صفقات مشبوهة وسيناريوهات مفزعة.. ماذا يريد نظام السيسي من تعديل الدستور؟

لم يكد التيار المسمى بالتيار “المدني” على جهة الاستعارة، يدافع عن دستور نظام الانقلاب العسكري الذي تم وضعه عام 2014، من خلال نخبة عبد الفتاح السيسي، حتى أنهم يكادون يشبهونه بمحكم التنزيل من الرسالات والكتب السماوية، إلا أنه ومع أول انقلاب لعبد الفتاح السيسي نفسه على هذا الدستور بقوله : “إنه كتب بنوايا حسنة”، سار في فلك السيسي كتبة الدستور أنفسهم، وقالوا أنه ليس بقرآن ويجوز تغييره، لمجرد أن دقت نغمات هواتفهم النقالة من أروقة الأمن الوطني تأمرهم بالتغيير.

بل وصل الأمر لحد تآمر كتبة هذا الدستور، وتداولت صحف تابعة للسلطة اتفاق حزب “تيار الكرامة” الذي أسسه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، بعقده صفقة مع سلطة الانقلاب تخص التعديلات الدستورية، التي بدأ مؤخرا مؤيدو نظام عبدالفتاح السيسي الترويج لها.

ورغم نفي حمدين صباحي هذه المعلومات، قائلا:” كل الشائعات حول الحزب لتعديل الدستور هي محض افتراءات كاذبة وملفقة”، إلا انه ابتلع لسانه حول حديث مؤيدي السيسي عن تعديل الدستور خلال الفترةا لماضية على مدار عامين كاملين.

خالد يوسف

وكشفت معلومات منشورة على صحف تابعة للنظام، مفادها إن الاستخبارات العامة استدعت قبل نحو أسبوعين المخرج السينمائي، خالد يوسف، وطلبت منه التواصل مع بعض الشخصيات والقوى السياسية التي تربطه بها علاقة قوية، لإقناعها بضرورة تعديل المادة الخاصة بمدة الفترة الرئاسية في الدستور.

ووصفت المعلومات الرسالة التي يحملها “يوسف” إلى القوى السياسية بـ”الصفقة”، إذ إنه طُلب من يوسف عرض بعض الحوافز على القوى السياسية؛ منها “فتح المجال العام”، وأن يحصل حمدين صباحي على كتلة مقاعد في انتخابات البرلمان المقبلة تصل إلى مائة مقعد يكون هو على رأسها.

إلا ان حزب الكرامة خرج عن صمته ودعا نظام الانقلاب، إلى احترام الدستور الذي وافق المصريون عليه بأغلبية تصل لحد الإجماع، وعدم جر الوطن إلى صراع جديد، خاصة في ظل تجاهل كافة السلطات تفعيل مواد الدستور، وهو ما أثر سلبا علي كافة مناحي الحياة في البلاد، مناشدا الشعب المصري وكافة الأحزاب والكيانات والقوى السياسية واللجان الشعبية والجهات المعنية بالتصدي لكل إجراء يهدف لتعديل الدستور المصري.

أزمة الدستور

من ناحية أخرى، كشفت مصادر برلمانية في تصريحات خاصة لـ “الحرية والعدالة” أن هناك إشكالية كبيرة يواجهها النظام، وهي فكرة تعديل الدستور من اجل استمرار السيسي في الحكم عن طريق فتح مدد الرئاسة، او تعديل المدة الرئاسية لست سنوات بدلا من أربعة.

وقالت المصادر في تصريحاتها، إن النظام حائر خلال الفترة الحالية ما بين إقناع الشعب المصري والعالم الخارجي بضرورة تعديل الدستور وفتح مدد الرئاسة، وما بين تعديل مدة الفترة الرئاسية لست سنوات، موضحا أن هناك حالة من الخوف تجاه تعديل الدستور أن تلقي بظلال سلبية على الشعب المصري ومؤيدي نظام السيسي.

وأضافت أن النظام يعلم حالة الغضب والغليان التي تملأ صدور الشعب المصري، نتيجة انتشار الفقر، وارتفاع الأسعار، وهو ما أثر على شعبية السيسي، مؤكدا أن هناك حالة من الخوف أن يكون تعديل الدستور هو القشة التي قصمت ظهر البعير.

وكشفت المصادر أن هناك حالة من الجدل داخل النظام تلقي بظلالها على البرلمان، حول الخروج من المأزق، لافتة إلى أن هناك اقتراح جديد ربما تناوله الكاتب الصحفي ياسر رزق بتشكيل مجلس أعلى للدولة المصرية برئاسة السيسي، أو التفكير في اللجوء لـ “اللعبة الدوارة” وهي الاستعانة برئيس مستعار مثل المستشار عدلي منصور، لفترة رئاسية، يعود بعدها السيسي رئيسا مرة أخرى، بشرط وجوده على قمة المجلس الأعلى الرئاسي، وتعديل الدستور بما يسمح بترشحه مرة أخرى، بعد كسر توالي مدده الرئاسية بهذا الاقتراح.

