مشاركة السيسي في قمة “العشرين ــ أفريقيا” بألمانيا.. نتائج متواضعة وتضخيم إعلامي

أثناء انعقاد قمة “العشرين” سنة 2017م، اقترحت ألمانيا مبادرة تحت عنوان «الميثاق مع أفريقيا»، وذلك بهدف زيادة الاستثمارات في القارة الأفريقية، وتوفير فرص عمل لتقليل موجات الهجرة غير الشرعية التي تجتاح أوروبا كل عام، وللمرة الثانية خلال عامين، استضافت برلين قمة أفريقية بمشاركة 11 دولة أفريقية من مجموع 12 انضمت للمبادرة لمناقشة الاستثمارات الألمانية. وكان على رأس المشاركين آبي أحمد رئيس الوزراء الأثيوبي الذي حصل على جائزة نوبل للسلام هذا العام إضافة إلى رئيس الانقلاب العسكري في مصر الجنرال عبدالفتاح السيسي.

المستشارة أنجيلا ميركل التي افتتحت المؤتمر الثلاثاء 19 نوفمبر 2019م، حثت الدول الأفريقية على مكافحة الفساد، والترويج للديمقراطية، لتشجيع الاستثمار، بقدر ما حثت المستثمرين الألمان على العمل في القارة الأفريقية.

وبحسب صحيفة “الشرق الأوسط”[1]كبرى الصحف السعودية انتشارا، فإن الانتقادات تتزايد لهذا الميثاق الذي يقول المعلقون عليه إنه فشل في تحقيق نتائج تذكر. وأن المبادرة التي تقودها ألمانيا بشكل أساسي، بدعم من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فشلت حتى الآن بجذب استثمارات ألمانية كبيرة إلى أفريقيا، في وقت تزيد فيه كل من روسيا والصين من استثماراتهما هناك؛ وأن بكين وحدها ضخت مئات المليارات في القارة، من خلال مشاريع بنية تحتية، من طرق وسكك حديدية.

تهدف ألمانيا من هذه المبادرة «الميثاق مع إفريقيا» تحسين مستويات معيشة المواطنين الأفارقة  بهدف حثهم على وقف الهجرة إلى أوروبا بشكل أساسي. ورغم اعتراف ألمانيا بأن بأوروبا وإفريقيا تواجهان تحديات شبيهة تتعلق بالتغير المناخي والهجرة؛ إلا أن المستشارة الألمانية في كلمتها الافتتاحية رهنت زيادة استثمار بلادها في القارة السمراء بضرورة مواصلة السياسات نحو مزيد من سيادة القانون ونظام مالي وضريبي أكثر شفافية وقالت إن المزيد من الشفافية سيجلب المزيد من الاستثمارات الألمانية.

وذكرت ميركل بأن الدول الأفريقية التي انضمت للمبادرة وضعت أجندة «طموحة جداً، تتمثل بالوصول لاتفاقية تجارية حرة مع أوروبا»، ولكنها ربطت ذلك بضرورة مواجهة الدول الأفريقية للمشكلات الكثيرة التي تعاني منها. وذكرت ميركل أن هناك بعض الأمور تتحرك في الدول الأفريقية في هذا الاتجاه، لكن لا يزال هناك كثير من المشكلات التي هي بحاجة إلى حلول، مثل القضايا الأمنية التي تشكلها التحديات الإرهابية على سبيل المثال في منطقة الساحل، والنمو السريع في عدد السكان.

لماذا فشلت المبادرة؟

وحول أسباب فشل المبادرة الألمانية، فإن برلين عندما استضافت الاجتماع الأول منذ إطلاق المبادرة، تم الإعلان عن تخصيص صندوق استثمار بقيمة مليار يورو. وبحسب وزارة الاقتصاد الألمانية، فقد تضاعفت الاستثمارات الألمانية المباشرة في أفريقيا منذ عام 2015، لتبلغ العام الماضي تقريباً ملياري يورو. وبحسب وزارة التنمية الألمانية، فإن 20 من أكثر الاقتصادات سرعة في النمو هي في أفريقيا، علماً بأن عدد السكان في تلك القارة سيتضاعف بحلول عام 2050، ليصبح 20 في المائة من عدد سكان الأرض.

