
احتوى خطاب سفيه الانقلاب عبدالفتاح السيسي، أمس الإثنين بمناسبة ذكرى انقلاب 23 يوليو1952م، جملة من الأكاذيب والادعاءات أمام خريجي الدفعات الجديدة من كليات حربية عديدة. وركز زعيم الانقلاب على ملفين مهمين: الأول هو الاقتصاد. والثاني ملف مكافحة مايسمى بالإرهاب.
وفي خطابه حاول سفيه العسكر تبرير جريمة الانقلاب مدعيا “لم يكن أمامنا أي حل آخر، وأنتهز كل فرصة للحديث إلى المصريين، والتأكيد أن الشعب هو البطل في تحقيق كلا الهدفين”، مستطردًا: “لولاكم يا مصريين، ماكناش ممكن ننجح في أخطر قضيتين بيواجهوا مصر، وهما الإرهاب والاقتصاد، وأنتم أذكى كثيرًا من خداعكم بحديث معسول!”.

وفي هذا التقرير نرصد بالأرقام والحقائق أكاذيب السيسي في خطابه أمس أمام خريجي الكليات الحربية.
أولى الأكاذيب، أن جنرال العسكر ربط بالطبع بين الانقلاب الأول في يوليو 53 والثاني في 3 يوليو 2013م، مع الإلحاح على أن كليهما ثورة؛ إذ كيف يكون تحرك حفنة من الضابط للإطاحة بنظام الحكم الملكي ثورة ولم يشارك الشعب فيها مطلقا؟ فشرارة البداية انقلاب فج. كرس الحكم العسكري وحول مصر من ملكية دستورية إلى ديكتاتورية عسكرية. وكذلك ما جرى في يوليو 2013م، حيث تكشف الحقائق المرة عن تآمر مؤسسات الدولة العميقة على المسار الديمقراطي والانقلاب الدموي على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر كله القديم والحديث. وبهذا الانقلاب استرد العسكر عرش مصر ليكون حصرا على الديكتاتورية العسكرية القابضة على مفاصل الحكم والثروة في البلاد. ولا تقبل شريكا لها فضلا عن منافسين ولو بإرادة الشعب الحرة، فكلهم الآن في المقابر أو السجون والمعتقلات. لكن سفيه الانقلاب يشيد بهذه الانقلابات غير الشرعية التي تكرس الصراع على الحكم عبر القوة وصناديق السلاح والذخيرة وليس الاحتكام للإرادة الشعبية الحرة.
ثاني الأكاذيب عندما قام السيسي متقمصا دور الممثل العاطفي معلنا عن استعداده للقتال دفاعا عن الإنسانية والضمير!!..
وأضاف: “ماكنش أمامنا غير اللي عملناه عشان نبني بلد مرفوعة الرأس”، مواصلاً: “المصريون لا يخافون الموت الذي يهابه الناس، والموت اللي الناس بتخاف منه، إحنا مستعدين نقابله في أي وقت، وإن شاء الله مابنخافش، ولن ننحني أبداً أمام الإرهاب.
والمصريون الشرفاء مستعدون لمقابلة ربهم دومًا؛ لأنهم يدافعون عن وطنهم بشرف وكرامة وإنسانية وضمير وخلق ودين”!.
وفي ذات اللحظة التي كان يعلن فيها عن ذلك كان الشاب عمر عادل يتعرض لأبشع صور التعذيب في إحدى زنازين التأديب بسجون طرة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وارتقى شهيدا يلعن عصر الديكتاتورية العسكرية المتوحشة التي تسترخص سفك الدماء من أجل شهوة الحكم والسلطة.
كذلك استشهد الشاب كيلاني الكيلاني بسجن المنيا العمومي جراء الإهمال الطبي المتعمد الذي يمثل جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد. فعن عن أي إنسانية سيقاتل السيسي دفاعا عنها وهو يذبح الإنسانية كل يوم بل كل ساعة ودقيقة بالتعذيب الوحشي والقتل خارج إطار القانون وتكريس الطغيان المطلق؟!

ثالث الأكاذيب مزاعم سفيه الانقلاب أنه يحارب ما يسمى بالإرهاب، مدعيا “استطعنا محاصرته وتدمير بنيته التحتية، ودحر بؤر التطرف التي تنطلق منها العناصر الإرهابية لتنفيذ مخططاتها الإجرامية”!.
ويعصف بهذه التصريحات ويكشف أنها مجرد مزاعم وأكاذيب الواقع نفسه، فهي تأتي بعد يوم واحد فقط من تمديد حالة الطوارئ للمرة التاسعة على التوالي منذ 2017م، كما أن السيسي وهو يعلن ذلك كان يخطب من وراء زجاج مضاد للرصاص رغم أنه يخطب بين جنرالاته وشيعته وأتباعه؛ فعن أي أمان واستقرار يتحدث؟ وعن أي إرهاب قضى عليه يتكلم؟
كما تأتي تصريحات السيسي بعد يوم من قرار فرض حظر التجول في مناطق بشمال سيناء التي تشهد منذ سنوات هجمات أوقعت مئات القتلى والجرحى بين الشرطة والجيش والمدنيين، كان آخرها مقتل نحو عشرة أشخاص من عناصر الأمن خلال هجوم على نقطة للشرطة جنوب مدينة العريش. كما تأتي تصريحات السيسي بعد يومين من تحذير الخارجية البريطانية رعاياها المسافرين إلى مصر والموجودين فيها من “هجمات إرهابية محتملة”، بينما أعلنت الخطوط الجوية تعليق رحلاتها إلى القاهرة لمدة أسبوع، كما أعلنت شركة الطيران الألمانية “لوفتهانزا” تعليق رحلاتها إلى القاهرة في “إجراء احتياطي”، قبل أن تعلن استئناف الرحلات لاحقا.
رابع أكاذيب السيسي تتعلق بالملف الاقتصادي، حيث يزعم أنه لولا صبر المصريين وتحملهم لما نجحت الدولة في النهوض به، فقال “مستمرون في العمل على الإصلاح والتطوير لمواجهة الأزمات التي طال أمدها.. وهناك خطة طموحة للإصلاح الاقتصادي الشامل ترتكز على إعادة بناء الاقتصاد الوطني ليصبح قائما على الإنتاج وجاذبا للاستثمار.. وحققنا إنجازات واضحة شهد لها العالم بأسره”.
فرغم ارتفاع الجنيه المصري أمام الدولار خلال الأشهر القليلة الماضية، وتغنّي النظام وإعلامه بهذا باعتباره انتصارا اقتصاديا، فإن المتابع سيرى أن هذا الارتفاع لم ينعكس إيجابيا على الأسعار التي تتزايد يوما بعد يوم، وكانت آخر سلسلة من رفع الأسعار قبل نحو أسبوعين عندما رفعت الحكومة أسعار المحروقات، التي عادة ما يتبعها زيادة في أسعار كافة السلع والخدمات. وعلى مستوى الأرقام، نشر البنك الدولي في أبريل الماضي تقريرا أورد معطيات مفادها بأن 60% من المصريين إما فقراء أو عرضة للفقر.
كما انخفضت قيمة الناتج المحلي من 335 مليار دولار قبل تعويم الجنيه إلى 230 مليارا في العام الماضي.ووفق تقرير لوزارة المالية المصرية لشهر مارس الماضي، فقد ارتفع الدين العام إلى ما يعادل 107% من الناتج المحلي الإجمالي. وبحسب أحدث بيانات للبنك المركزي المصري، ارتفع متوسط نصيب الفرد من الدين الخارجي إلى 906.3 دولارات نهاية العام 2018، مقابل 387.7 دولارا في يونيو 2012.