ديوان الإمام الشافعي
الإمام الشافعي
150هـ – 204هـ
كتمان الأسرار
إذا المرء أفشـى سـره بلسانـه = ولام عليـه غـيره فـهو أحمـق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه = فصدر الذي يستودع السر أضيق
حمل النفس على ما يزينها
صن النفس واحملها على ما يزينهـا = تعش سالماً والقول فيـك جميـل
ولا تـرين النـاس إلا تجمـلاً = نبا بك دهـر أو جـفاك خليـل
وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غدٍ = عسى نكبات الدهر عنـك تزول
ولا خـير في ود امـريءٍ مـتلونٍ = إذا الريح مالت ، مال حـيث تميل
وما أكـثر الإخوان حين تعدهـم = ولكنهـم في الـنائبـات قليـل
تعريف الفقيه والرئيس والغني
إن الفقيـه هـو الفقيـه بفعلـه = ليس الفقيـه بنطقـه ومقالـه
وكذا الرئيس هو الرئيس بخلقـه = ليس الرئيس بقومـه ورجالـه
وكذا الغني هـو الغنـي بحالـه = ليـس الغنـي بملكـه وبمالـه
القناعة
رأيـت القـناعـة رأس الغـنىِ = فـصرت بأذيالهـا متمـسـك
فـلا ذا يـراني علـى بابـه = ولا ذا يـرانـي بـه منهمـك
فصـرت غنيـاً بـلا درهـمٍ = أمـر علـى الناس شبـه الملك
مكارم الأخلاق
لما عـفوت ولم أحقـد على أحدٍ = أرحـت نفسي من هم العداوات
إني أحيي عـدوي عنـد رؤيتـه = أدفـع الشـر عـني بالتحيـات
وأظهـر البشر للإنسان أبغضـه = كمـا أن قد حشـى قلبي محبات
الناس داء ودواء الناس قربـهم = وفي اعتزالهـم قطـع المـودات
تأتي العزة بالقناعة
أمـت مطامعي فأرحت نفسـي = فإن النفـس مـا طمعـت تهون
وأحـييت القنوع وكـان ميتـاً = ففـي إحيائـه عـرض مصـون
إذا طمـع يحـل بقلـب عبـدٍ = عـلتـه مهانـة وعـلاه هـون
الإعراض عن الجاهل
أعـرض عـن الجاهـل السفيه = فكـل مـا قـال فهـو فيـه
مـا ضـر بحـر الفرات يومـاً = إن خاض بعض الكـلاب فيـه
كتب إلى ابويطي وهو في السجن : حسن خلقك مع الغرباء ووطن نفسك لهم فإني كثيراً ما سمعت الشافعي يقول :
أهـين لهم نفسي وأكرمها بهم = ولا تكرم النفـس الـتي لا تهينهـا
توقير الرجال
ومـن هـاب الـرجـال تهيـّـبـوه = ومـن حـقر الرجـال فلن يهابـا
ومـن قضـت الرجال له حقوقاً = ولم يقض الرجـال فمـا أصابـا
السماحة وحسن الخلق
إذا سبنـي نـذل تزايدت رفعـه = ومـا العـيب إلا أن أكون مساببـه
ولـو لم تكن نفسي عـلي عزيزة = لمكنتهـا من كـل نـذل تحـاربـه
ولـو أنني اسعـى لنفعي وجدتني = كثـير التوانـي للذي أنـا طالبـه
ولكنني اسـعى لأنفـع صاحـبي = وعار على الشبعان إن جاع صاحبـه
***
يخاطـبني السفيـه بكـل قبـح = فـأكـره أن أكـون لـه مجيبـاً
يزيـد سفاهـة فأزيـد حلمـاً = كـعـودٍ زاده الإحـراق طيبـاً
الفضل
أرى الغرفى الدنيا إذا كان فاضلاً = ترقى على رؤس الرجال ويخطـب
وإن كان مثلي لا فضيلة عنـده = يقاس بطفلٍ في الشـوارع يلعـب
قال الربيع بن سليمان يقول الشافعي :
على كل حالٍ أنت بالفضل آخذ = ومـا الفضـل إلا للـذي يتفضـل
الزهد ومصير الظالمين
بلوت بني الدنيا فلم أر فيهـم = سوى من غدا والبخل ملء إهـابـه
فجردت من غمد القناعة صارماً = قطعـت رجائـي منهـم بذبـابـه
فـلا ذا يـراني واقفاً في طريقه = ولا ذا يـراني قاعـداً عنـد بابـه
غنى بلا مالً عن الناس كلهـم = وليس الغنى إلا عن الشـيء لآ بـه
إذا ما ظالم استحسن الظلم مذهباً = ولـج عتـواً في قـبيـح اكتسابـه
فـكله إلى صـرف الليالي فإنهـا = ستدعو له مـا لم يكـن في حسابـه
