عزت النمر يكتب : هل تُرانا ننتصر ؟!

23_07_16_04_23_ew

 

عزت النمر :

لا أعتقد أحداً يستطيع توصيف صراعات عالمنا العربي الصاخبة بعيداً عن محاربة الإسلام واستحقاقه الحضاري والعقائدي.

ممارسات أطراف الصراع داخلياً من أنظمة مستبدة وجيوش مجرمة وطوائف موالية تثبت أنها حرباً طائفية بامتياز أو على الأقل مواجهة شرسة حادة وجادة مع الإسلام مستقبله وشريعته وأفكاره ورموزه.
ولا أعتقد كذلك عاقلاً مازال ينتظر دليلاً لإثبات ذلك على المستوى الإقليمي أو الدولي والأممي.
في حروب كهذه طبيعي أن تكون طليعة الطرف المقاوم هي الحركة الإسلامية وجماعات الاسلام “السياسي” وأن تكون رأس حربتها جماعة الإخوان المسلمين.
لا أحد يستطيع أن يُنكر ذلك الأثر البالغ والنجاحات العميقة التي حققتها الحركة على المستوى الاجتماعي والقيمي والفكري والأخلاقي والسلوكي والديني، لكن السؤال الصعب لماذا مازالت متعثرة ــ أو هكذا يبدوــ على المستوى السياسي وفي دائرة الحُكْم والتمكن.
هل عجزت الحركة بحجمها الكبير وتاريخها الطويل عن قراءة التحديات واستيعابها أو مواجهتها، أم أن العجز في عدم القدرة على إنتاج زعامة قادرة على إدارة الصراع والمناورة بالإمكانات الوفيرة لتحقيق الهدف؟!
في مصر وصلت الحركة إلى سُدة الحكم وجلست في مقاعده ورأوا من خيالاته ما يحسبه الظمآن ماء، لكنهم استيقظوا على كابوس وقرصنة قادة جيش خؤون وعمالة وإجرام نخبة كفور وشعب يستمتع بالحماقة والدجل، فضلاً عن مؤامرة إقليمية دولية أوسع وأكبر من تصوراتهم الحالمة وأمانيهم العريضة.
كان ما كان.. مما عده مراقبون فشلاً في تحقيق الهدف، المنصفون ــ وهم قليل ــ من اعتبروا كم الخيانات والغدرات والمؤمرات والحماقات عذراً لهم في هذا الإخفاق والسقوط.
في تونس لم تنحو الأحداث هذا المنحى الصاخب العنيف ولم تواجه الحركة ذلك الصدام العاتي ربما لتباينات بين الواقعين أو لطبيعة الفروق بين تحديات مصر الكبيرة عنها في تونس البعيدة الصغيرة.
يبدو أن رمزية وزعامة الغنوشي كان لها أثرها في إدارة المشهد التونسي سواء من ناحية قدرته على التأثير ومخاطبة الجماهير، وربما الأهم والأخطر وهو حاسة الزعامة في قراءة الواقع واستشراف المستقبل وتحدياته, واستطاع بمهارة أن يناور بمبادرات وتحالفات وقرارات وخطوات أثمرت استيعاب وتقليل المخاطر إلى حدها الآمن.
سواء اتفقنا أو اختلفنا في توصيف ما حدث في تونس باعتباره نصر أو مهادنة, كسب جولة أو تقديم تنازل , عبقرية سياسية وحرفية أو توافقية بطعم الانهزام، فإننا في النهاية مضطرين لإعتبار بقاء حركة النهضة في المشهد يُعَد نجاحاً الى حد ما, بل إن استمرار التجربة التونسية في مسار سياسي يُعَد كذلك نجاحاً الى حد بعيد.
خلاصة القول أن الحركة الاسلامية في تونس مازالت تأخذ نفس الحكم وهو أنها لم تحقق شيئاً بعد في أهدافها المشروعة وبخاصة في الحكم والتمكين.