ورغم هذه الفرص الاستثمارية الضخمة؛ إلا أن الشركات الألمانية ما زالت تستثمر أقل بكثير من الشركات البريطانية والفرنسية في القارة الأفريقية. وما زالت هذه الشركات ترى عوائق كثيرة أمام استثمارات إضافية في أفريقيا، علماً بأن جزءاً من عدم زيادة تلك الاستثمارات يتعلق بالمصارف الألمانية، ورفضها منح قروض للشركات الألمانية التي تريد الاستثمار في أفريقيا، على قاعدة أن الاستثمار «يحمل كثيراً من المخاطر».

وحاولت صحيفة «مورغن بوست» الألمانية، رصد أسباب هذا التعثر، ونقلت عن المدير التنفيذي لجمعية غرف التجارة والصناعة، مارتن فانزليبن، قوله إن «البيروقراطية العالية والفساد والمسائل الأمنية تمنع الشركات الألمانية من اتخاذ الخطوة الأولى في أفريقيا».

وبحسب الصحيفة الألمانية، فإن وزارة التنمية الألمانية وقعت اتفاقات شراكة مع 3 دول، هي تونس وغانا وساحل العاج، وتقترب من توقيع اتفاق مع المغرب والسنغال وإثيوبيا (يلاحظ هنا أن الحكومة المانية لم تضع مصر في القائمة)،  وقال وزير التنمية، غيرد مولر، إن ألمانيا «ملتزمة بالاستثمار الخاص، وتأمين التدريب والوظائف»، ولكنه أضاف أن ما هو مطلوب من تلك الدول كشرط مسبق هو أن «تحسن شروط الاستثمار، عبر الحكم الرشيد، وتأسيس محاكم ضرائب، ومكافحة الفساد، وتأمين الديمقراطية».

وترى دراسة نشرتها مؤسسة «فريدريش إيبرت» أن هذه الشروط المسبقة، دفعت بعض الاختصاصيين للقول إن الخطة غير ناجحة. وقد انتقدت الدراسة مبادرة «الميثاق مع أفريقيا»، وكتب المتخصص بالشؤون الأفريقية روبرت كابل، والخبير الاقتصادي هيلموت رايزن، أن «المبادرة لم تحقق أهدافها». وأضافا في الدراسة: «حتى الآن، المبادرة لم تزد من الاستثمارات الخاصة في الدول الأفريقية، ولم تؤمن وظائف إضافية كافية». وأشارت الدراسة إلى أن الدول الأفريقية غالباً ما حسنت من شروط الاستثمار، ولكن من دون أن يؤدي ذلك إلى المزيد من الاستثمارات من دول مجموعة العشرين.

ونقلت صحيفة «تاغس شبيغل» عن متحدث باسم وزارة المالية أنه «من المبكر جداً» الحكم على المبادرة إذا ما كانت ناجحة أم لا، لأن التغيير في شروط السياسة الاقتصادية يتطلب سنوات. وينتقد البعض في المعارضة أيضاً المبادرة. وقد نقلت صحف ألمانية عن المتحدثة البرلمانية باسم حزب الخضر في شؤون التنمية، أوفا كيكرتز، قولها: «ليس هناك أية دلائل على نجاح مبادرة الميثاق مع أفريقيا، هذا أيضاً لأن المبادرة لا تقدم رؤية حقيقية للتنمية، والتركيز على الاستثمارات الخاصة، يخاطر بأن يؤدي إلى إهمال المصلحة العامة».

السيسي يتحدث عن “4” تحديات

وخلال كلمته في افتتاحية المؤتمر، قال السيسي إن العالم يعيش حالة من التوترات الدولية وتنامي مخاوف تباطؤ الاقتصاد العالمي، مشيرًا إلى أن القارة الأفريقية هي الأكثر تضررًا من تلك السلبيات. مضيفا أن الجانب الألماني يعد شريكًا استراتيجيًا موثوقًا على الأوساط المتعددة، وهناك العديد من التجارب الناجحة لتكون حافزا لقيام المزيد من البحث تضيف للتاريخ الطويل بين القارتين الأوروبية والأفريقية.