فكـم قـد رأينا ظالـماً متمرداً = يرى النجـم رتيهاً تحت ظل ركابـه
فعمـا قـليلٍ وهـو في غفلاتـه = أناخـت صـروف الحادثات ببابـه
وجـوزى بالأمر الذي كان فاعلاً = وصـب عليـه اللـه سوط عذابـه
السكوت سلامة
قالوا اسكت وقد خوصمت قلت لهم = إن الـجواب لباب الشـر مفتـاح
والصمت عن جاهلٍ أو أحمقٍ شـرف = وفيه أيضاً لصون العـرض إصـلاح
أمـا ترى الأسد تخشى وهي صامته ؟ = والكلب يخسى لعمري وهـو نبـاح
الصمت خير من حشو الكلام
لا خـير فـي حشـو الكـلام = إذا اهتـدت إلــى عـيـونـه
والصـمـت أجـمـل بالفتـى = مـن منطـق في غـير حينـه
وعـلـى الفتـى لـطبـاعـه = سمـة تـلوح علـى جـبينـه
فضل السكوت
وجـدت سكـوتي متجـراً فلزمتـه = إذا لـم أجد ربحاً فلسـت بخاسـر
ما الصمـت إلا في الرجـال متاجـر = وتاجـره يعلـو علـى كل تاجـر
ومما تمثل به الإمام
إذا نطـق السـفيـه فـلا تـجبـه = فخـير مـن إجابتـه السكـوت
فإن كـلمتـه فـرجـت عـنـه = وإن خليتـه كـمـداً يـموت
الإعتزاز بالنفس
مـاحـك جلـدك مثـل ظفـرك = فتـول أنـت جـميـع أمـرك
وإذا قـصـدت لـحـاجــةٍ = فـاقـصـد لمـعتـرفٍ بقـدرك
الإنسان وحظه
المـرء يحظـى ثـم يعلـو ذكـره = حـتى يزيـن بالـذي لـم يفعـل
وتـرى الشقـي إذا تكامـل عيبه = يشقـى وينحـل كـل مـا لم يعمل
الإيثار والجود
أجود بموجـودٍ ولـو بـت طاويـاً = عـلى الجوع كشحاً والحشا يتألـم
وأظهـر أسبـاب الغـنى بين رفقـتي = لمخافـهـم حـالي وإنـي لمعـدم
وبيني وبيـن اللـه اشكـو فـاقتـي = حقيقـاً فإن اللـه بالـحال أعلـم
عزة النفس
لقـلـع ضـرس وضـرب حبـس = ونـزع نـفـس ورد أمــس
وقر بـردٍ وقــود فــرد = ودبـغ جـلـد ٍ بغـير شمـس
وأكـل ضـب وصـيـد دب = وصـرف حـب بـأرض خـرس
ونـفـخ نـار ٍ وحـمـل عـارٍ = وبـيـع دارٍ بـربـع فـلـس
وبـيـع خـف وعـدم إلـفٍ = وضرب ألـفٍ بـحـبـل قلـس
أهـون مـن وقـفـة الـحـر = يـرجـو نـوالاً بـبـاب نـحس
الهمة العالية
أمطري لؤلؤاً جبال سرنديب = وفيضي آباز تكرور تبرا
أنا إن عشت لست اعدم قوتاً = وإذا مت لست اعدم قبراً
همتي همة الملوك ونفسي = نفس حر ترى المذلة كفراً
وإذا ما قنعت بالقوت عمري = فلماذا أزور زيداً وعمراً
الجود
إذا لم تجودوا والأمور بكم تمضي = وقد ملكت أيديكم البسط والفيضا
فماذا يرجى منكم إن عزلتم = وعضتكم الدنيا بأنيابها عضا
وتسترجع الأيام ما وهبتكم = ومن عادة الأيام تسترجع القرضا
حقوق الناس
أرى راحة للحق عند قضائه = ويثقل يوماً إن تركت على عمد
وحسبك حظاً أن ترى غير كاذبٍ = وقولك لم اعلم وذلك من الجهد
ومن يقض حق الجار بعد ابن عمه = وصاحبه الأدنى على القرب والبعد
يعش سيداً يستعذب الناس ذكره = وإن نابه حق أتوه على قصد
منتهى الجود
يا لهف نفسي على مال أفرقه = على المقلين من أهل المروات
إن إعتذاري إلى من جاء يسألني = ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات
فساد طبائع الناس
ألم يبق في الناس إلا المكر والملق = شوك ، إذا لمسوا ، زهر إذا رمقوا
فإن دعتك ضرورات لعشرتهم = فكن جحيماً لعل الشوك يحترق
حصيد البدع
لم يبرح الناس حتى أحدثوا بدعاً = في الدين بالرأي لم يبعث بها الرسل
حتى استخف بدين الله أكثرهم = وفي الذي حملوا من حقه شغل
الأمراض من ثلاث
ثلاث هن مهلكة الأنام = أوداعية الصحيح إلى السقام
