حذَّر الخبير الاقتصادي مصطفى عبدالسلام من التداعيات الكارثية لتحصين قرارات وإجراءات الصندوق السيادي المصري “ثراء”، مؤكدًا أن ذلك يفتح الباب على مصراعيه أمام فساد منظم بلا حسيب أو رقيب أو مساءلة إذا فشلت إدارة الصندوق في إدارة الأموال الهائلة التي بحوزته.
وتحت عنوان “مصر تحصّن صندوقها السيادي” المنشور بصحيفة “العربي الجديد”، يقول عبدالسلام: “ترتكب الحكومة المصرية ذات الخطأ عندما تحصّن القرارات الصادرة عن الجهات الرسمية والتابعة لها من المساءلة القانونية والشعبية، وهو ما يفتح الباب أمام شبهات الفساد وإهدار المال العام”.
رفض الدستورية
ويشير عبدالسلام إلى رفض المحكمة الدستورية لتشريع مماثل، مضيفًا أنه “في عام 2014 أقرّت الحكومة قانونًا يقضي بتحصين العقود التي تبرمها الدولة مع المستثمرين، بمن فيهم رجال الأعمال الأجانب مشترو شركات قطاع الأعمال العام والأصول الحكومية، إلا أنه بعد مرور 3 سنوات، أوصت هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية قانون تحصين العقود الذي أصدره المستشار عدلي منصور، إبّان رئاسته للجمهورية مؤقتًا، لكن الحكومة، كعادتها، ضربت عرض الحائط بالتوصية الصادرة عن أعلى محكمة في مصر”.
جوهر التعديلات
ويوم الخميس الماضي أدخلت حكومة الانقلاب تعديلات جوهرية على قانون الصندوق السيادي تنص على تحصين العقود التي يبرمها الصندوق ضد الطعون القضائية، ومنع الطعن عليها من أطراف ثالثة، وتنص التعديلات التي أدخلتها الحكومة على مشروع قانون تأسيس الصندوق السيادي والتي تم تمريرها بسرعة لمجلس النواب على ألا ترفع الدعاوى ببطلان العقود التي يبرمها الصندوق أو التصرفات التي يتخذها لتحقيق أهدافه أو الإجراءات التي اتخذت استنادًا لتلك العقود، أو التصرفات إلا من أطراف التعاقد، دون غيرهم.
وينص أيضًا على أن يكون الطعن في قرار رئيس الجمهورية بنقل ملكية الأصول العامة إلى الصندوق السيادي أو الإجراءات أو التي اتخذت بناءً على هذا القرار، من الجهة المالكة أو الصندوق المنقول له ملكية ذلك الأصل دون غيرهما.
تقنين الفساد
وبحسب المقال فإن حكومة السيسي بهذا التعديل يصبح الصندوق السيادي للدولة محصنًا من النقد والمساءلة والرقابة الرسمية والشعبية والملاحقة القانونية، متسائلاً: فهل نحن نتعامل مع صندوق استثمار مملوك لأحد رجال الأعمال أو لشركة قطاع خاص، أم صندوق سيادي تابع للدولة يتولى إدارة أصول وممتلكات وشركات مملوكة للمصريين بهدف تعظيمها؟
ويعلق عبدالسلام على ذلك مضيفًا: “أفهم أن تعهد الحكومة إدارة الصندوق السيادي إلى إدارة فنية ومحترفة، حتى لو كانت أجنبية، وذلك كما تفعل دول عدة مع صناديقها السيادية التي تتولى استثمار الفوائض المالية للدولة لمصلحة الأجيال المقبلة، لكن ما لا أستوعبه أن تُحصَّن قرارات هذه الإدارة وتُمنَع أي جهة أو فرد من مساءلتها في حال ارتكابها أخطاءً عند إدارة أموال الدولة”.
ويتابع: “لم نسمع بإدارة صندوق سيادي عالمي محصَّنة من المساءلة والرقابة، وبتحصين عقودها حتى في البلاد التي نطلق عليها لفظ “نامية” وأحيانًا “متخلفة”، ولم نسمع أن رئيس صندوق سيادي أجنبي، أو خليجي، مُعفىً من المساءلة في حال إخفاقه في إدارة أموال الصندوق بشكل كفء، وبالتالي ما حدث في مصر هو استثناء خارج عن كل الأعراف التي تتبعها الدول في إدارة فوائض أموالها، بل ويخالف دستور البلاد”.
ويشدد على أن ما حدث من تحصين لقرارات الصندوق السيادي المصري يفتح الباب على مصراعيه للفساد والمحسوبية والقيل والقال.
رسائل سلبية
ويقول عبدالسلام: “لنا أن نتخيل أن رئيس الصندوق ومجلس إدارته وإدارته التنفيذية المسئولة عن إدارة مليارات الدولارات من أموال المصريين واستثمارها غير خاضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، ولا تستطيع جهة رقابة أن تسأل كل هؤلاء عن نتائج أعمالهم، أو تلاحقهم قضائيًّا في حال إهدار أموال الصندوق، أو حتى الإخفاق في إدارة أموال الصندوق وعدم استثماره بشكل آمن وقليل المخاطر وعالي الربحية”.
ويتساءل: “ما الرسالة التي يود صانع القرار في مصر أن يبعث بها من تحصين قرارات الصندوق، سواء للرأي العام في الداخل أو أسواق المال والمهتمين بأنشطة الصندوق السيادي؟ وما مبرر قصر الطعن في قرار رئيس الجمهورية بنقل ملكية الأصول العامة إلى الصندوق السيادي، وهل يجرؤ مدير الصندوق أو عضو بمجلس إدارته أصلاً الطعن أمام القضاء على قرار اتخذه رئيس الدولة بشأن نقل الأصول العامة إلى ملكية الصندوق؟”.
ويوضح الكاتب أن الصندوق السيادي لا يتولى إدارة أموال خاصة تخص شخصًا بعينه، بل يدير أموالاً عامة مملوكة للمصريين، وبالتالي يجب أن يخضع لرقابة متعددة ممثلة في مجلس إدارته والجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية وهيئة الرقابة المالية وغيرها.
ويضيف أن المصريين يريدون أن يعرفوا كل شيء عن صندوقهم السيادي الممول من الموازنة العامة وأموال دافعي الضرائب، يريدون مثلاً أن يعرفوا تفاصيل الاتفاق الذي أبرمه الصندوق المصري مع القابضة، ولماذا الشركة الإماراتية تحديدًا؟ فالمصريون يريدون أن يعرفوا كذلك طبيعة وقيمة الأصول التي نُقلَت ملكيتها إلى الصندوق السيادي، ولماذا هذه الأصول تحديدًا وما العوائد المستهدف تحقيقها من هذه الخطوة؟