وتحدث السيسي عن 4 تحديات[2] قال إنها تواجه قارة أفريقيا، مثل أعباء الديون ومحاربة الفقر والتصدي لظاهرة تغير المناخ والهجرة وغيرها”.داعيا المجتمع الدولي إلى توفير جميع صور الدعم لدول القارة السمراء لمواجهة تلك التحديات التى تواجه القارة الإفريقية. مشيرا إلى أن مصر توفر فرصًا استثمارية هائلة جراء ما تحقق من نتائج مشهود به على صعيد الإصلاح الاقتصادي، إضافة لما توفره كبوابة نفاذ إلى قارات ومناطق أخرى.

مبالغة إعلامية ونتائج متواضعة

وننتقل من الجد والنقاشات الهادفة الرصينة في ألمانيا إلى الإسفاف والبروباجندا في مصر؛ فرغم اتفاق مراكز البحث وكثير من وسائل الإعلام الألمانية على أن المبادرة الألمانية لم تحقق أهدافها على الأقل حتى اليوم؛ إلا أن صحف وفضائيات النظام العسكري في مصر بالغت بشدة في ما أسمتها بإيجابيات مشاركة السيسي في هذه الاجتماعات.

وجاء مانشيت صحيفة “اليوم السابع” في عدد الخميس 21 نوفمبر 2019 أكثر تعبيرا عن حالة الهوس والهذيان المصري وجاء على النحو التالي: (السيسى يواصل إبهار العالم بأداء مصر فى مختلف المجالات، ويعيد اكتشاف القارة الأفريقية كقوة اقتصادية مقبلة. قمة المكاسب السياسية والاقتصادية والعسكرية فى برلين. قمة «مجموعة العشرين وأفريقيا» ترسم خارطة طريق جديدة لاستفادة القارة السمراء من ثرواتها ومواردها. مصر وألمانيا توقعان 6 اتفاقيات بقيمة 300 مليون يورو، والشركات الألمانية تشيد بالمتابعة الشخصية للسيسى. الرئيس: مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف من أجل تحقيق الأمن والاستقرار هو حق أصيل من حقوق الإنسان).

وعلى مدار الأسبوع الماضي ومنذ توجه الجنرال عبدالفتاح السيسي، الرئيس القهري لمصر، يوم الأحد 17 نوفمبر 2019م إلى العاصمة الألمانية برلين للمشاركة في هذه الاجتماعات، شنت صحف النظام العسكري حملة دعاية ضخمة بالغت فيها في قراءة وتحليل مشاركة السيسي في هذه الاجتماعات.

وبتحليل محتوى التناول الإعلامي مقارنة بالنتائج الحقيقة لهذه المشاركة يمكن رصد الملاحظات الآتية:

أولا، التضخيم الإعلامي في صحف وفضائيات النظام يعكس حالة الاستخفاف  والفراغ، يقابلها تجاهل تام من الإعلام العالمي لهذه القمة وحتى نافذة الإذاعة الالمانية الناطقة بالعربية “دويتشه فيله” اكتفت بنشر تقريرين أو ثلاثة تتعلق بالأبعاد الاقتصادية لهذه الاجتماعات، وسلطت الضوء على العقبات التي تواجه الاستثمار الألماني في أفريقيا وعلى رأسها غياب الشفافية والتشريعات الملائمة وتفشي صور الفساد والمحسوبية.

ثانيا،  شهدت مشاركة السيسي زفة من عشرات الموالين له كعادته في أسفاره الخارجية وزغاريد وطبل وزمر ورقص[3]، وهو ما يعكس إحساس السيسي بالضعف والنقص وحاجته إلى الدعم والمساندة النفسية من جهة وكذلك محاولة لإبراز شعبيته المتآكلة من جانب آخر؛ وهو ما يعكس حالة الإفلاس والتركيز على اللقطات والشو الإعلامي اعتقادا منه أن الحكومات والشعوب الأخرى تنظر إلى مثل هذه المسرحيات بنفس العين التي ينظر هو بها! ولو أدرك السيسي النتائج العكسية لهذه المسرحيات المفتعلة لتوقف عنها على  الفور ولكنه يتمادي في غيه وضلاله وكأن الله قد ختم على قبله وسمعه وبصره.