دوام مدامةٍ ودوام وطءٍ = وإدخال الطعام على الطعام
مدارة الحساد
وداريت كل الناس لكن حاسدي = مدارته عزت وعز منالها
وكيف يداري المرء حاسد نعمةٍ = إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
مرارة تحميل الجميل
لا تحملن لمن يمن = من الأنام عليك منة
واختر لنفسك حظها = واصبر فإن الصبر جنة
منن الرجال على القلوب = أشد من وقع الأسنة
المنــة
رأيتك تكويني بمبسم منةٍ = كأنك سر من أسرار تكويني
فدعني من المن فلقمة = من العيش تكفيني إلى يوم تكفيني
شح الأنفس
وانطقت الدراهم بعد صمتٍ = أناساً بعد ما كانوا سكوتاً
فما عطفوا على أحدٍ بفضلٍ = ولا عرفوا لمكرمةٍ ثبوتاً
الكفر بالمنجمين
خبرا عني المنجم أني = كافر بالذي قضته الكواكب
عالماً أن ما يكون وما كان = قضاه من المهيمن واجب
تغرب عن الأوطان في طلب العلى = وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتساب معيشةٍ = وعلمٍ وآدابٍ وصحبة ماجد
الحض على السفر من أرض الذل
ارحل بنفسك من ارضٍ تضام بها = ولا تكن من فراق الأهل في حرق
فالعنبر الخام روث في مواطنه = وفي التغرب محمولُ على العنق
والكحل نوع من الأحجار تنظره = في أرضه وهو مرمي على الطرق
لما تغرب حاز الفضل أجمعه = فصار يحمل بين الجفن والحدق
حال الغريب
إن الغريب له مخافة سارقٍ = وخضوع مديونٍ وذلة موثق
فإذا تذكر أهله وبلاده = ففؤاده كجناح طيرٍ خافق
الحض على الترحال
ما في المقام لذي عقلٍ وذي أدبٍ = من راحة فدع الأوطان واغترب
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه = وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
إني رأيت وقوف الماء يفسده = إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست = والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة ً = لملها الناس من عجم ومن عرب
والتبر كالترب ملقي في أماكنه = والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرب هذا عز مطلبه = وإن تغرب ذلك عز كالذهب
الدهر يوم لك ويوم عليك
الدهر يومان ذا أمن وذا خطر = والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف = وتستقر بأقصى قاعه الدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها = وليس يكسف إلا الشمس والقمر
اليقظة والحذر
تاه الأعيرج واستغلى به الخطر = فقل له خير ما استعملته الحذر
أحسنت ظنك بالأيام إذاحسنت = ولم تخف سوء ما يأتي بها القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها = وعند صفو الليالي يحدث الكدر
الرضا بالقدر
وما كنت راضٍ من زماني بما ترى = ولكنيي راضٍ بما حكم الدهر
فإن كانت الأيام خانت عهودنا = فإني بها راضٍ ولكنها قهر
رد الجميل بالسيء
ومن الشقاوة أن تحب = ومن تحب يحب غيرك
أو أن تريد الخير للإنسان = وهو يريد ضيرك
الحظوظ
تموت الأسد في الغابات جوعاً = ولحم الضأن تأكله الكلاب
وعبد قد ينام على حريرٍ = وذو نسبٍ مفارشه التراب
تملك الأوغاد
محن الزمان كثيرة لا تنقضي = وسروره يأتيك كالأعياد
ملك الأكابر فاسترق رقابهم = وتراه رقاً في يد الأوغاد
مثلما تدين تدان
تحكموا فاستطالوا في تحكمهم = وعما قليل كأن الأمر لم يكن
لو انصفوا انصفوا لكن بغوا فبغى = عليهم الدهر بالأحزان والمحن
فأصبحوا ولسان الحال ينشدهم = هذا بذاك ولا عتب على الزمن
زن بما وزنت به
