيش حرية عدالة اجتماعية ” وفقط .. والسؤال : هل تلك الثورة رفعت ذلك الشعار ثم اختفت من الوجود أم واصلت مسيرها بخمس استحقاقات انتخابية شارك فيها الشعب المصري بصورة لم يسبق لها مثيل وبشهادة العالم . ومن هنا فإن  التوقف عند هذا الشعار يعني سحب الاعتراف بكل ما أثمرته  تلك الثورة من استحقاقات ، وذلك يصب في معني واحد هو احتقار إرادة الشعب ، وهو عين ما فعله الا نقلاب العسكري الذي يدعي أهل ورشة واشنطن السعي لكسره واسقاطه !
الدنيا كلها تعلم أن استحقاقات ثورة يناير الانتخابية جسدت حقيقة واحدة وهي ثقة الشعب المصري في التيار الإسلامي وفي القلب منه الإخوان المسلمين ، والكل يعلم أيضا أن تلك النتائج أشعلت النار في قلوب وعقول الرافضين للمشروع الإسلامي فهل يكون الحل عند الذين فشلوا في الحصول علي ثقة الشعب أن يتم إلغاء التجربة برمتها ومحاولة سحق الناجحين في الانتخابات بل والشعب الذي انتخبهم أم يحسن الراسبون الفاشلون من أدائهم حتي تتحسن نتائجهم ؟ الذي يحدث هو محاولة همجية لسحق التيار الإسلامي وخاصة الإخوان المسلمين وطردهم تماما من الساحة السياسية بالانقلاب والمجازر ، فلما لم يحقق ذلك المطلوب تأتي القوة الغاشمة الناعمة وخيرمن يقبل بأداء ذلك الدور هو التيار العلماني الجاهز دائما للانقضاض !
ومن هنا فإن لسان حال المتناقشين في واشنطن يقول أن الرئيس محمد مرسي لا يعنيهم ، وأن  وجوده  علي جدول اهتمامهم و أجندتهم ليس أكثر من معتقل يجب الإفراج عنه ضمن بقية المعتقلين .
وهل فعل الانقلاب مع الرئيس مرسي أكثر من ذلك .. عزله بالقوة وحاكمه وحكم عليه بالإعدام ويقف بالمرصاد لكل من يأتي علي ذكره أو يرفع صورته أو يدخله في أي معادلة سياسية لحل الأزمة في مصر .!
دكتاتورية الأغلبية !
وعبر مرسي يأتي الموقف من التيار الذي ينتمي إليه وهم الإخوان المسلمون الحاصلون علي أغلبية أصوات الشعب المصري في خمسة استحقاقات متتالية ، ومع ذلك سعت المبادرة إلي عزل هذا التيار سياسيا بكل السبل ، ومنعه من التواجد الفعال في الساحة السياسية .. فقط المسموح له هو التواجد الشكلي مثله مثل أقل حزب في الساحة عددا وقبولا شعبيا ، ولأول مرة في هذا البيان نقرأ تعبيرات فريدة يأسف المرء  لسماعها لفرط تهافتها ومنها تعبير ” دكتاتورية الأغلبية ” وإيه كمان ؟ يطالب البيان باتخاذ تدابير تبطل  هذه الدكتاتورية !
وهل فعل الانقلاب مع تلك الأغلبية غير ذلك .. إنها فكرة خبيثة تشرعن للانقلاب علي نتائج الانتخابات طالما جاءت بمن لا ترضي عنه القوي الاستعمارية وأزلامها في بلادنا ، ولتحقير شأن الأغلبيات في بلادنا ، طالما استعصت علي ذلك الاستعمار..إنهم يحرمون علينا أن ننعم بما ينعمون به في بلادهم حتي نظل في تلك الطاحونة الفارغة !
 إنها مبادرة تمزيق الشمل الممزق وتفتيت الصف الوطني المفتت علي أيدي الطبقة العلمانية التي ابتلينا بها فتسعي لنفقد ما بقي من معاني ثمار ثورتنا ومسيرتنا نحو المستقبل .
حديث الهوية 
تتحدث المبادرة عن الهوية المصرية ، فتصفها بأنها طبقات متنوعة وأن هذا التنوع هو العامل المشترك الموحد لعناصر الشعب المصري .. يعني ليست هناك هوية مركزية جامعة للشعب المصري ، بل هوية متناثرة لعدة قطع مختلفة عن بعضها .. هوية باهتة ماسخة ، وقد كان ذلك مقدمة لما ذكره البيان – الذي تم تسريبه – بأن مصر ” لا هوية لها ولا مرجعية إلا مدنيتها ” . وحسنا فعل المتناقشون بحذف هذه المادة تماما من وثيقتهم تحت ضغط عاصفة الاحتجاج التي ملأت الإعلام .
ويبدو أن الحذف جاء علي عجل ، ولو أنهم تأنوا قليلا وراجعوا الوثيقة كمنظومة واحدة ، ووحدة متكاملة لأعملوا التعديل مع البند السابق الذي يصف هوية الشعب المصري ك”طبقات متنوعة “.