ثالثا، رغم المبالغة في التسويق والدعاية لمشاركة السيسي إلا أن نتائج هذه المشاركة جاءت متواضعة للغاية وبعيدا عن المانشيتات والعناوين الرنانة الضخمة فإن الإجراء العملي الوحيد هو توقيع 6 اتفاقيات بقروض بقيمة 300 مليون يورو. وهو ما يؤكد أن الهدف الأساسي من وراء المشاركة لم يتحقق وأن السيسي منى بفشل كبير في تحقيق أي إنجاز يذكر من هذه المشاركة. كما يؤكد هذا أن نظام السيسي لم يستطع أن يحقق طفرة اقتصادية بمزاعم “الإصلاح الاقتصادي” الذي بدأه في نوفمبر 2016 مع صندوق النقد الدولي فلا يزال حتى اليوم يعتمد على القروض والمنح والمساعدات الخارجية.

رابعا، واصل السيسي تسويق بضاعته الوحيدة وهي التضخيم والمبالغة في صناعة العدو الإسلامي للغرب وأنه الزعيم القادر على التصدي لهذا الغول الذي كان يمكن أن يلتهم العالم كله وأوروبا على وجه التحديد لولا  تدخل السيسي في 30 يونيو لإنقاذ مصر والعالم من هذا الشر المستطير؛ والسيسي يسوق باستمرار لهذه المزاعم من أجل تحقيق هدفين أساسيين:

أولها تبرير جريمة الانقلاب العسكري التي قادها ضد المسار الديمقراطي والرئيس المدني المنتخب ليقينه بأن الغرب عموما ينظر إلى ما جرى باعتباره انقلابا على السلطة الشرعية والحكومة المنتخبة حتى لو تغاضوا عن ذلك من أجل المصالح وكذلك تبرير ملفه المتخم في انتهاكات حقوق الإنسان وممارسة أبشع صور القمع والطغيان بحق كل من يعارضه.

الثاني، يستدر السيسي بهذا الخطاب عطف ودعم الغرب والعالم لتحقيق مكاسب تتعلق بمنحه الشرعية والدعم المالي والسياسي لحماية نظامه من السقوط باعتباره حائط الصد لحماية أوروبا والعالم المتحضر من همجية الإرهابيين “الإسلاميين!”.

خامسا، يتجلى اهتمام السيسي الكبير بالمشاركة في هذه المؤتمرات الدولية خصوصا مع الأمريكان والروس والأوروبيين  لحاجته الماسة لتحسين صورته وصورة نظامه المتآكلة محليا ودوليا، وذلك بتسويق بضاعته المزجاة عن الإرهاب والتي  تجد صدى واسعا في أوروبا والغرب، يعزز من هذا الافتراض إذا علمنا أن السيسي قد شارك خلال 2019 فقط في 8 مؤتمرات ومنتديات دولية[4]،كما أنه كان قد شكل في مارس 2018م لجنة سرية عالية المستوى برئاسة اللواء عباس كامل الذي كان وقتها مدير مكتبه والقائم بأعمال مدير الاستخبارات العامة، للعمل على “تحسين صورة النظام في الخارج، ورسم سياسات التواصل السياسي والإعلامي مع الدول الأجنبية، خصوصاً الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى، فضلاً عن المنظمات الدولية الرسمية والمستقلة”.[5] وتضم اللجنة مستشار السيسي للأمن وزير الداخلية الأسبق، أحمد جمال الدين، ومستشارته للأمن القومي الوزيرة السابقة، فايزة أبو النجا، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، بالإضافة إلى ممثلين عن وزارات الخارجية والداخلية والدفاع والعدل والاستخبارات العامة ممثلة في جهاز الأمن القومي. ومنح السيسي هذه اللجنة صلاحيات واسعة على أكثر من صعيد للقيام بدورها في تحسين صورة النظام على المستوى الدولي.