زن من وزنك بما وزنك = وما وزنك به فزنه
من جاء إليك فرح إليه = ومن جفاك فصد عنه
من ظن إليك دونه = فاترك هواه إذن وهنه
وارجع إلى رب العباد = فكل ما يأتيك منه
إكرام النفس
قنعت بالقوت من زماني = وصنت نفسي عن الهوان
خوفاً من الناس ان يقولوا = فضلاً فلان على فلان
من كنت عن ماله غنياً = فلا أبالي إذا جفاني
ومن رآني بعين نقصٍ = رأيته بالتي رآني
ومن رآني بعين تم = رأيته كامل المعاني
عين الرضا
وعين الرضا عن كل عيب كليلة = ولكن عين السخط تبدي المساويا
ولست بهياب لمن لا يهابني = ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا
فإن تدن مني تدن منك مودتي = وإن تنأ عني تلقني عنك نائياً
كلانا غني عن أخيه حياته = ونحن إذا متنا أشد تغانيا
احذر الناس
إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى = ودينك موفور وعرضك صين
فلا ينطقن منك اللسان بسوأةٍ = فكلك سوؤات وللناس السن
وعيناك إن أبدت إليك معايباً = فدعها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى = ودافع ولكن بالتي هي أحسن
دية الذنب الإعتذار
قيل لي قد أسى عليك فلان = ومقام الفتى على الذل عار
قلت قد جائني وأحدث عذراً = دية الذنب عندئذٍ الإعتذار
التماس العذر
اقبل معاذير من يأتيك معتذراً = إن بر عندك فيما قال أو فجراً
لقد أطاعك من يرضيك ظاهره = وقد أجلك من يعصيك مستتراً
من الورع اشتغالك بعيوبك
المرء إن كان عاقلاً ورعاً = اشغله عن عيوب غيره ورعه
كما العليل السقيم اشغله = عن وجع الناس كلهم وجعه
آداب النصح
تعمدني بنصحك في انفرادي = وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع = من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي = فلا تجزع إذا لم تعط طاعه
واعظ الناس
يا واعظ الناس عما أنت فاعله = يا من يعد عليه العمر بالنفس
أحفظ لشيبك من عيب يدنسه = إن البياض قليل الحمل للدنس
كحامل لثياب الناس يغسلها = وثوبه غارق في الرجس والنجس
تبغى النجاه ولم تملك طريقتها = إن السفينة لا تجري على اليبس
ركوبك النعش ينسيك الركوب على = ما كنت تركب من بغلٍ ومن فرسٍ
يوم القيامة لا مال ولا ولد = وضمة القبر تنسي ليلة العرس
وقول الآخر :
لا كلف الله نفساً فوق طاقتها = ولا تجود يد إلا بما تجد
فلا تعد عده إلا وفيت بها = واحذر خلاف مقالٍ للذي تعد
حفظ اللسان
احفظ لسانك أيها الإنسان = لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه = كانت تهاب لقاءه الأقران
الوقار وخشية الله
ولولا الشعر بالعلماء يزري = لكنت اليوم اشعر من لبيد
واشجع في الوغى من كل ليثٍ = وآل مهلبٍ وبني يزيد
ولولا خشية الرحمن ربي = حسبت الناس كلهم عبيدي
التسليم الخالص
إذا اصبحت عندي قوت يومي = فخل الهم عني يا سعيد
ولا تخطر هموم غدٍ ببالي = فإن غداً له رزق جديد
اسلم إن أراد الله أمراً = فاترك ما أريد لما يريد
لا تقنط من رحمة الله
إن كنت تغدوا في الذنوب جليداً = وتخاف في يوم المعاد وعيداً
فلقد اتاك من المهيمن عفوه = وأفاض من نعمٍ عليك مزيداً
لا تيأسن من لطف ربك في الحشا = في بطن أمك مضغه ووليداً
لو شاء أن تصلى جهنم خالداً = ما كان الهم قلبك التوحيدا
من راقب الله رجع
حسبي بعلمي إن نفع = ما الذل إلا في الطمع
من راقب الله رجع = ما طار طير وارتفع
استغفار وتوبة
