شكل إعلان وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عن وجود مفاوضات ثنائية بين بلاده والسعودية؛ تطورا جديدا في ملف الأزمة الخليجية التي اندلعت في 5 حزيران/ يونيو 2017، بعد قطع الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة علاقاتهم مع الدوحة.
وفرضت الدول الأربع “إجراءات عقابية” ضد قطر، بينها إغلاق مجالات الجوية أمام الطيران القطري، بزعم دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة، وتتهم الرباعي بالسعي إلى فرض الوصاية على قرارها الوطني.
وتوقع آل ثاني خلال كلمة له أمام منتدى “حوار المتوسط” بالعاصمة الإيطالية روما، أن “تكون النتائج إيجابية”، مشيرا إلى أن المفاوضات غير متعلقة بالشروط الـ13 التي وضعتها دول الحصار لإعادة العلاقات مع قطر.
وسبق ذلك، تصريحات لوزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي أكد أن “تغير الموقف من قطر مرهون بخطوات منها”، منوها إلى أن بلاده وجهت دعوة لأمير قطر، من أجل حضور قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض.
تهدئة إعلامية
وفي إطار مرتبط، كشفت صحيفة “القبس” الكويتية أن “مسؤولين سعوديين وقطريين تباحثوا، وأزالوا مؤخرا بعض أبرز أسباب الخلاف، التي أدت إلى تصاعد وتيرة الأزمة، بوساطة بذلتها الكويت”، لافتة إلى أن “القمة الخليجة خطوة إيجابية لحل الخلاف، لكنها ستتعلق بمسيرة الخليجي ودعمها، وأهم التحديات التي تواجه المنطقة أمنيا وسياسيا، وضرورة التكاتف والتعاون لمواجهتها”.
وتعقد قمة مجلس التعاون الخليجي في العاشر من الشهر الجاري بالرياض، بعد أن كان مقررا عقدها في أبو ظبي، وسط مؤشرات تحدث عنها سياسيون خليجيون عن قرب طي صفحة الأزمة الخليجية.
وبحسب هؤلاء السياسيين، فإن مشاركة منتخبات السعودية والإمارات والبحرين في بطولة “خليجي24” المقامة في العاصمة القطرية الدوحة، تعد مؤشرا إضافيا على أن المصالحة الخليجية باتت وشيكة.
لكن الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية أمجد جبريل، يقرأ التطورات الأخيرة من زاوية مختلفة، معتقدا أنه “ستكون هناك تهدئة إعلامية بين الطرفين القطري والسعودي، ريثما تنعقد القمة الخليجية في الرياض”.
ويضيف جبريل في حديث لـ”عربي21″ أنه “بعد ذلك لكل حادث حديث”، موضحا أن ذلك يعتمد على حجم التمثيل القطري في القمة الخليجية، إلى جانب طريقة إدارة السعودية للقمة، ومدى رغبتها الحقيقية في تحقيق المصالحة.
ويستدرك قائلا: “برأيي لن تكون مصالحة حقيقة، وإنما نتحدث عن تهدئة إعلامية فقط”، مبينا أنه “سيتوقف الهجوم الإعلامي المتبادل، وربما يكون هناك بعض الكلمات الإيجابية، لكن باعتقادي أن المصالحة الخليجية ستتأخر”.
أجواء أفضل
ويرى جبريل أن “المؤشرات التي تتمثل في كأس (خليجي24) أو حتى حضور وفد قطري إلى قمة الرياض، هي مؤشرات عادية وربما تكون مخادعة، وليست مؤشرات حقيقية على حدوث مصالحة”، مشددا على أهمية النظر إلى السبب الذي من أجله فرض الحصار على قطر.
ويردف قائلا: “إذا كان السبب ما زال موجودا، فإن المصالحة لن تحدث”، مؤكدا أن “هناك أجواء أفضل منها قبل العامين والنصف، لكن ليس إلى حد تصفية الخلافات الخليجية، لأن المعتاد في العلاقات العربية العربية، أن المشاكل تتم تهدئتها وليس حلها من الجذور”.
ويشير الباحث في العلاقات الدولية إلى أنه “قبل كل قمة عربية، تسعى الدولة المبادرة للدعوة إلى تهدئة الأجواء، وإرسال الدعوات لجعل الحضور أكبر ما يمكن، لضمان النجاح لها باعتبار أنها الدولة المنظمة للقمة (..)، وهذا ما يحدث تماما في القمة الخليجية”.
وحول وجود ضغوط دولية وتحديدا أمريكية لإتمام المصالحة الخليجية، يقول جبريل إنها “موجودة لكن ليست جادة إلى حد إنهاء الأزمة”، مرجئا ذلك إلى أنه “لو كانت واشنطن تريد إنهاء هذه الأزمة، لما بدأت من الأصل، ولمنعت الرياض وأبوظبي من افتعالها”.
وبحسب جبريل، فإن العنصر الحاسم في أزمة الخليج هو ما يحصل في الرياض وأبوظبي، موضحا أنه “طالما وجدت توجهات محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، فأعتقد أن المصالحة الخليجية ستتأخر قليلا أو كثيرا”، على حد قوله.
في المقابل، يلفت الكاتب البريطاني أندرياس كريغ إلى أن وسائل الإعلام التي ترعاها الحكومة في السعودية والإمارات والبحرين، ظلت صامتة على قطر في الأسابيع الأخيرة، وتراجعت عن روايتها التي كررتها منذ بداية الأزمة بأن “الدوحة راعٍ رئيسٍ للإرهاب في العالم”.
ويرأى كريغ في مقال نشرته صحيفة “ميدل إيست آي” وترجمته “عربي21” أنه قد يكون أحد الأسباب أن القادة في الرياض وأبوظبي، قد أدركوا أن روايتهم فشلت في تقديم النتائج المرجوة، وأن قطر تبدو اقتصاديا هي الدولة الأكثر مرونة في الخليج خلال عام 2019، بارتباطها بالغرب وواشنطن بشكل خاص.
ويتابع قائلا: “ليس من المستغرب أنه بعد أكثر من عامين، منحت الرياض أخيرا الوساطة الكويتية في نزاع الخليج فرصة”، مضيفا أنه “يبدو أن هناك إدراكا متأخرا في العاصمة السعودية مفاده أن الصدع الذي أحدثته دول مجلس التعاون الخليجي، يأتي بنتائج عسكية”.
ويتوقع كريغ أن يكون هناك مرونة قطرية تجاه “مصالحة باردة” مع المملكة العربية السعودية، والتي من من المرجح أن تشهد البحرين إصلاح علاقاتها أيضا، لكن الفجوة مع أبو ظبي واسعة للغاية، ولا يمكن سدها في هذه المرحلة.
ويشدد على أن هذا كله مرهون بسماح الرياض لعودة الخطوط الجوية القطرية، معتقدا أن “الفكرة المتمثلة في أن الأمير تميم بن حمد وولي العهد محمد بن سلمان، يتصافحون لإبرام صفقة مصالحة في المستقبل القريب تبدو مثالية في هذه المرحلة”.