في إطار سياسة ترامب التجارية التي لا يمكنها التنازل عن المصالح الأمريكية في أي لحظة ومع أي طرف أيًّا كانت عمالته أو تبعيته لأمريكا، كشف ترامب عن وجهه الحقيقي في تهديد سيسي مصر الذي يحاول أن يلعب على حبال السياسة الدولية بطريقة بهلوانية فاشلة، متناسيا أنه عميل لأمريكا وللغرب، جاء بموافقتهم ويعيش على دعمهم ومساعدتهم له.
حيث كشفت مصادر دبلوماسية، اليوم، عن تحذيرٍ وجهته الإدارة الأمريكية لمصر، بوقف وساطتها لدى إثيوبيا في أزمة سد النهضة، حال إتمام مصر صفقة شراء المقاتلات الروسية “سوخوي-35”.
وقالت مصادر دبلوماسية، إن وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” أكد لنظيره “سامح شكري”، أن تأدية واشنطن دورا في إنهاء أزمة سد النهضة مرهون بتراجع القاهرة عن صفقة “السوخوي”. ووقّعت كل من مصر وروسيا عقدا لتزويد القاهرة بمقاتلات “سوخوي-35″، تحصل بموجبها مصر على 20 مقاتلة من هذا الطراز، مقابل ملياري دولار.
وعلى ما يبدو فإنّ العلاقات المِصريّة الأمريكيّة مُقبلةٌ على مرحلةٍ جديدةٍ من التوتّر في الأشهُر المُقبلة، بعد قرار المُضي قُدمًا في صفقة شِراء طائرات روسيّة من طِراز “سوخوي 35” تصِل قيمتها إلى أكثر من مِلياريّ دولار.
“آر كلارك كوكر”، مُساعد وزير الخارجيّة الأمريكيّ للشّئون السياسيّة والعسكريّة، أكّد في لقاءٍ مع الصّحفيين أثناء حُضوره معرض دبي للطّيران، “أنّ بلاده قد تفرض عُقوبات على مِصر وتحرمها مِن مَبيعاتٍ عسكريّة في المُستقبل إذا مضَت قُدمًا في شِراء الطّائرات الروسيّة، وأنّ القاهرة على درايةٍ بهذه المُخاطرة”.
هذا التّهديد الأمريكيّ ينطَوي على الكثير من الابتِزاز والاستِفزاز في الوقتِ نفسه، وبحسب خبراء، فإنه من حق مِصر أن تشتري السّلاح الذي يُعزّز قُدراتها الدفاعيّة والهُجوميّة من أيّ دولة تقبل بيعها طائِرات وأسلحة مُتقدّمة تحفظ لها أمنها القومي، وتُمكّنها من مُواجهة الأخطار التي تُهدّدها وعلى رأسها تخفيض حصّتها من مِياه النّيل بسبب مَشروع سد النّهضة الإثيوبي، وهي الأخطار التي قد تَستهدِف تجويع ملايين المِصريين، وتقليص كميّات الكهرباء التي يُنتِجها السّد العالي.
وكانت مصر قد تقدمت إلى الولايات المتحدة بطلبٍ لشِراء طائرات “إف 35” (الشّبح) بعد حُصول دولة الاحتِلال الإسرائيلي على حواليّ 20 طائرة مِنها من أجل تحقيق التّوازن العسكريّ، ولكنّ وزارة الدّفاع الأمريكيّة (البنتاغون) رفَضت هذا الطّلب حِفاظًا على التفوّق العسكريّ الاستراتيجيّ الإسرائيليّ، الأمر الذي دفع مصر للذِّهاب إلى موسكو لشِراء الطّائرة الروسيّة البَديلة “سوخوي 35” التي تُعتَبر أكثر تَقدُّمًا، كما اشتَرت طائرات “رافال” الفِرنسيّة لتعزيز سِلاحها الجويّ.