قلبي برحمتك اللهم ذو انسٍ في = السر والجهر والأصباح والغلس
وما تقلبت من نومي وفي سنتي = إلا وذكرك بين النفس
التوكل في طالب الرزق
توكلت في رزقي على الله خالقي = وأيقنت أن الله لا شك رازقي
وما يك من رزقٍ فليس يفوتني = ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي به الله العظيم بفضله = ولو لم يكن مني اللسان بناطق
ففي أي شيءٍ تذهب حسرةً = وقد قسم الرحمن رزق الخلائق
ليس كل شيء بالعقل
لو كنت بالعقل تعطى ما تريد إذن = لما ظفرت من الدنيا بمرزوق
رزقت مالاً على جهلٍ فعشت به = فلست أول مجنونٍ ومرزوق
وقول آخر:
ما شئت كان وإن لم أشأ = وما شئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد لما قد علمت = ففي العلم يجري الفتى والمسن
فمنهم شقي ومنهم سعيد = ومنهم قبيح ومنهم حسن
على ذا مننت ، وهذا خذلت = وذلك أعنت وذا لم تعن
البعد عن أبواب الملوك
إن الملوك بلاء حيثما حلوا = فلا يكن لك في أبوابهم ظل
ماذا تؤمل من قوم ٍ إذا غضبوا = جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا
فاستغن بالله عن أبوابهم كرماً = إن الوقوف على أبوابهم ذل
تذلل واستغاثة
بموقف ذل عزتك العظمى = مخفي سرٍ لا أحيط به علماً
بإطراق رأسي باعترافي بذلتي = يمد يدي استمطر الجود والرحمى
بأسمائك الحسنى التي بعض وصفها = بعزتها يستغرق النثر والنظما
بعهد قديمٍ من ألست بربكم ؟ = بمن كان مجهولاً فعرف بالأسما
أذقنا شراب الأنس يا من إذا سقى = محباً شراباً لا يضام ولا يظمأ
أماني الإنسان
يريد المرء أن يعطى مناه = ويأبى الله إلا ما أرادا
قول المرء فائدتي ومالي = وتقوى الله أفضل ما استفادا
نكران الجميل
تعصي الإله وأنت تظهر حبه = هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته = إن المحب لمن يحب مطيع
في كل يومٍ يبتديك بنعمةٍ = منه وأنت لشكر ذاك مضيع
لا أبالي
إنت حسبي وفيك للقلب حسب = وحسبي أن صح لي فيك حسب
لا أبالي متى ودادك لي صح = من الدهر ما تعرض خطب
كلما استحكمت فرجت
ولرب نازلةٍ يضيق بها الفتى = ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها = فرجت وكنت أظنها لا تفرج
الرضى بقضاء الله وقدره
دع الأيام تفعل ما تشاء = وطب نفساً إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثه الليالي = فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلاً عن الأهوال جلداً = وشيمتك السماحة والوفاء
وأن كثرت عيوبك في البرايا = وسرك يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيبٍ = يغطيه كما قيل السخاء
ولا ترى للأعادي قط ذلاً = فإن شماته الأعدا بلاء
ولا ترج السماحة من بخيل = فما في النار للظمآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التأني = وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يدوم ولا سرور = ولا بؤس عليك ولا رخاء
إذا ما كنت ذا قلب قنوعٍ = فأنت ومالك الدنيا سواء
ومن نزلت بساحته المنايا = فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن = إذا نزل القضا ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حين = فما يغني عن الموت الدواء
قيمة الدعاء
أتهزأ بالدعاء وتزدريه = وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن = لها أمد وللأمد انقضاء
فيمسكها إذا ما شاء ربي = ويرسلها إذا نفذ القضاء