أين الاتفاقات الاستثمارية؟

كان الهدف الرئيس للسيسي من المشاركة في هذه القمة هو جلب مزيد من الاستثمارات الألمانية لمصر، وقد أشارت إلى ذلك شبكة ” Zdf” الألمانية[6]،حيث قالت إنه “من خلال زيارته إلى ألمانيا، يريد الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” توطيد العلاقات السياسية وتحفيز ألمانيا  للاستثمار مع مصر”. وأكدت الشبكة  الألمانية على أن  “السيسي” يسعى بنشاط لاجتذاب المستثمرين الألمان إلى بلاده، ولتعزيز العلاقات السياسية مع كبار السياسيين في برلين. وقد التقى السيسي بالمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل وبرئيس البوندستاغ “فولفغانغ شويبل” والرئيس الاتحادي “فرانك فالتر شتاينماير” في برلين، كما التقى بعض رجال الأعمال ومديري الشركات الكبرى مثل “مرسيدس بينز”.

لكن السيسي نفسه اعترف بالفشل في إقناع كبرى الشركات والمستثمرين وذلك في تصريحات له خلال مؤتمر “أفريقيا 2019” الذي أقيم في العاصمة الإدارية يومي الجمعة والسبت (22 و23 نوفمبر2019م).[7] وهو ما يتفق مع الأرقام الرسمية التي كشفها البنك المركزي حول تراجع الاستثمارات الأجنبية بنسبة 23% في العام المالي الأخير 2018-2019 رغم التسهيلات الضخمة التي أقرتها حكومة السيسي للمستثمرين الأجانب.

أسباب ذلك أن مفهوم الحكومة الألمانية للاستقرار يعني مشاركة سياسية واسعة من جميع أطياف الشعب وحرية التعبير والشفافية والفرص المتساوية وسيادة القانون، وهي قيم تكاد تكون قد تلاشت في مصر في مرحلة ما بعد انقلاب 30 يونيو 2013م، ولعل هذا يفسر أسباب استبعاد مصر من شراكة الحكومة الألمانية التي أبرمت اتفاقيات مع 3  دول أفريقية هي تونس وغانا وساحل العاج، وتقترب من توقيع اتفاق مع المغرب والسنغال وإثيوبيا.

ولهذه الأسباب أيضا، غابت اتفاقيات الاستثمار وحضرت اتفاقيات القروض والمساعدات؛ ولهذا أشار تقرير الشبكة الألمانية أن وزارة الخارجية الاتحادية  دعت قبل افتتاح المؤتمر بيوم إلى تحسين وضع حقوق الإنسان في مصر. ودعا متحدث وزرارة الخارجية  بحرية التعبير في مصر، وإتاحة فرص العمل للمجتمع المدني. وهي الشروط المسبقة التي أشارت إليها ميركل لجذب مزيد من الاستثمارات الألمانية في أفريقيا.

وقال المتحدث باسم وزرارة الخارجية الألمانية:  “الاستقرار والنهج الناجح يجب أن يتم ربطه بمكافحة الإرهاب من خلال المشاركة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لجميع السكان المدنيين، وعلى هذه الخلفية،  نشكل علاقاتنا مع مصر.”وكان وزير الخارجية الاتحادي “هيكو ماس” قد دعا مصر بالفعل إلى احترام حقوق الإنسان خلال زيارة في أكتوبر الماضي.وجاءت دعوة “ماس” بعد رد فعل الحكومة المصرية على بعض الاحتجاجات  في سبتمبر الماضي، وبعد مطالبات عدة  لمنظمات حقوق الإنسان.

ملامح العلاقات المصرية الألمانية

شهدت العلاقات الألمانية مع نظام العسكر في مصر  فتورا في أعقاب انقلاب 3 يوليو 2013م، ثم بدأت هذه العلاقة في التواصل مع زيارة السيسي لبرلين منتصف 2015م. ثم تعددت زيارات السيسي لألمانيا حتى وصلت إلى 5 مرات[8]. ففي فبراير 2019، شارك السيسي في فعاليات مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية؛ حيث عرض السيسي رؤيته باعتباره رئيسا للاتحاد الأفريقي خلال سنة 2019م. وفي  أكتوبر 2018، زار السيسي ألمانيا والتقى بالمستشارة الألمانية ميركل، وبرئيس مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية، وتناول اللقاء تبادل وجهات النظر حول الأوضاع في الشرق الأوسط منذ عام 2011. وفي  يونيو 2017، شارك في قمة الشراكة مع أفريقيا. ومشاركته الأخيرة في اجتماعات مبادرة “الميثاق مع إفريقيا” هي الخامسة. بخلاف لقاءاته الهامشية مع ميركل في مؤتمرات دولية أخرى. وكذلك زيارات وزير خارجيته.

