تداعيات هروب حفتر من موسكو على قمة برلين الليبية

بعد أقل من 48 ساعة من هروبه من موسكو، رافضا التوقيع على اتفاق التهدئة ووقف إطلاق النار في ليبيا، الذي رعته تركيا وروسيا، أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر، مشاركته في مؤتمر برلين الذي ترعاه ألمانيا يوم الأحد 19 يناير الجاري، بعد تلقيه دعوة من ألمانيا، وإعلان رئيس الحكومة الليبية فايز السراج المشاركة في المؤتمر الذي تعول عليه الدوائر السياسية لوقف الاقتتال والحرب في ليبيا، وذلك بعد أن كانت قمة برلين قد قررت في السابق استثناء الأطراف الليبية من الحضور، وهو ما تعتبره دوائر سياسية مؤشر على فرز سياسي يسعى له حفتر برعاية داعميه في أبوظبي والقاهرة ضد تركيا، لحرمانها من رعاية اتفاق سياسي في ليبيا، وحصره في أطراف أوروبية، تجمعها مصالح وأجندات في ليبيا تتماهى مع المطامع المصرية والإماراتية، وتعارض التدخل التركي واتفاقها مع حكومة السراج الليبية.

في غضون ذلك، قالت المستشارة الألمانية: إن الهدف من مؤتمر برلين هو التزام جميع الأطراف المعنية بالحظر الحالي للأسلحة، الذي ينتهك دائما بشكل صارخ، وذلك من أجل فتح الطريق أمام حل سياسي.

وأضافت: إن مشاركة الرئيسين التركي والروسي في مؤتمر برلين بادرة طيبة، مضيفة أنه لا يجوز لمن يرى نزوح ملايين من الناس كما حدث في سوريا أن ينتظر تكرار الشيء ذاته في ليبيا.

واعتبرت ميركل أن استمرار دخول الأسلحة وتدخل الجهات الخارجية من شأنه أن يفاقم الأزمة في ليبيا، معتبرة أن المؤتمر ليس النهاية وإنما هو مجرد بداية لعملية سياسية تقودها الأمم المتحدة.

ومن بين المشاركين في المؤتمر ممثلين للولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وتركيا وإيطاليا والإمارات والجزائر والأمم المتحدة.

أسباب هروب حفتر من موسكو

والأحد الماضي، شهدت موسكو مباحثات رباعية غير مباشرة، بين الأطراف الليبية مع الجانبين الروسي والتركي، للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار.

وقالت موسكو: إن الجانب الممثل لحكومة الوفاق، رئيس الحكومة فائز السراج، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وقعا على نص مسودة وقف إطلاق النار، لكن اللواء المتقاعد خليفة حفتر وعقيلة صالح طلبا مهلة قبل التوقيع، لكنهما غادرا موسكو صبيحة اليوم التالي دون التوقيع، على طريقة ما كان يفعله القذافي مع قادة العالم، فقد ترك ليونيد بريجنيف ينتظره أكثر من ساعة احتجاجا على عدم دعم الاتحاد السوفيتي الصريح للعرب ضد إسرائيل!!

وهو ما أثار استغراب الأطراف السياسية، وفسرت هروب حفتر من موسكو دون توقيع الاتفاق، بأنه استجابة لأوامر إماراتية مصرية،

حيث قال رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، خالد المشري: إن السفارة الإماراتية في موسكو، دفعت بقوة لعرقلة وقف إطلاق النار في البلاد.

وقال المشري في كلمة متلفزة: إن “أطرافا خليجية كانت حاضرة في مفاوضات وقف إطلاق النار بالعاصمة موسكو، ضمن وفد حفتر، من بينهم القائم بأعمال سفارة الإمارات لدى روسيا، الذي كان أحد أسباب عرقلة توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا”.

من جهته، كشف رئيس أركان الجيش الليبي السابق، اللواء يوسف المنقوش، أن حفتر رفض توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، تنفيذًا لطلب من الإمارات ومصر، مشيرا في تصريح للأناضول إلى أن اجتماعات موسكو أظهرت أن حفتر ليس مستقلًا من جهة القدرة على اتخاذ القرار، فضلًا عن عدم امتلاكه القدرة على التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار؛ لأن قراره مرتهن لطرف خارجي.