زينة الإنسان العلم والتقوى
اصبر على مر الجفا من معلمٍ = فإن رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مر التعلم ساعة = تجرع ذل الجهل طول حياته
ومن فاته التعلم وقت شبابه = فكبر عليه اربعاً لوفاته
وذات الفتى والله بالعلم والتقى = إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته
بالعلم تبنى الأمجاد
رأيت العلم صاحبه كريم = ولو ولدته آباء لئام
وليس يزال يرفعه إلى أن = يعظم أمره القوم الكرام
ويتبعونه في كل حالٍ = كراعي الضأن تتبعه السوام
فلولا العلم ما سعدت رجال = ولا عرف الحلال ولا الحرام
العلم ما حفظت
علمي معي حيثما يممـت ينفعـني = قلبي وعـاء لـه لا بطـن صـندوق
إن كنت في البيت كان العلم فيه معيي = أو كنت في السوق كان العلم فيي السوق
أدب المناظرة
إذا ما كنت ذا فضل وعلم = بما اختلف الأوائل والأواخر
فناظر من تناظر في سكونٍ = حليما لا تلج ولا تكابر
يفيدك ما استفاد بلا امتنانٍ = من النكت اللطيفة والنوادر
وإياك اللجوح ومن يرائي = بأني قد غلبت ومن يفاخر
فإن الشر في جنبات هذا = يمني بالتقاطع والتدابر
المرء بما يعلمه
تعلم فليس المرء يولد عالماً = وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده = صغير إذا التفت عليه الجحافل
وإن صغير القوم إن كان عالماً = كبير إذا ردت إليه المحافل
تواضع العلماء
كلما أدبني الدهر = أراني نقص عقلي
وإذا ما ازددت علماً = زادني علماً بجهلي
نور العلم يسطع بترك المعاصي
شكوت إلي وكيع سوء حفظي = فأرشدني إلى ترك المعاصي
واخبرني بأن العلم نور = ونور الله لا يهدى لعاصي
شروط تحصيل العلم
أخي لن تنال العلم إلا بستةٍ = سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغه = وصحبة استاذٍ وطول زمان
مفخرة الإنسان العلم
العلم مغرس كل فخر فافتخر = واحذر يفوتك فخر ذاك المغرس
واعلم بأن العلم ليس يناله = من همته في مطعم أو ملبس
إلا أخو العلم الذي يعني به = في حالتيه عارياً أو مكتسي
فاجعل لنفسك منه حظاً وافراً = واهجر له طيب الرقاد عبس
فلعل يوماً إن حضرت بمجلسٍ = كنت الرئيس وفخر ذلك المجلس
الجد في طلب العلم
سهري لتنقيح العلوم الذلي = من وصل غانيةٍ وطيب عناق
وصرير أقلامي على صفحاتها = أحلى من الدوكاء والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها = نقري لألقي الرمل عن أوراقي
وتما يلي طرباً لحل عويصةٍ = في الدرس أشهى من مدامة ساقي
وأبيت سهران الدجا وتبيته = نوماً وتبغي بعد ذلك لحاقي
يأتي العلم بالتفرغ
لا يدرك الحكمة من عمره = يكدح في مصلحة الأهل
ولا ينال العلم إلا فتى = خال من الأفكار والشغل
لو أن لقمان الحكيم الذي = سارت به الركبان بالفضل
بلى بفقرٍ وعيالٍ لما = فرق بين التبن والبقل
الناس خدم للعلم
العلم من فضله لمن خدمه = أن يجعل الناس كلهم خدمه
فواجب صونه عليه كما = يصون الناس عرضه ودمه
فمن حوى العلم ثم أودعه = بجهله غير أهله ظلمه
العلم ومكانته
أأنثر دراً بين سارحة البهم = وانظم منشوراً تراعية الغنم ؟
لعمر لئن ضيعت في شر بلدةٍ = فلست مضيعاً فيهم غرر الكلم
لئن سهل الله العزيز بلطفه = وصادفت أهلاً للعلوم وللحكم
بثثت مفيداً واستفدت ودادهم = وإلا فمكنون لدى ومكتتم
ومن منح الجهال علماً أضاعه = ومن منع المستوجيين فقد ظلم
أفضل العلوم
كل العلوم سوي القرآن مشغلة = إلا الحديث وعلم الفقه في الدين