ورغم الانتقادات الحقوقية من جانب الحكومة الألمانية والإعلام والمنظمات الحقوقية إلا أن ألمانيا تأتي في المرتبة الثانية بعد الصين، كأكبر دولة مقرضة لنظام السيسي[9]، حيث بلغ حجم القروض الممنوحة لحكومة السيسي من الحكومة الألمانية نحو مليارين و810 مليون دولار في نهاية مارس/ آذار 2019م، بخلاف قروض بقيمة 4 مليارات و100 مليون دولار ممنوحة من البنوك الألمانية لمصر. وبلغ حجم الدين الخارجي لمصر نحو 106 مليارات و220 مليون دولار بنهاية مارس/آذار الماضي بنسبة 36,9% من الناتج المحلي الإجمالي. وبلغ حجم الدين العام الداخلي 4205 مليارات جنيه (نحو 261 مليار دولار) تمثل 79% من الناتج المحلي الإجمالي. بهذا يكون إجمالي الدين العام المصري قد بلغ نسبة 115,9% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية مارس/آذار الماضي.

ورغم الملف المتخم لنظام السيسي في انتهاكات حقوق الإنسان والتي وثقتها وأدانتها منظمات دولية وأممية مثل منظمة العفو الدولية والمجلس الدولي لحقوق الإنسان وهيومن  رايتس ووتش إلا أن العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وبرلين شهدت تزايدا مضطردا خصوصا في ظل الاستثمارات الضخمة لشركة “سيمنز” في مجال إنشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية.

وبحسب صحيفة “اليوم السابع” التابعة للنظام فإن حجم التعاون بين الجانبين يبلغ  1,7 مليار يورو ويجري العمل على زيادتها خلال الفترة المقبلة، كما يبلغ حجم التبادل التجاري 4,5 مليار يورو منها 1,2 مليار يورو صادرات مصرية، وتعمل 1183 شركة ألمانية فى مصر وبها 175 ألف موظف، وسجل عدد السياح الألمان إلى مصر خلال العام الحالي زيادة أكبر قدرها نحو 1,8 مليون سائح عن العام الماضى، وتسير شركة طيران (لوفتهانزا) الألمانية نحو 60 رحلة مكتملة العدد بشكل أسبوعي.[10]

الخلاصة، أن مشاركة السيسي في قمة “العشرين ـ أفريقيا” جاءت متواضعة في كل شيء خصوصا في نتائجها الهزيلة وقد حاولت ماكينة إعلام العسكر التغطية على الفشل بشن حملة بروباجندا ضخمة تستهدف التدليس والترويج لإيجابيات ومكاسب ليس لها وجود من الأساس سوى الاتفاق على قرض بقيمة 300 مليون يورو وهو ما يؤكد إفلاس النظام وعجزه وفشله واعتماده حتى اليوم على القروض والمنح والمساعدات.

ويتجاهل نظام العسكر الأسباب الحقيقية لتراجع الاستثمار الأجنبي[11]:

أولها، هو عدم توافر المناخ المناسب للمستثمر الأجنبي والمحلي على حد سواء، فهناك مبالغة مستمرة في قضية الإرهاب، بل والمتاجرة بها عبر إرسال رسائل سلبية ومستمرة للمستثمرين الأجانب مفادها أن مصر تحارب الإرهاب نيابة عن كل دول العالم، وأن الإرهاب ليس محصوراً في جزء صغير من سيناء، بل يقبع في كل بقعة من أرض الوطن، وأنه ما لم تضخ الشركات العالمية أموالاً واستثمارات في مصر فإن الإرهاب سيزحف نحو القارة الأوروبية.

ثانيا، أن المستثمر يحتاج إلى مناخ مناسب واستقرار أمني وسياسي حقيقي وليس مفتعلاً أو مفروضاً بفعل القبضة الحديدية، يحتاج إلى بلد ليست فيه حالة ضبابية سياسية وعدم يقين، بل تكون فيه المخاطر الجيوسياسية ضعيفة والتوقعات السياسية المستقبلية إيجابية ومحسوبة.