التجربة الوثيرة للحركة الاسلامية التي استطاعت أن تحقق أهدافاً ونجاحات في السياسة والحكم وربما تكون في طريقها للتمكن هي التجربة التركية.
الحقيقة البادية فيها أن زعامة أردوغان لا تقنع بالحفاظ على المكتسب فقط، لكنها دوماً نهمة التطلع والانتقال من كسب الى كسب والتحرك هجوماً في كل الأحداث بمهارة عالية وحرفية, حتى أنه يسعى دائما لحشر خصومه في زاوية المُدَافعة والصد ليعاود مهارته في الهجوم والقنص مستفيداً من مهارة إعادة التموضع بعد كل حدث، وهي مهارة يتقنها الزعيم التركي ويمارسها بكفاءة واقتدار.
ثمة حقيقة أخرى في زعامة أردوغان وهي القدرة على تحويل الإنكسارات والهزائم إلى انتصارات ومِنَح, والاستفادة من المنحنيات والرتوش الداكنه في المشهد وتحويلها الى ألوان زاهية براقة تدعم الخطة وتخدم الهدف.
هذه الموهبة بارزة في مسيرة أردوغان الغانمة داخلياً وكسب بها جولات كثيرة، ويبدو أن الرجل يسعى الآن في استثمارها خارجياً ودلائل كثيرة قد توحي بالنجاح والأمل في المستقبل القريب.
براعة الرجل لم تكتفي باستيعاب كابوس محاولة الإنقلاب عليه، لكنه حوَّل هذه المحنة البالغة والشرر المستطير إلى حصان طروادة الذي مكَّن به لنفسه وثبَّت قدميه في الداخل، وها هو يعيد استخدامه بمنتهى المهارة والحنكة في مبارزات خارجية من تلٍ عال ينظر منه الى خصومه الذين أصبحوا في مرمى سهامه أفضل من أي زمن مضى.
هل يمكن أن نعتبر أن فوارق النتائج والخواتيم بين التجارب الثلاث إنما تكمن في الزعامة ؛ وجودها ابتداءً ومن ثم أثرها.
في مصر تجربة بلا زعيم مطلق, بينما يملك غنوشي تونس زعامة دفاعية استيعابية أما زعامة أردوغان تركيا فهجومية تقدمية.
أقول بمنتهى البشارة واليقين أن واقعنا المصري لأسبابا كثيرة لن يظل كثيراً يعيش في جلباب المحنة، كما أننا لن نستمر هكذا نموذجاَ للابتلاء والصمود والمدافعة لكن لأننا حجر الزاوية في المشهد فطبيعي أن تكون أي صولة ناجحة للحركة الاسلامية في العالم هي إرهاص بين يدي النجاح الأمثل والأعز الذي سيتحقق قريباً في أرض الكنانة وقلب العرب.
إن المشهد المصري وإن بدا بائساً في لحظته الراهنة، لكنه لم يعلن فقره أو جدبه من زعامات مؤهلة ومستحقة وقادرة على إدارة المشهد وتدويره. إنما هي أحداث الدهر وتقلباته وفوران قُدُورِه ستعيد إنتاج رموز الصمود والمدافعة لتصبح قادرة على إدارة الأمل وجلب النصر وتحقيق التمكين غداً أو بعد حين.
ربما نحن كعادتنا في المشرق لا نحفل كثيراً بزعامات لو أنتجها الغرب لباهى بها سموات الكون وأرضه. ويقيني أن التجربة المصرية ثرية برموز مبهرة وزعامات قادرة, وأن التجربة والمحنة الحالية ستعيد صقلها بما يؤهلها ليست فقط لإخراج الحركة من مأزقها الحالي أو لإدارة المشهد في أرض الكنانة فحسب، إنما لإحياء الأمة وإقامة الخلافة وتحقيق أستاذية العالم وتعبيد الأرض كل الأرض لرب العالمين.
“فَانْتَظِرُوا .. إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرينَ”

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...