وهو الأمر الذي أغضب الوسيط التركي، الذي هدد بأن تركيا سترد على أي خروقات من قبل حفتر لوقف إطلاق النار، المعلن يوم 12 يناير، وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، قال: “إن مساعينا مستمرة لوقف إطلاق النار في ليبيا، ولا يمكننا أن نقول إن الأمل مفقود تماما. ”

وأضاف في لقاء مع ممثلي وسائل الإعلام التركية، بالعاصمة أنقرة: “إن ادعاءات انتهاء وقف إطلاق النار في ليبيا، لا تعكس الوقائع الميدانية”، وذلك ردا على تصريحات أطلقها رئيس مجلس برلمان طبرق عقيلة صالح، مساء الثلاثاء، أعلن خلالها “انهيار وقف إطلاق النار في طرابلس واستمرار القتال. ”

فيما رأى مراقبون أن حفتر استفاد من الهدنة الهشة، بتعديل أوضاع قواته حول طرابلس في محور صلاح الدين وزوارة، حيث نقل مدرعات إماراتية وقوات مجرورة نحو محاور طرابلس الجنوبية.

من جانبه، قال رئيس أركان الجيش الليبي السابق، يوسف المنقوش: إن حفتر رفض توقيع اتفاق وقف إطلاق النار تنفيذًا لـ”طلب من الإمارات ومصر”، مرجحًا أن يواجه مسار برلين “صعوبات”؛ لإصرار هذا “المحور” على استمرار الخيار العسكري.

هدنة هشة

وكان قد أعلن وقف إطلاق النار يوم الأحد 12 يناير الجاري بين قوات حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا وقوات اللواء خليفة حفتر على أساس مبادرة تركية روسية، غير أن اشتباكات متقطعة وقعت بين الجانبين لاحقا.

وفسر البعض انسحاب حفتر من موسكو، بأن داعميه الذين حققوا انتصارات قرب طرابلس، يتمترس بالواقع الميداني القريب من تحقيق انتصار حاسم بالسيطرة على طرابلس، حال دون تحقيقه الدعم العسكري التركي السريع لطرابلس الأسبوع الماضي.

ويرى المحلل السياسي وأستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج مسين بواشنطن، محمد الشرقاوي، سببين رئيسيين في هذه الخطوة، كما قال في حواره مع DW عربية: “السبب الأول يكمن في اقتراب الموقف الروسي من الموقف التركي أكثر فأكثر وهو ما بعثر حسابات الجنرال حفتر، الذي لم يكن يتوقع هذا القرب بين موسكو وأنقرة في الخطة الجديدة. خاصة وأن روسيا منذ ظهور الجنرال حفتر عقب انتخابات 2014 كانت تدعم ضمنياً صعود نجم هذا الجنرال وأيضاً اقتناعه بأن ما سيحصل عليه من هذا الاتفاق ليس في مستوى توقعات الجيش الليبي ومجلس النواب في طبرق الذي يدعمه منذ انتخابات صيف 2014”.

مضيفا: إن حفتر لا يريد أن يلتزم أيضاً خشية من ردود فعل بعض العواصم التي تؤيده وحتى لا يظهر بأنه يتصرف من دون العودة إلى من يعتبرون داعميه الأساسيين في التوسع باتجاه طرابلس.

ومن وجهة نظر عسكرية أخرى، يرى البروفيسور أندرياس ديتمان، من المعهد الجغرافي في جامعة غيسن، أن الجنرال حفتر، الذي أبدى موافقته على اتفاق الهدنة في البداية، كان سيخسر في حالة الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، لأن تركيا كانت ستنقل المزيد من الإمدادات نحو طرابلس. وأن التوصل إلى وقف إطلاق النار في ليبيا كان سيكون في صالح تركيا التي كانت ستستغله بشكل أساسي لنقل الإمدادات إلى طرابلس. وقال: “الاتفاق لم يكن ليساعد حفتر، وإنما معارضيه”.

