هل لحوم كل العلماء مسمومة ؟

05_09_16_10_32_ew

 

محمد عبد الرحمن صادق :

إن عبارة ( لحوم العلماء مسمومة ) التي ذكرها العلامة ابن عساكر رحمه الله في كتاب ” تبيين كذب المفتري ” حيث قال رحمه الله : ” اعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته ، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته ، أن لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ، فإن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ، ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب ” …… فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {63} ” ( النور 63 ) .
– ربما تلقي في بعض النفوس ظِلالاً أن العلماء لا يجب مراجعتهم أو الرد عليهم وأنهم دون غيرهم قد أوتوا من العصمة التي ترفعهم إلى هذه المنزلة لما أوتوه من العلم فهم فوق النقد أو المراجعة وأن كلامهم من المُسَلَّمَات التي بجب أن يُعمل بها دون مراجعة أو مناقشة .
– وربما تفهم بعض النفوس الأخرى أن هذه العبارة تعتبر سياجاً خاصاً بالعلماء دون غيرهم فيتساهلوا في الوقوع في لحوم عموم الناس وأعراضهم .
– وكلا الأمرين على غير صواب .
– وهذه المقدمة ليست انتقاصاً من حق العلماء أو دعوة للتجرؤ عليهم ولكن لمجرد التوضيح دون إفراط أو تفريط .
– فمن المعروف أن لحوم الناس بالغيبة لحوم ميتة فما بالنا بلحوم ( العلماء الثقات ) الذين هم ورثة الأنبياء ومصابيح الهدى في دياجير الظلام !! .
– يقول العلامة ابن باز رحمه الله تعالى : ” طالب العلم له شأنٌ عظيم وأهل العلم هم الخلاصة في هذا الوجود , أمة الإسلام أمة القرآن , الطعن في العلماء عاقبتهُ وخيمة ومآل أهله الذلة والخسران ” .
– قال الإمام ابن المبارك رحمه الله : ” من استخف بالعلماء ذهبت أخرته ” .
أولاً : أصناف العلماء في القر’ن الكريم :
– قال تعالى : ” شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {18} ” ( آل عمران 18 ) . و قال تعالى : ” ……. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ {28} ” ( فاطر 28 ) .
والمتتبع للآيات الكريمة في القرآن الكريم يجد أنها ركزت على بعض الصفات الأساسية للعلماء مثل :-
1- العلماء يقرون لله تعالى دون سواه بالوحدانية .
2- العلماء هم أكثر الناس خشية لله تعالى إجلالاً ومحبة وتعظيماً .
3- العلماء هم أكثر الناس لله خشوعاً وتقوى ثقة في موعود الله تعالى لعباده .
4- العلماء مخبتون لله تعالى فهم أكثر العباد خضوعاً وتواضعاً .
5- العلماء كلهم ثقة ويقين بأن طريق الله تعالى هو الحق المبين وما دونه من طرق ملتوية ومتشعبة ومتداخلة ومتناقضة ما هي إلا طرق للشيطان يخدع بها أوليائه .
6- العلماء يعلمون أن طريق الله تعالى هو الحق فلا يساومون عليه ولا ينخدعون بغيره .
7- العلماء يتفاضلون فيما بينهم بقدر العلم الذي يُحصلونه ويُطبقونه ويدعون الناس إليه ، وبقدر نصرتهم للحق ومواقفهم الثابتة وليس ما يحفظونه ويرددونه فقط .
– هذه بعض صفات العلماء الذين هم ورثة الأنبياء والمُبلغين عن رب العالمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، والذين يجب أن نُجلهم ونحترمهم لمكانتهم عند ربهم فلا نغتابهم ولا نقلل من شأنهم ولا نتطاول عليهم بل ندافع عنهم ونرد غيبتهم وإذا جادلنهاهم جادلناهم بالحسنى والتزمنا الأدب معهم . فهؤلاء ( لحومهم مسمومة ) والنيل منهم أو بخسهم حقهم وعدم إنزالهم منزلتهم تهتز له السماوات والأرض .
– جاء في كتاب ” إحياء علوم الدين ” قول الحسن البصري رحمه الله : ” يوزن مِداد العلماء بدماء الشهداء، فيرجح مداد العلماء ” .
– قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” إن غيبة العلماء تُقلل من شأن العلم الذي في صدورهم ، والذي يعلمونه الناس ، فلا يَقبل الناس ما يأتون به من العلم ، وهذا ضرر على الدين ” .