مصر بين روسيا وأمريكا
وبعد زيارة سيرغي شويغو، وزير الدّفاع الروسي لمِصر الأسبوع الماضي، جرى الاتفاق على توقيع عدّة صفَقات عسكريّة، من بينها صفقة صواريخ كورنت المُضادّة للدّروع، ودبّابات “تي 90” ومَنظومة صواريخ “إس 300″، ومروحيّات نقل عسكريّة، عَلاوةً على طائِرات “ميغ 29″، وكذلك إقامة محطّة نوويّة لتوليد الطّاقة في مِنطقة الضبعة، واجراء مُناورات عسكريّة مُشتَركة، والسّماح للطّائرات الحربيّة الروسيّة باستِخدام مجال مِصر الجويّ وقواعِدها العسكريّة.
وتواجه مصر المزيد من المخاطر، في الفترة الأخيرة، بسبب سياسات السيسي، في مُواجهة إسرائيل التي ما زالت تُشكِّل تهديدًا مُباشرًا أو غير مُباشر لأمنِها القوميّ، فإسرائيل هي التي تقِف خلف مشروع سَد النّهضة الإثيوبي، وهي التي نَصَبَت صواريخ مُضادّة للطّائرات حوله لحِمايته، ووفّرت رؤوس الأموال اللّازمة لبِنائه.
بعد فشل صواريخ “الباتريوت” الأمريكيّة في التصدّي للصّواريخ الباليستيّة اليمنيّة المُصنّعة بمُساعدة التّكنولوجيا الإيرانيّة المُتقدّمة، أثناء الهجَمات الثّلاث على السعوديّة في أقل من عام (مُنشآت أرامكو غرب الرّياض، وفي حقل الشّيبة، أخيرًا في بقيق وخريس) باتَ لِزامًا على مِصر ودُوَل أُخرى البحث عن مصادر التّسليح الأحدَث، أُسوَةً بدُولٍ أُخرى مِثل تركيا التي اشتَرت منظومة صواريخ “إس 400” الروسيّة، وتتفاوض حاليًّا لشِراء طائِرات “سوخوي 25” التي تُعتَبر الأكثَر كفاءةً، حسب تقديرات الخُبراء الغربيين، وتتقدّم في تجهيزاتها العسكريّة والتكنولوجيّة على نَظيرتها الأمريكيّة “إف 35”.
وفي هذا السياق، يرى الباحث والكاتب عبد الباري عطوان، في “رأي اليوم”، أن مصر لا تستطيع الاعتماد على طائرات “إف 16” الأمريكيّة، في وَقتٍ تمتلك إسرائيل طائرات “إف 35” المُتطوّرة.
تجربة تركيا
ولعلّ تجربة تركيا، العُضو في حِلف “النّاتو” مع أمريكا، هي أكبر دليل في هذا الصّدد، فعندما أقدم الرئيس رجب طيّب أردوغان على اللّجوء إلى موسكو لشِراء صواريخ “إس 400” هدّده ترامب بتدمير الاقتِصاد التركيّ، وفرض عُقوبات على تركيا، وإلغائها من برنامج إنتاج طائرات “إف 35” المُتطوّرة.
وذكَرت تسريبات صحفيّة أمريكيّة أنّ الرئيس ترامب وضع الرئيس أردوغان أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن الأسبوع الماضي أمام عدّة خِيارات إذا كان يُريد الحِفاظ على صداقة أمريكا فيما يتعلّق بشِراء هذه المنظومة من الصّواريخ: إمّا تدميرها أو تفكيكها، أو إعادتها إلى روسيا، وأعطاه مُهلةً قصيرةً لاتّخاذ القرار ولا نعرِف كيف سيَكون الرّد، ولكنّ احتِمال الرّفض أكبر، فيما مضى أردوغان في إتمام الصفقة الروسية.. فهل يستطيع السيسي تحدي أمريكا؟!.