تداعيات فشل مفاوضات موسكو

ويرى بعض المحللين أن عدم توقيع حفتر على اتفاق وقف إطلاق النار في موسكو يؤكد أن تأثير الدول الأخرى على اللواء المتقاعد أكبر من تأثير روسيا، إلا أن هذا الرأي يبدو بعيدا عن الواقع، بل هناك مؤشرات تشير إلى أن بوتين يلعب على الحبلين، ويسعى إلى أنقاذ حفتر وحمايته، ليستخدم هذه الورقة فيما بعد لتوسيع نفوذ روسيا في ليبيا.

كما أن هروب حفتر من التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار يؤكد أن اللواء المتقاعد يسعى إلى كسب الوقت، والذهاب إلى مؤتمر برلين دون التراجع عن الأماكن التي احتلتها قواته، ليجعل حكومة الوفاق الوطني تشارك في المؤتمر تحت ضغوط القوات التي تستعد لاستئناف هجماتها على طرابلس، ولكي يضمن لنفسه دورا محوريا في المرحلة القادمة، يمكنه من الدفاع عن مصالح داعميه في ليبيا، ويوفر له حصانة وشرعية، ويحميه من المساءلة كمجرم حرب في المحاكم الدولية ومعاقبته على الجرائم التي ارتكبها ضد المدنيين.

وأما الدول الداعمة لقوات حفتر فتختبر الآن مدى استعداد تركيا لاستخدام القوة العسكرية في ليبيا لدعم حكومة الوفاق الوطني، ومن المتوقع أن تحدد نتيجة هذا الاختبار موقف تلك الدول. وأي تردد تبديه أنقرة في استخدام القوة العسكرية، رغم اتفاق التعاون الذي وقعته مع طرابلس، سيشجع داعمي اللواء المتقاعد على المضي قدما في محاولة إسقاط حكومة الوفاق الوطني وتنصيب دكتاتور على الشعب الليبي، كما أن ذاك التردد سيبعث إلى الأطراف المتنازعة في شرقي المتوسط، رسالة خاطئة مفادها أن تركيا تكتفي بإظهار عضلاتها دون اللجوء إلى القوة الخشنة لحماية مصالحها.

مؤتمر برلين

وسياسيا، تبحث قمة برلين ، وقف الاقتتال الداخلي وتطبيق حظر السلاح وتوحيد الجيش الليبي وإنشاء مجلس سيادي يجمع بين طرفي الصراع وتوحيد البرلمان والذهاب نحو انتخابات عامة قبل تشكيل حكومة موحدة، وهو ما يتصادم مع أجندات أطراف خارجية، حيث تسعى الإمارات والسعودية ومصر لدعم سيطرة حفتر وإجهاض حكومة الوفاق الليبية، بمزاعم رعايتها الإرهاب، ومن أجل الاستفادة من ثروات ليبيا النفطية وتأمين الحدود المصرية على حساب الداخل الليبي، وبعيدا عن مقررات الأمم المتحدة.

فيما يتواجه السلام الذي ما زال بعيدا في ليبيا بأطماع أوروبية من قبل فرنسا وإيطاليا وأيضاً واشنطن، حيث لكل دولة أهدافا في ليبيا، تسعى من خلال التدخل المباشر العسكري والسياسي، لمحاربة التنظيمات المسلحة التي تقول أمريكا وفرنسا إنها تنتشر في الجنوب والغرب الليبي، وأيضاً ضمان السيطرة على النفط الليبي القريب من الشواطئ الأوربية.

فيما تتقاطع تلك الأهداف مع المطامع الروسية العاملة على الأرض عبر قوات مسلحة غير رسمية ومليشيات مسلحة من شركة فاغنر وغيرها.

وفي جانب آخر، يأتي الاتفاق التركي مع الحكومة المعترف بها في طرابلس، للأمن والاستثمار في الحدود المشتركة بين تركيا والسراج، الذي يسعى لوقف محاولات عزلها من قبل دول شرق المتوسط، “اليونان وقبرص اليونانية ومصر وفرنسا وإيطاليا وإسرائيل” الذين أسسوا منتدى لغاز المتوسط عزلوا من خلاله تركيا في حدود ضيقة، كسرتها الاتفاقية التركية مع حكومة طرابلس.