ثالثا، المستثمر يتجنب المخاطرة في بلد يرفع أسعار السلع والخدمات بمعدلات قياسية وخلال فترات قصيرة، وهو ما يسبب زيادة في كلفة الإنتاج ويحد من القدرة الشرائية للمواطن، ويترتب على هذه الزيادات اغلاق مئات المصانع وتشريد آلاف العمال وحدوث كساد في الأسواق.

رابعا، المستثمر يذهب إلى بلد ينخفض فيه منسوب الفساد والاحتكار والبيروقراطية وفيه أنظمة حوكمة سليمة، وفيه استقرار في التشريعات والقوانين، يذهب إلى بلد يشجع القطاع الخاص ويمنحه الحوافز والضمانات، لا أن تدخل الحكومة ومؤسسات الدولة في منافسة معه.

خامسا، المستثمر لا يذهب إلى بلد به انقسام مجتمعي حاد، وتجاهل لقدرات الشباب، ومصادرة للحريات العامة ومنها حرية الرأي والتعبير، فهو يبحث عن الأمان والضمان والعائد المناسب، وبالتالي يهمه استقرار المجتمع والاقتصاد الذي يعمل فيه وكذا الأسواق.

ويؤكد كثيرمن الخبراء أن مصر سوق كبير وواعد، وإذا ما توفر لها استقرار حقيقي، فستتحول إلى واحدة من أبرز الأسواق العالمية جذباً للاستثمارات الأجنبية المباشرة.

[1]              راغدة بهنام/ميركل تطالب أفريقيا بالمزيد من الشفافية لتشجيع الاستثمارات الألمانيةفي حين تضخ كل من روسيا والصين المليارات للبنى التحتية هناك/  الشرق الأوسطالأربعاء 20 نوفمبر 2019

[2]              منى حسن /السيسي : 4 تحديات تواجه أفريقيا وجذب الاستثمارات أهم أولوياتنا/ مصر العربية 19 نوفمبر 2019

[3]              سمير حسني/فيديو وصور.. زغاريد وهتافات تحيا مصر فى استقبال السيسى فور وصوله مقر إقامته بألمانيا.. الجالية المصرية ترفع الأعلام ترحيبا بزيارة الرئيس.. سفير مصر ببرلينعلاقات البلدين تاريخية.. وتعاون وثيق فى مكافحة الإرهاب/ اليوم السابع  الأحد 17 نوفمبر 2019

[4]                      نهال سليمان/ من أجل أفريقيا.. السيسي يشارك في 8 قمم دولية آخرها قمة العشرين/ الوطن  الثلاثاء 19 نوفمبر 2019

[5]              السيسي يشكل لجنة سرية لتحسين صورة النظام في الخارج/ العربي الجديد9 مارس 2018

[6]              احمد عبد الحميدشبكة ألمانيةزيارة السيسي لبرلين لاجتذاب الاستثمار الألماني إلى مصر/ مصر العربية 19 نوفمبر 2019

[7]              السيسيفشلنا في إقناع شركات عالمية بالاستثمار في مصر/ الجزيرة مباشر السبت 23 نوفمبر 2019

[8]              سمر سمير / بعد وصوله اليوم.. 5 زيارات أجراها السيسي إلى ألمانيا منذ تولي الرئاسة/ بوابة الشروقالأحد 17 نوفمبر 2019

[9]              قرض بقيمة 300 مليون يورو.. حصاد زيارة السيسي لألمانيا/ الجزيرة مباشر الأربعاء 20 نوفمبر 2019

[10]             شيماء بهجت الأرقام تؤكد قوة العلاقات المصرية الألمانية.. اتفاقية بـ 154مليون يورو خلال زيارة الرئيس السيسى لبرلين..1.7 مليار يورو حجم التعاون.. 4.5 مليار يورو التبادل التجارى.. 1183 شركة ألمانية بمصر.. 1.8 مليون سائح/ أ.ش.أ.. اليوم السابعالأحد، 17 نوفمبر 2019

[11]             مصطفى عبد السلام/ ليس بالإرهاب تُجذب الاستثمارات/ العربي الجديد الأحد 24 نوفمبر 2019

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...