علم ما كان فيه قال حدثنا = وما سوي ذلك وسواس الشياطين
وقول آخر:
جنونك مجنون ولست بواجدٍ = طبيباً يداوي من جنون جنون
حب آل البيت فرض من الله
يا آل بيت رسول الله حبكم = فرض من الله في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم = من لم يصل عليكم لا صلاة له
الترفض
قالوا ترفضت قلت : كلا = ما الرفض ديني ولا اعتقادي
لكن توليت غير شكٍ = خير إمامٍ وخير هادي
إن كان حب الولي رفضاً = فإن رفضي إلى العباد
الخلفاء الراشدون
شهدت بان الله لا رب غيره = وأشهد أن البعث حق وأخلص
وأن عرى الإيمان قول مبين = وفعل زكيى قد يزيد وينقص
وأن أبا بكرٍ خليفة ربه = وكان أبو حفصٍ على الخير يحرص
وأشهد ربي أن عثمان فاضل = وأن علياً فضله متخصص
أئمة قومٍ يهتدي بهداهم = لحى الله من إياهم يتنقص
أبو حنيفة
لقد زان البلاد ومن عليها = إمام المسلمين أبو حنيفة
بأحكامٍ وآثار وفقه = كآيات الزبور على الصحيفة
فما بالمشرقي له نظير = ولا بالمغربين ولا بكوفة
فرحمة ربنا أبداً عليه = مدى الأيام ما قرئت صحيفة
حياة الأشراف واللئام
أرى حمراً ترعى وتعلف ما تهوى = وأسداً جياعاً تظمأ الدهر لا تروى
وأشراف قومٍ لا ينالون قوتهم = وقوماً لئاماً تأكل المن والسلوى
قضاء لديانٍ الخلائق سابق = وليس على مر القضاء أحد يقوى
فمن عرف الدهر الخؤون وصرفه = تصبر للبلوى ولم يظهر الشكوى
ود الناس
إني صحبت الناس ما لهم عدد = وكنت أحسب إني قد ملأت يدي
لما بلوت أخلائي وجدتهم = كالدهر في الغدر لم يبقوا على أحد
قلة الإخوان عند الشدائد
ولما اتيت الناس اطلب عندهم = أخا ثقةٍ عند ابتلاء الشدائـد
تقلبت في دهري رخاء وشدة = وناديت في الأحياء هل من مساعد؟
فلم أر فيما ساءني غير شامتٍ = ولم أر فيما سرني غير حاسد
البلاء من أنفسنا
نعيب زماننا والعيب فينا = وما لزماننا عيب سوانا
ونهجوا ذا الزمان بغير ذنبٍ = ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئبٍ = ويأكل بعضنا بعضا عيانـا
الضر من غير قصد
رام نفعاً فضر من غير قصدً = ومن البر ما يكون عقوقاً
مساءة الظن
لا يكن ظنك إلا سيئاً = إن الظن من أقوى الفطن
ما رمى الإنسان في مخمصةٍ = غير حسن الظن والقول الحسن
ترك الهموم
سهرت أعين ، ونامت عيون = في أمور تكون أو لا تكون
فادرأ الهم ما استطعت عن النفس = فحملانك الهموم جنون
إن رباً كفاك بالأمس ما كان = سيكفيك في غدٍ ما يكون
الأصدقاء عند الشدائد
صديق ليس ينفع يوم بؤس = قريب من عدو في القياس
وما يبقى الصديق بكل عصرٍ = ولا الإخوان إلا للتآسي
عمرت الدهر ملتمساً بجهدي = أخا ثقة فألهاني التماسي
تنكرت البلاد ومن عليها = كأن أناسها ليسوا بناسي
أسس الصداقة
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفاً = فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة = وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه = ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة = فلا خير في ود يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله = ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشاً قد تقادم عهده = ويظهر سراً كان بالأمس في خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها = صديق صدوق صادق الوعد منصفا
حب الصالحين