تلك التقاطعات تقف حجر عثرة أمام تحقيق سلام في ليبيا التي
دخلت في منطقة تقاطعات دولية.

وثيقة مسربة

وكانت عدة  دوائر إعلامية سربت وثيقة إعلان برلين المرتقب.

حيث تؤكد مسودة الإعلان على سيادة ليبيا ووحدة أراضيها، كما تدعو الجهات الدولية للامتناع عن التدخل في ليبيا، ودعم جهود الحل السياسي في ليبيا، إضافة إلى الدعوة لهدنة دائمة في مختلف أرجاء البلاد وإنهاء التصعيد العسكري.

وتدعو مسودة الإعلان إلى فرض عقوبات دولية على من يهدد وقف إطلاق النار ويخرقه، والبدء الفوري باتخاذ تدابير للثقة وتبادل جثامين القتلى والأسرى، إضافة إلى حث الأطراف الليبية على نزع سلاح المجموعات المسلحة تحت إشراف أممي.

وتحث المسودة الأطراف الليبية على تأسيس مجلس رئاسي وتشكل حكومة وحدة وطنية معتمدة من مجلس النواب، وكذا التوزيع العادل للثروة بين كل المناطق في ليبيا، كما تحثهم على تأسيس قوات أمن وقوات عسكرية موحدة تحت سلطة مركزية واحدة في البلاد.

مواقف ملتبسة

ويأتي مؤتمر برلين في ظل التباس سياسي وتشابكات دولية قد تعيق حسم الملفات الملتهبة بليبيا.

وكانت صحيفة “تي بي إي نيوز” الإيطالية توقعت عدة سيناريوهات للأزمة الليبية، بعد رفض حفتر التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في موسكو، في وقت تسعى فيه الدول الأوروبية لتكوين جبهة تدفع نحو السلام، وتقف ضد إصرار حفتر على الحل العسكري.

وقالت الصحيفة، إن الحرب في ليبيا تبدو بلا نهاية، خاصة أن الجنرال المتقاعد خليفة حفتر امتنع عن التوقيع على الهدنة في روسيا، يوم الثلاثاء 14 يناير، حيث قرر أن يستقل الطائرة ويغادر الأراضي الروسية، بينما كان رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، قد قبل بكل شروط الهدنة المقترحة من موسكو وأنقرة.

ونقلت الصحيفة عن مصادر قولها: إن حفتر لم يكن قادرا على قبول بنود الاتفاق؛ لأن أهدافه لم تتحقق بنسبة مئة بالمئة.

ورغم التقدم الذي أحرزته قوات حفتر في زحفها نحو طرابلس، فإن ألمانيا ملتزمة بالدعوة لحل سياسي لهذا الصراع، وذلك من أجل “تجنب تكرار السيناريو السوري”، بحسب تعبير وزير الخارجية هايكو ماس. حيث تخشى ألمانيا من اتساع رقعة المعارك، وكنتيجة لذلك اقتسام دوائر النفوذ في ليبيا بين روسيا وتركيا وقوى أخرى إقليمية في الشرق الأوسط، في هذا البلد الذي يكتسب أهمية كبرى من حيث الثروات الطاقية، ودوره في منع تدفق المهاجرين نحو أوروبا.

وتقدم روسيا الدعم لقوات الجنرال خليفة حفتر، الذي يهدد بدخول طرابلس، والإطاحة بحكومة فايز السراج.

بينما يدرس الاتحاد الأوربي إرسال قوات أوربية عبر بعثة عسكرية إلى ليبيا، مكونة من جنود وسفن وطائرات، من أربع دول على الأقل: هي إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا.

وبالطبع من أجل القيام بهذه الخطوة، يجب أن يتم تقديم طلب رسمي إلى فايز السراج، مع موافقة من حفتر، وتصويت بالموافقة في برلمانات الدول المعنية. ومن المنتظر أن تتم مناقشة هذه الفكرة على طاولة مجلس الأمن في الأمم المتحدة. وقد تشهد هذه الخطة مشاركة روسيا تحت غطاء مهمة أممية، حيث ينوي بوتين المشاركة في الإدارة السياسية لهذه العملية، مستفيدا من موقعه كدولة دائمة العضوية في المجلس.