وبعيدا عن موضوع الوثيقة ، فإنني أتوقف أمام عبارة ” مدنية الدولة ” التي سمعناها كثيرا من قبل علي ألسنة وأقلام الطبقة العلمانية ، وسنسمعها كثيرا في المرحلة المقبلة ، وهي عبارة ظاهرها مريح وباطنها علماني ، ولذلك يتم النطق بالكلمة كثيرا دون تفسير،  مثلما تم الاحجام في الوثيقة عن تفسير عبارة ” دكتاتورية الأغلبية أقول .. إن  ” المدنية ”  هنا تعني ” العلمانية”  القحة أو الوقحة التي تنفي الدين وتدخل المتدينين إلي محارق الهلاك للتخلص منهم .. هي هي ” مدنية ” مصطفي كمال التي حاول بها خلع تركيا من إسلامها وتذويب الشعب التركي في النسيج الغربي دون جدوي .. وهي هي ” مدنية ” الحبيب بورقيبة التي سام بها الشعب التونسي المسلم سوء العذاب ، وحول تونس إلي باستيل كبير .
 وقد شاع استعمال عبارة ” مدنية الدولة ”  في تسعينيات القرن الماضي علي لسان العلماني الكبير الدكتور فرج فودة ( هل تتذكرونه ؟!) ، والذي كان كثيرا ما يلقي بها في ساحة الحرب علي الإسلام والتخويف من المشروع الإسلامي.
 كان نظام مبارك يتخذ فودة قفازا للضرب في الصحوة الإسلامية التي تنامت حتي أشعب بنورها علي ربوع مصر والمنطقة ، وقد نظم  له النظام في معرض كتاب عام 1992م  مناظرة  لن ينساها التاريخ بعنوان :” مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية ”   أتذكر يومها أن الدكتور محمد عمارة نسف تلك المناظرة من بدايتها بنسف عنوانها ، فهو صاحب تلك المقولة التي أصبحت مثلا :” بديل الدولة الدينية هو الدولة العلمانية .. وبديل الدولة المدنية هو الدولة العسكرية ” وقدم من الأدلة ما جعل فودة وخلف الله وسمير سرحان وكأن علي رؤوسهم الطير .
 أعود إلي البند رقم (5) الذي خرج النص الأخير من الوثيقة خاليا منه ، فأقول أن المجتمعين هم الذين أثاروا عليهم الدنيا بتعاملهم الإعلامي فقد خرج بشأنه منهم توضيحان للإعلام  ، أحدهما صباح يوم 15 سبتمبر الجاري والآخر في عصر نفس اليوم وكل منهما يزيد الامر غموضا والتباسا .
ممارسة الاعتقاد !
ثم تطالب المبادرة بشيئ غريب لم يجرؤ أحد أيضا علي  طرحه من قبل وهو  ” حرية ممارسة الاعتقاد ” وهذا خلاف ” حرية الاعتقاد ” ، والمعروف أن في مصر  ثلاث ديانات معترف بها : الإسلام والمسيحية واليهودية ، وإذا أقر حق ” حرية ممارسة الاعتقاد ” فذلك يعني حرية اعتنناق أي من المعتقدات الأخري كالبوذية والهندوسية وغيرها من المتعتقدات الوثنية ، وقد سمعنا البرادعي في حوار تليفزيوني قبل الانقلاب العسكري يعبرعن أسفه لعدم وجود معبد بوذي في مصر، التي لا يوجد فيها بوذي واحد ، وبالتالي تأتي تلك الدعوة امتدادا لما طالب به البرادعي .!
 إنها أجندة غربية مجرمة ترمي لردم بلادنا بمعابد ومعتقدات غريبة … ثم هل تلك المجموعة التي جلست في واشنطن ذهبت لتضع بنودا للدفاع عن شواذ العقائد أم لتضع خارطة طريق فعلية للم الشمل وكسر الانقلاب .. وهل في الثوار بوذي أو هندوسي أو عابد حجر حتي تطالب المبادرة بممارسة حقه في الاعتقاد ؟!
محاكمة العسكر 
مبادرة لم تطالب بمحاكمة العسكر الذين انقلبوا وارتكبوا مجازر، يشيب لها الولدان وترد للشعب المصري حقه في شرعيته ، هي مبادرة  ضبابية مرتجفة متناقضة الصياغة ، تخرج من شخصيات أقدرها ولا أخونها ، وأحترمها ولا أشكك في حبها لبلدها ، ولا أسمح لنفسي ولا لغيري بمس دينها ، ولكنني أخالفهم فيما ذهبوا إليه  تماما في بعض بنود مبادرتهم . بنود تجعل مبادرتهم كارثية بكل المقاييس وتحول – في نظري – من يطلقها أو يتبناها إلي فيلق سياسي ، يدعو إلي كل ما فعله الانقلاب ،  ويروج لكل ما يقترفه الانقلاب في حق هوية مصر الأسلامية ، وفي حق القيم الديمقراطية والدستور.
إن تلك الأفكار يتم طرحها منذ عام ونصف العام بأشكال ومسميات مختلفة ، يتم الإعلان عنها كبالون اختبار، فإذا ما قامت عاصفة في مواجهتها ، قيل إنها كلام ونقاش عادي وليست مبادرات. واليوم تتكرر نفس اللعبة .. لعبة ” بالون الاختبار” التي باتت ماسخة !
x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...