وعلى الجانب الآخر نجد أن هناك أنواع من العلماء حذرنا القرآن الكريم منها :
– قال تعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {174} ” ( البقرة 174 ) . وقال تعالى : ” وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ {175} وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {176} ” ( الأعراف 175 – 176 ) .
– والمتتبع للآيات الكريمة في القرآن الكريم في هذا الشأن يجد أنها تحذرنا من أصناف ممن يُطلق عليهم علماء ، هذه بعض صفاتهم :
1- يُحرفون كلام الله تعالى ليوافق هواهم ومراد نفوسهم أو لمحاباة ومداهنة الآخرين .
2- يكتمون كلام الله تعالى ليجلبوا مَغنماً أو ليدفعوا مَغرماً .
3- ينسلخون من آيات الله تعالى ويتخلون عنه طمعاً في زخارف الدنيا وحطامها .
4- يستحلون الأموال ويأكلونها بالباطل دون مُراعاة حرمة ولا عهد .
5- يصدون عن سبيل الله بما يصدر منهم من سلوك معوج أو بما يصدرون من أحكام شاذة وفتاوى مُضلة ما أنزل الله تعالى بها من سلطان .
– إن هذا الصنف أيضاً يُطلق عليهم علماء ربما لما حفظوه من كتب أو لما حصلوا عليه من شهادات أو تدرجوا إليه من مناصب ولكنهم لا يتقون الله تعالى في العلم الذي في صدورهم وبين ضلوعهم ، فهم كما رأينا يحرفون بعض العلم ويكتمون بعضه ولا يتورعون من أن يجعلوا من علمهم وسيلة للكسب والحصول على متاع الحياة الدنيا بل يصل الحال بهم إلى أنهم يصدون عن سبيل الله .
من هنا تظهر الفتاوى الشاذة والأحكام المضلة التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان .
ثانياً : بعض الأحاديث النبوية التي وردت في شأن العلماء وأحوالهم :
1- عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ” ( رواه أبو داود والترمذي ) .
2- عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها ” ( رواه أبو داود ) .
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا رأيت العالم يخالط السلطان مخالطة كثيرة فاعلم أنه لص ” ( أخرج الديلمي ) .
4- أخرج أحمد، والبزار، وابن حبان، في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” سيكون أمراء، من دخل عليهم وأعانهم على ظلمهم، وصدقهم بكذبهم، فليس مني ولست منه، ولن يرد علي الحوض . ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض ” .
ثالثاً : أقسام العلماء كما قسمها العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” ليس كل عالم يكون ثقة ، فالعلماء ثلاثة :
1- علماء ملة . 2- علماء دولة . 3- علماء أمة .
– أما علماء الملة : فهؤلاء يأخذون بملة الإسلام وبحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يبالون بأحد كائناً من كان .
– وأما علماء الدولة : فينظرون ماذا يريد الحاكم، يصدرون الأحكام على هواه، ويحاولون أن يلووا أعناق النصوص من الكتاب والسنة حتى تتفق مع هوى هذا الحاكم، وهؤلاء علماء دولة خاسرون .
– وأما علماء الأمة : فهم الذين ينظرون إلى اتجاه الناس، هل يتجه الناس إلى تحليل هذا الشيء فيحلونه، أو إلى تحريمه فيحرمونه، ويحاولون أيضاً أن يلووا أعناق النصوص إلى ما يوافق هوى الناس .
– من هذا التصنيف الرائع نجد أن بعض من يُطلق عليهم علماء ربما يكونون في خطر داهم إذا تركوا لهواهم ولأنفسهم العنان فداهنوا وتملقوا وتسلقوا إما إيثاراً للسلامة أو طمعاً في حطام زائل . نسأل الله تعالى العفو العافية والمعافاة .
رابعاً : نماذج ممن يُطلق عليهم علماء ويدعون أن لحومهم مسمومة :
إن من يروجون المقولة ( لحوم العلماء مسمومة ) ويضعونها في غير موضعها قد سمعوا بعض من يُطلق عليهم علماء أيضاً أمثال ( علي جمعة – مختار جمعة – مظهر شاهين – ميزو – سعاد صالح …. وغيرهم ) يطلقون فتاوى شاذة ولم يحركوا ساكنا فمنهم :-
– من أفتى بإباحة دم المسلم بل شجع عليه .
– من افتى بأن الحشيش طاهر ولا ينقض الوضوء .
– من أفتى ان بيع الخمور حلال .
– من أفتى أن تمثال ” أبو الهول” هو لنبي الله إدريس عليه السلام .
– من أفتى أن الرسول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من مواليد برج الحمل .
– من أفتى أن عبد الحليم حافظ غنى أغنية ” أبو عيون جريئة ” لمدح النبي صلى الله عليه وسلم .
– من افتى بان الزوج يتصل بزوجته قبل ما يرجع البيت يمكن يكون عندها راجل تانى .
– من افتى بجواز النظر للمرأه المتبرجه والاستمتاع بمشاهدة مفاتنها .
– من افتى بان الملكه اليزابيث من آل البيت .
– وفي إحدى الخطب ، التي ألقاها أحدهم قال : ” إن أولياء الله الصالحين ، قد يزنون مثلهم مثل غيرهم ، مستشهدا بتلميذ المرسي أبو العباس، والذي زني، مضيفا أنهم قد يدخنون أيضا ويشربون الشيشة ” .
– ومنهم من أفتى بجواز التمتع بأسيرات الحرب .
– ومنهم من أفتى بإباحة ترقيع غشاء البكارة .
– ومنهم من أفتى بجواز عرض المرأة نفسها للزواج عبر الإنترنت .
– ومنهم من أفتى بفسخ خطبة الإخوانية .
– ومنهم من أفتى بعدم جواز ترك العمل لأداء الصلاة . وأنه لا يجوز ترك ما فى يد المسلم من عمل لأداء الصلاة ، وإن هناك وقت ممتد ما بين الأذان والأذان الذى يليه ، ما يتيح للمسلم الصلاة فيه .
– ومنهم من أفتى بأن التدخين لا يفطر فى نهار رمضان .
– ومنهم من أفتى بإباحة القبلات بين غير المتزوجين .
– وأخيراً : هناك من أفتى بقبول دية المقتول بدم بارد دون توجيه أي عقاب رادع للقتلة أو قصاص يشفي صدور قوم مؤمنين كما قال تعالى : ” وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {179} ” ( البقرة 179 ) .
– إن كل من قاموا بهذه الفتاوى يُقال عليهم ( علماء ) حصلوا على درجة الدكتوراه في تخصصاتهم … فهل تقولون أن ( لحوم العلماء مسمومة ) ولا يجب مراجعتهم ؟
فهل يُعقل أن نجل هؤلاء أو ندافع عنهم أو نسكت على أفعالهم أو نأخذ عنهم أحكاماً وأقوالاً ربما تلقي بنا إلى التهلكة بحجة أن ( لحوم العلماء مسمومة ) .
استقيموا يرحمكم الله

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...