ثلاث  سيناريوهات

وترجح الدوائر السياسية، ثلاث سيناريوهات:

-الأول: وهو الأكثر تشاؤما، يتمثل في سيناريو اندلاع حرب شاملة في محيط العاصمة طرابلس، بما أن الخناق بدأ يضيق حول حكومة فايز السراج، الذي يتعرض لضغط كبير من قوات حفتر، التي تتقدم خطوة بخطوة لتسيطر على كافة مناطق ليبيا، في مسعى للسيطرة على كامل البلاد.

أما السيناريو الثاني، وهو الذي يريده السراج، فهو تدخل دولي لوقف المعارك في ليبيا، خاصة وأن حكومته هي الوحيدة المعترف بها من الأمم المتحدة، وهي تحظى بدعم معنوي وعسكري من تركيا. وفي المقابل فإن حفتر يمكنه التعويل على دعم روسيا ومصر وفرنسا والإمارات والسعودية.

أما السيناريو الثالث، الذي يمكن اعتباره حاسما على الصعيدين الدبلوماسي والميداني، فهو الذي قد تلعبه أنقرة وموسكو.

تحديات أمام قمة برلين

وإزاء تعقيدات المشهد الليبي، يذهب كثيرون من الليبيين إلى أن قمة برلين لن تحقق تقدم فعلي على الصعيد الداخلي الليبي، إذ أن الليبيين علقوا آمالا كثيرة على مؤتمرات عديدة رعاها أصدقاء وأعداء لليبيين في باريس وباليرمو والإمارات وغيرها..

وبحسب مراقبين، تشرف الأزمة الليبية، قبل أن تصل، الأحد المقبل، إلى برلين، على إكمال عقد كامل، بعد أن تجولت في عدد من العواصم، أهمها باريس وباليرمو العام الماضي، قبل أن تنتقل، بشكل مفاجئ، إلى موسكو، أخيراً، مروراً بإسطنبول، دون نتائج.

وتشير لهجة التشاؤم التي تحدثت بها المستشارة الألمانية ميركل عندما قالت: إنّ المؤتمر سيعقد في ظل “تفاهمات الحد الأدنى”، وهو ما يعكس ضغوطات ومحاولات تشويش تقودها تلك الدول العربية التي انزعجت من الدور التركي والتحول في الموقف الروسي الذي كان يميل إلى مصلحة حفتر، ما يعني أنّ الخلافات والانقسامات بشأن الحل الليبي لا تزال قائمة، وقد تهدد بنسف نتائج قمة برلين قبل انعقادها..

من جانب آخر ، يهدد تنازع أوروبا والحلف التركي الروسي حول ليبيا ، قمة برلين، حيث يشير المهتم بالشأن السياسي الليبي المهدي الربيعي، إلى أن المتحدث باسم الرئاسة التركية حدد بدقة أهمية قمة برلين، معتبراً أنها “ستكون دون جدوى في حال بقاء قوات حفتر على تخوم طرابلس دون أن تنسحب”. ومن جانب آخر، يؤكد أنّ “تنازع أوروبا والحلف التركي الروسي، على الملف الليبي، عامل آخر يهدد برلين بالفعل، وهو تنازع لا يمكن إنكاره، سواء على مستوى التوقيت وتسارع الإعدادات في موسكو وبرلين لاستضافة طرفي النزاع، أو على مستوى النتائج.

ويتوقع خبراء أن روسيا قد تعرقل نتائج برلين، سواء لو وقّع حفتر على اتفاق، فذلك يعني ارتهان الحل الليبي بيد الروس والأتراك، وإذا لم يوقّع فما الداعي أصلاً لقمة برلين، وحفتر مصر على القتال.