أحب الصالحين ولست منهم = لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي = ولو كنا سواء في البضاعة
الخالص من الأصحاب
كن ساكناً في ذي الزمان بسيره = وعن الورى كن راهباً في ديره
واغسل يديك من الزمان وأهله = وإحذر مودتهم تنل من خيره
إني اطلعت فلم أجد لي صاحباً = أصحبه في الدهر ولا في غيره
فتركت أسفلهم لكثرة شره = وتركت أعلاهم لقلة خيره
الوحدة خير من جليس السوء
إذا لم أجد خلاً تقياً فوحدتي = ألذ أشهى من غوىٍ أعاشره
وأجلس وحدي للعبادة آمناً = أقر لعيني من جليسٍ أحاذره
خيرة الأصحاب
أحب من الأخوان كل مواتى = وكل غضيض الطرف عن عثراتي
يوافقني في كل أمر أريده = ويحفظني حياً وبعد مماتي
فمن لي بهذا ؟ ليت أني أصبته = لقاسمته ما لي من الحسنات
تصفحت إخواني فكان أقلهم = على كثرة الإخوان أهل ثقاتي
مكر الناس
ليت الكلاب لنا كانت مجاورة = وليتنا لا نرى مما نرى أحدا
أن الكلاب لتهتدي في مواطنها = والخلق ليس بهاد شرهم أبدا
فاهرب بنفسك واستأنس بوحدتها = تبقى سعيداً إذا ما كنت منفرداً
مقامات البشر
أصبحت مطرحاً في معشر جهلوا = حق الأديب فباعوا الرأس بالذنب
والناس يجمعهم شمل ، وبينهم = في العقل فرق وفي الآداب والحسب
كمثل ما للذهب اللإبريز بشركة = في لونه الأصفر والتفضيل للذهب
ولاعود لو لم تطب منه روائحه = لم يفرق الناس بين العود والحطب
محط الرجاء
إذا رمت المكارم من كريم = فيمم من بنى لله بيتاً
فذاك الليث من يحمي حماه = ويكرم ضيفه حياً وميتا
التأهب للآخرة
يا من يعانق دنيا لا بقاء لها = يمسي ويصبح في دنياه سفاراً
هلا تركت لذي الدنيا معانقة = حتى تعانق في الفردوس أبكارا
إن كنت تبغى جنان الخلد تسكنها = فينبغي لك أن لا تأمن النارا
وداع الدنيا والتأهب للآخره
ولما قسا قلبي ، وضاقت مذاهبي = جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته = بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفوٍ عن الذنب لم تزل = تجود وتعفو منة وتكرما
فلولاك لم يصمد لابليس عابد = فيكف وقد اغوى صفيك آدما
فلله در العارف الندب أنه = تفيض لفرط الوجد أجفانه دما
يقيم إذا ما الليل مد ظلامه = على نفسه من شدة الخوف مأتما
فصيحاً إذا ما كان في ذكر ربه = وفي ما سواه في الورى كان أعجماٍ
ويذكر أياماً مضت من شبابه = وما كان فيها بالجهالة أجرما
فصار قرين الهم طول نهاره = أخا السهد والنجوى إذا الليل أظلما
يقول حبيبي أنت سؤلي وبغيتي = كفى بك للراجين سؤلاً ومغنما
ألست الذي عديتني وهديتني = ولا زلت مناناً علي ومنعما
عسى من له الإحسان يغفر زلتي = ويستر أوزاري وما قد تقدما
تعزية
إني أعزيك لا اني على طمعٍ = من الخلود ولكن سنة الدين
فما المعزي بباقٍ بعد صاحبه = ولا المعزى وإن عاشا إلى حين
سفينة المؤمن
إن لله عباداً فطنا = تركوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا = أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا = صالح الأعمال فيها سفنا
الموت سبيل كل حي
تمنى رجالٌ أن أموت وإن أمت = فتلك سبيل لست فيها بأوحد
وما موت من قد مات قبلي بضائري = ولا عيش من قد عشا بعدي بمخلدي
لعل الذي يرجو فنائي ويدعي = به قبل موتي أن يكون هو الردى
فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى = تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد