بقلم: ناصر البنهاوي
تعانى مصر من أعلى معدلات حوادث القطارات في العالم. فقد شهدت مصر 18 حادثة منذ عام 1993 أسفرت عن مئات الضحايا. ففيديسمبر 1995 قتل 75 راكباوأصيبالمئاتفيتصادمقطاربمؤخرةقطارآخر. وفي عام2007 أسفرت إحدى الحوادثعن مقتل 53 مصاباو30 قتيلا. وفى العام التالي، قتل 72 شخصاً وأصيب 115 في حادث مروع آخر.و في 11 أغسطس 2017 تصادمقطارين مماأودىبحياة 41 شخصاًوإصابة 132 آخرين. وأسرفت حادثة تصادم قطارين في الجمعة الماضية عن مقتل نحو 50 شخصاً وجرح نحو 120 آخرين.
وهكذا أصبحت حوادث القطارات أهم خطر على حياة المصريين ويتفوق على خطر داعش حيث أن ضحايا الإرهاب أقل بكثير من ضحايا حوادث القطارات.
هناك أسباب كثيرة لهذه الكوارث أهمها أن عجزة القوات المسلحة هم من يقودوا مؤسسات الدولة بما فيها هيئة السك الحديدية. فرئيسها الحالي هو اللواء مدحت شوشة وسبقه في رئاستها اللواء أحمد حامد. وتشير التقارير أن وزارة النقل والمواصلات بها 100 جنراليتقاضون 50 مليونًا بينما مرتباتباقيموظفي الوزارة 8 ملايين. ومن هؤلاء الجنرالات علاء مأمون ندا وطارق غانم عبدالمتعال الصعيدي وإبرهيم منصور وأشرف حجاج وياسر فودة وأحمد سعيد وخالد حمدى وسامى محمد ومحم حسن ومحمد قناوى.
هؤلاء الجنرالات يأخذون معاش من القوات المسلحة بالإضافة الى مكافآت ومرتبات خيالية من وزارة النقل والمواصلات رغم عدم خبرتهم في مجال النقل حي انهم تدربوا فقط على الأسلحة والذخيرة.
لواءات الجيش تدربوا وخبروا قيادة معسكرات وكتائب وفرق الجيش أما قيادة وإدارة المؤسسات المدنية والهيئات الحكومة والمشروعات الاقتصادية فتحتاج الى متخصصين كل في مجاله. لا أدرى كيف يتم تجاهل مهندسين وخبراء قضوا حياتهم بين القطارات لصالح لواءات قضوا حياتهم وسط الدبابات والمدفعية. وما يزيد الطين بله أن هذه المناصب المدنية تسد إليهم كمكافأة نهاية الخدمة بعد تقاعدهم، أي بعدما ينتهى عمرهم الافتراضي وتنهار قواهم وتقل قدرتهم على التركيز وتنفذ قدرتهم على العطاء. هذه مشكلة مصر الكبرى حيث تدار كل مؤسساتها من قبل عساكر متقاعدين بدءاً من رئاسة الجمهورية ومروراً بالهيئات العامة والمشروعات الاقتصادية للقوات المسلحة وإنتهاءاً بالمحافظات ومجالس المدن ورئاسة الأحياء والنوادي والنقابات.
السبب الثاني هو استشراء الفساد في هيئة السكك الحديدية مثلها مثل باقي مؤسسات الدولة. وهناك بعض التقارير ان فاتورة الفساد في هيئة السكك الحديدية بلغت 17 مليار جنيه. وفى عام 2014 بلغت فاتورة هواتف كبار مسؤولي الهيئة نحو 2.5 مليون جنيه كما أسندت عدة مشروعات بالأمر المباشر في مخالفة صريحة للقوانين مثل تطوير جراج أهدرت الهيئة 2مليارجنيه على شراء جرارات لاتصلح للعمل على السكك المصرية. قضايا فساد السكك الحديدية كبيرة ومتنوعة ومتشعبة وهى من النوع الثقيل الذى لا يقدر على رعايته وحمايته الا شخصيات نافذة في الدولة أو الجيش.
أضف الى ذلك أن خسائر الهيئة المتراكمة بلغت أكثر من 43 مليار جنيه وبلغت مديونيتها نحو 23 مليار تم تسديد 10 مليار منها. من الواضح أن الأموال التي أهدرت ونهبت في هيئة السكك الحديدية وحدها تكفى لإصلاح الهيئة بل وإعمار مصر كلها.
السبب الثالث هو إنهيار منظومة القيم وانعدام المهنية في مؤسسات الدولة. فلا يتم تدريب سائقي القطارات ولا يتم التأكد من عدم إدمانهم المخدرات والكحول وصلاحيتهم لهذه المهنة الحساسة بشكل عام. فقد شاهدنا منذ أيام مقطع فيديو لسائقيأحد القطارات وهم يتعاطون المخدرات اثناء قيادتهم أحد القطارات. ورغم ذلك لم يتم التحقيق معهم رغم تداول مقطع الفيديو على نطاق واسع.
السبب الرابع هو تجاهل النظام الحالي الاستثمار في القطاع المدني والبنية التحتية لصالح النفقات العسكرية. فبينما أنفق السيسي عشرات المليارات على اقتناء أحد الطائرات وحاملات السفن والغواصات والطائرات الرئاسية لم يتم تخصيص أي مبالغ لتحديث المستشفيات والمدارس والجامعات والمواصلات العامة ومنها السكك الحديدية. فقبل 3 أشهرفقطرفضالسيسيتطويرالسككالحديديةبحجة أنإيداعالأموالفيالبنوكأكثرجدوى من إنفاقها على السكك الحديدية.
إصلاح السكك الحديدية يحتاج الى أكثر من 110 مليار جنيه تشمل تسديد ديونها السابق ذكرها. فمعظم القطارات متهالكة والمزلقانات قديمة جدا ولا توفر الهيئة الصيانة وقطع الغيار اللازمة.
وهكذا تدلل مشاكل هيئة السكك الحديدية على أن حكم العسكر كله فساد وخراب ومهلكة لمؤسسات الدولة وبنيتها الاقتصادية والاجتماعية وثروتها البشرية والطبيعية.