
بانقلاب العسكر على ثورة 25 يناير خسرت مصر الكثير على كافة المستويات السياسية والحقوقية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية وحتى على المستوى الدولي بتشويه صورة مصر أمام العالم باعتبارها بلدا تحتله حفنة من الجنرالات الفسدة يؤسسون نظام ديكتاتوريا مستبدا لا يجيد شيئا سوى القتل والتلفيق وخدمة مصالح القوى الدولية والإقليمية ذات التأثير والنفوذ الواسع.
خسارة الديمقراطية
لكن أخطر الكوارث التي حلت بمصر على الإطلاق هو وأد التجربة الديمقراطية الوليدة التي كانت قد بدأت بثورة يناير فلأول مرة في تاريخ مصر يذوق الشعب طعم الحرية ومذاق الانتخابات الحرة النزيهة وحرية التعبير عن الرأي وحرية تشكيل الأحزاب والصحف والفضائيات، ولأول مرة منذ عقود يكون للشعب دوره الحقيقي في اختيار ممثليه وحكامه في الرئاسة والبرلمان رغم سيطرة قوى الدولة العميقة على مفاصل الدولة فعليا، لكن مصر كانت تمضي على الطريق الصحيح طريق الديمقراطية والتعايش المشترك وأن يكون صندوق الانتخابات هو الفيصل بين الأحزاب والقوى السياسية التي تشارك جميعا في صناعة القرار دون إقصاء أو تهميش.
كانت هناك عقبات وهو أمر طبيعي لكن الشعور الغالب كان الثقة في صحة المسار لولا فريق من العلمانيين رفض نتائج الانتخابات الحرة من أول يوم وراح يعد العدة للانقلاب عليها وقد كانت ثعالث العسكر تتربص بالثورة فانتهزت الفرصة ووجهت الطعنة الكبرى بانقلاب 30 يونيو المشئوم الذي دبره العسكر تحت رعاية وإشراف دولي من أمريكا وإسرائيل والإمارات والسعودية وواجهة مدنية من أحزاب وقوى ما تسمى بجبهة الإنقاد ومشاركة واسعة من الكنيسة القبطية.
بعد الانقلاب خسرت مصر الطريق الصحيح الذي كانت تمضي فيه نحو استقلال القرار الوطني الذي بدأ بعد الإطاحة بمبارك لكن القوى الدولية والإقليمية المتربصة بتطلعات المصريين نحو الحرية ضخموا في عقبات الطريق ورموا بالمليارات من الدولارات من أجل إنهاء المسار الثوري.
وبعده عاد الاستبداد من جديد وذهب حلم الحريات والكرامة الإنسانية بانتهكات غير مسبوقة وضاع الأمل في تداول سلمي للسلطة بعد أن استبدل الجنرال عبدالفتاح السيسي صناديق الذخيرة والسلاح بصناديق الانتخابات وراح يصادر كل شيء ويحتكر كل شيء لحساب الجيش والأجهزة الأمنية ويمضي في طريق تعديل الدستور ليبقى حاكما إلها مدى الحياة.

انقسام مجتمعي حاد
أيضا،خسرت مصر بالانقلاب على ثورة 25 يناير ، وحدتها وتماسكها وباتت منقسمة اجتماعيا كما لم يحدث من قبل، انقسام على أساس الولاء والانتماء السياسي فهؤلاء ثوار وإسلاميون يصفهم العسكر بالتشدد والإرهاب ويمارسون بحقهم جميع أشكال التكفير الديني والسياسي وهؤلاء انقلابيون اغتصبوا الحكم بقوة السلاح وأجرموا في حق مصر بارتكاب عشرات المذابح بحق المتظاهرين السلميين. وعلى وقع الانقسام الحاد بين من يؤيدون الديمقراطية ومن يؤيدون الانقلاب كانت أبواق العسكر حريصة على توسيع هذا الانقسام “انتو شعب واحنا شعب”..
وكذلك استخدام القوة الغاشمة والتعذيب الوحشي بحق المتظاهرين والمعتقلين وصولا إلى المذابح والاغتيالات خارج إطار القانون. وأمام هذا الانقسام المجتمعي الحاد بات من المستحيل على أي وطن أن يتقدم أو ينهض في ظل تفشي روح الكراهية والتمييز والعنصرية بصورة غير مسبوقة. وأمام نزعات الانتقام من جانب العسكر تم مصادرة جميع أجهزة الدولة وتأميم الفضاء السياسي والإعلامي لحساب هذا التوجه الدموي الفاشي ، وظهرت بعد الانقلاب بسنة واحدة تنظيم داعش وولاية سيناء وحركات مسلحة صغيرة ترى أن الرد على اعتداءات العسكر مباحة شرعا خصوصا وأن النظام لا يمتمتع بأي شرعية إضافة إلى جرائمه الوحشية التي فاقت كل حد. وسقطت مصر في دائرة النار والعنف التي تبدو بلا نهاية.

انهيار اقتصادي
الكارثة الثالثة التي حلت بالمصريين بالانقلاب على ثورة 25 يناير هي التدهور الاقتصادي الحاد، وزيادة معدلات الفقر بصورة غير مسبوقة، فبعد أن ذهبت وعود السيسي بتوفير السمن والعسل للمصريين “بكرة تشوفوا مصر/ مصر أد الدنيا وهتبقى أد الدنيا” إلى “احنا فقرا أوي/ أجيب لكم منين؟/ هتدفع يعني هتدفع/ صبح على مصر بجنيه/”.. وبعد قرارات التعويم الكارثية في نوفمبر 2016م تآكلت قيمة الجنيه إلى أكثر من 100% وارتفعت الأسعار بصورة جنونية وهبط عشرات الملايين من المصريين تحت خط الفقر. وفشل النظام في معالجة الخلل في بينية الاقتصاد واعتمد على شيئين: التوسع في الاقتراض.
وزيادة الضرائب والرسوم. ووصلت دون مصر من “1,7” تريليون جنيه في 2013م إلى “5,5” تريليون جنيه في 2018 ما يعني أن السيسي وحدة اقترض ضعف كل ما اقترضه حكام مصر السابقون. وارتفعت الديون الخارجية من “43 مليار دولار” لتصل في 2018 إلى “98” مليارا.
وأهدر السيسي مئات المليارات على مشروعات وهمية لا تسهم في زيادة الدخل القومي ولا تحسين مستويات معيشة المواطنين مثل تفريعة قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة. كما زادت أسعار الوقود بنسبة 500% (بنزين 80 السولار من “80 قرشا” إلى “5,5” جنيهات) وهناك زيادة أخرى قادمة في الربع الأول من سنة 2019م، كما ارتفعت خدمات الكهرباء والمياه وتعريفة الركوب إلى مستويات ونسب مماثلة وتحولت حياة المصريين تحت حكم عسكر 30 يونيو إلى جحيم لا يطاق.