ومع ضبابية الموقف الأمريكي المبتعد سياسيا عن ليبيا، مؤثر الحلول الأمنية والاقتصادية على الحلول العسكرية والسياسية، وهو ما اتضح في محادثات واشنطن نوفمبر الماضي، فاللافت في رؤية واشنطن للحل في ليبيا، تجاوزها لكل الأوضاع الراهنة، والاتجاه للدفع بمسارات حل أخرى، منها المقاربة الأمنية، وعلى عكس كثير من العواصم التي تنتهج مسارات سياسية للحل، نجد واشنطن تتجه إلى مسار أمني واقتصادي كشف عنه الحوار الأمني الذي أطلق في نوفمبر الماضي في واشنطن، بحضور وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا”، وأكدته السفارة الأميركية في ليبيا خلال الشهرين الماضيين في أكثر من مناسبة، ما يرجّح اتجاهاً أميركياً لاستثمار في بنود توحيد المؤسسات الأمنية والاقتصادية.

وهي عراقيل قد تقوض نتائج قمة برلين، تبقي الصراعات الميدانية على الأرض، وسط دفع الأطراف العربية “مصر والإمارات والسعودية” نحو استثمار تقدم حفتر عسكريا  نحو طرابلس وإنهاء حكومة الوفاق، وهو مصير يبدو أنه  الأقرب للتحقق، ومعه تبقى وثيقة برلين، حبرا على ورق، رغم جدارة طروحاتها، التي ستذهب نحو الدعوة لوقف إطلاق النار، وتطبيق حظر التسلح وتدفق الأسلحة غير المشروعة إلى ليبيا، والعودة إلى التفاوض الليبي-الليبي حول الحل السياسي، إضافة إلى حزمة الإجراءات الاقتصادية والمالية الضرورية، والترتيبات الأمنية للعاصمة طرابلس وتخومها، وتطبيق القانون الدولي الإنساني، علاوة على ضرورة محاكمة مجرمي الحرب.

مأساة مستمرة

وأمام تلك المعطيات، تبقى مأساة الليبيين مستمرة، حيث تعاني ليبيا من فوضى سياسية وأمنية منذ اندلاع انتفاضة شعبية عام 2011، أسفرت عن مقتل الزعيم معمر القذافي الذي حكم البلاد لفترة طويلة.

ومنذ بدء الهجوم على طرابلس، قُتل أكثر من 280 مدنيا وحوالي ألفي مقاتل، ونزح نحو 146 ألف ليبي، وفقا للأمم المتحدة.

مستقبل غامض

وتشير التقديرات أن الأيام المقبلة ستزيح الستار أكثر وأكثر عن الحسابات السياسية للجنرال الليبي، الذي يتساءل مراقبون ومحللون حول ما إن كان سيتحول إلى شريك في السلام في ليبيا أم أنه سيواصل هجومه للاستفراد بالسلطة؟

فيما يتوقع مراقبون أن الجنرال حفتر لديه ازدواجية في الشخصية. وهو يتذبذب ويتأرجح بين الشخصية العسكرية للجنرال القوي الذي يستطيع أن يدك الأرض ويقضي على خصومه، وبين الشخصية الأخرى والتي يريد أن يظهر بها أحياناً بزي مدني ويبدو وكأنه الزعيم المرتقب بأن يوحد ليبيا، كما أن الدعم الخارجي يزيد من هذا التذبذب.

وطالما لم تتغير مواقف الدول التي ترعى معسكر الشرق في ليبيا لن يتغير موقف حفتر.

كما لا يجب أن نقرأ إرادة حفتر لوحده وما يحققه أو ما يفشل في تحقيقه، بل يجب النظر إلى منبع القوة والدعم المادي واللوجيستي له. تلك العواصم هي من يغير التفاعل مع الأزمة وما لم تتوافق المصالح الكبرى لتلك الدول فإن الأزمة الليبية لن تصل إلى مخرج.

ولعل ما يعرقل آفاق الحلول المستقبلية، مشكلة ازدواجية الشرعية من ناحية. ومن ناحية أخرى تعدد التدخلات وتباين الاستراتيجيات من دول أوروبية وخليجية.

فتعدد الأدوار الخارجية يجعل من الصعب إيجاد صيغة توفيقية أو على الأقل تقريب وجهات النظر وتجسير الفجوة بين هؤلاء الزعماء لأن كل طرف يعتد بأن لديه ما يكفي من الدعم الخارجي.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...