السيسي مصدر التشريع

من ناحية اخرى، يقول الكاتب الصحفي وائل قنديل، إن تعديل الدستور الانقلابي ليس مجرد فكرة ملقاة في الفضاء السياسي، وإنما هو عملية بدأت بالفعل من خلال لجان مكلفة بتنفيذ أحلام وطموحات الجنرال، وأخطر ما في الأمر ليس اعتبار السيسي المصدر الرئيسي والوحيد للتشريع، وإنما إطلاق يده في التصرف بأرض مصر على طريقة تيران وصنافير.

وأكد قنديل خلال مقاله بصحيفة “العربي الجديد” أنه لا تنحصر خطورة استهداف الدستور الانقلابي في العبث بمواد، بما يتيح للسيسي أن يكون، بنصّ دستوره الجديد، المصدر الرئيسي والوحيد للتشريع، ولا في إعلان مصر دولة عسكرية بوليسية، لا مجال لتداول السلطة فيها إلا من خلال انقلابات عنيفة.. وإنما، وهذا هو الأخطر، إحداث انقلابٍ في المادة الخاصة بالمعاهدات الدولية، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام السيسي للعبث في خريطة مصر، بالتصرّف في أراضيها ومياهها، بيعًا وتنازلًا وتأجيرًا.

وكشف ان هناك تسريبات بأن تعديل الدستور الانقلابي ليس مجرد فكرة ملقاةً في الفضاء السياسي، بقصد اختبار المواقف أو جس نبض الرأي العام، وإنما هو عملية بدأت بالفعل، قبل أن يركل السيسي كرة التعديلات، عبر مقال في صحيفة أخبار اليوم، إذ هناك ما يؤكّد أن لجانًا من خبراء سياسيين وقانونيين بدأت بالفعل في تنفيذ ما كلفت به، من أحلام الجنرال وطموحاته.

ولفت إلى أن أحلام الجنرال تتجه إلى المادة 151 من دستور 2012، والتي بقيت في دستور الانقلاب 2014، ومع تعديلٍ طفيفٍ في صياغتها، لم يغير من مضمونها، وتقول “يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدُق عليها بعد موافقة مجلس الشعب، وتكون لها قوة القانون بعد التصديق عليها، ونشرها وفقًا لأحكام الدستور. وبالنسبة لمعاهدات الصلح، والتحالف، وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، تجب دعوة الناخبين إلى الاستفتاء عليها، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد موافقة أغلبية الأصوات الصحيحة للمشاركين فى الاستفتاء. وفى جميع الأحوال، لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها الانتقاص من إقليم الدولة”.

تيران وصنافير

وأوضح ان هذا النص الذي جرى العصف به في جريمة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، في ظل غضبٍ شعبي عارم، حيث تمت عملية التنازل، أو البيع، أو التخلي، من دون استفتاء الشعب، وهو حقٌّ أصيل بنص الدستور، يبدو أنه في سبيله إلى الحذف والمحو، وفق المخطط له في كارثة التعديلات المقبلة، بحيث يختفي دور البرلمان، ويهدر حق التصويت الشعبي، وتصبح المسألة كلها رهنًا برغبة شخصٍ واحد فقط، هو عبد الفتاح السيسي، بما يمنحه حرية التصرف في أراضي مصر، من دون حسيب أو رقيب.

وأكد قنديل أنه لو وضعت ما سبق في سياق ما يجري في سيناء، من عمليات تهجير ومجون ديموغرافي، في ظل كلام كثير عن صفقاتٍ يُراد لها أن تتم بشأن القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني، فإن الاقتراب من هذه المادة الدستورية يطلق يد عبد الفتاح السيسي في تنفيذ ما تريده واشنطن وتل أبيب، وأطرافٌ إقليمية، تريد التخلص من الصراع العربي الإسرائيلي بشكل نهائي، والدخول في علاقات تطبيعٍ شامل، وتعاون وتحالفٍ مع الكيان الصهيوني.

وبالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى أن”المقالة السيسية” بشأن تعديل مواد الدستور قد تناولت المواد 18،19،21،23 المتعلقة بتخصيص نسبٍ من الناتج المحلى الإجمالي، للإنفاق على الصحة والتعليم والتعليم الجامعى والبحث العلمي، والتلميح إلى أن تكون هذه النسبة من الموازنة العامة، فهذا يعني ببساطةٍ مزيدًا من إهدار حق المواطن، صحيًا وتعليميًا، بحيث تتملص الدولة من واجباتها، ليصبح المواطن مجرد “زبونٍ”، يدفع لكي يحتفظ بحق الحياة في هذا المكان الذي يسمّى وطنًا.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...