لا يزال شعار “رابعة العدوية” يتصدر المشهد في بلاد العالم الحر، رغم محاولات التضييق والملاحقة والحصار، إلا أنه يعود إلى الظهور كلما تجلّت مظاهر الحرية هنا أو هناك، حتى بات مرادفًا للثورة وشعارًا للإنسانية وأيقونة للتمرد على حكم الطواغيت والأنظمة الاستبدادية.
ولأنَّ الإجابة دائما تونس، قرر النائب التونسي زياد الهاشمي تأكيد أن مذبحة رابعة العدوية لا تسقط بالتقادم، وأن دماء أكثر من 6 آلاف مصري ستبقي لعنة على عصابة العسكر، وشاهدة على استيلاء دبابة الانقلاب على السلطة في مصر عبر أجساد الأحرار، وخالدة في الذاكرة تبحث عن الثأر، ولا يمكن أن تنمحي مهما دارت من دونها الأزمان.
تونس التي لا تزال تكافح من أجل التمسك بمكتسبات الربيع العربي، ولا تزال صامدة رغم المكائد، والمال الإماراتي القذر، احتفلت بفوز المرشح المستقل قيس سعيد برئاسة الجمهورية، بالهتاف الحار لانتصار المسار الديمقراطي، وصب اللعنات على قائد الانقلاب العسكري، باعتباره رمزًا للاستبداد في العصر الحديث، مرددة هتافات لا يزال صداها يتردد في الآفاق «لا إله إلا الله، والسيسي عدو الله».
الإجابة تونس
ومع تواصل الحراك الديمقراطي في مهد الربيع العربي، وتشارك مكونات العمل السياسي في تونس في التوافق على تشكيل حكومة تعبر عن ألوان الطيف في الأرض الخضراء، دون تمييز أو إقصاء أو عزل، قرر النائب التونسي زياد الهاشمي أنه يوجه الأنظار إلى مصر، ويوثق أن ما حدث في بلاده ليس ببعيد عن القاهرة.
وقام الهاشمي برفع شعار رابعة العدوية عبر شاشة قناة الوطنية التونسية الأولى الرسمية، من أجل التضامن مع شهداء مصر في فض قوات السيسي للاعتصام السلمي في الميدان المخضب بالدماء بعد الانقلاب العسكري، في 14 أغسطس 2013.
ثورية النائب التونسي أثارت غضب مقدمة برنامج “مع الناس”، رافضة أن يتضمن البث الذي تشرف عليه ما وصفته بالشعارات الأيدولوجية، مشددة على أنها المسئولة عما يعرض في برنامجها: “ليس هناك مجال لرفع هذه الشعارات هنا، وإن مناصرة القضايا لا تكون في مؤسسة عمومية”.
نائب “ائتلاف الكرامة” رفض وصاية إلهام الكتاني، ملقنا مقدمة البرنامج درسا قاسيا في الإنسانية التي يفقدها المتنطعون، قائلا: “أنا حر في بلد حر وأرفع الشعار الذي أريد وفي الإعلام الحر كل شخص يقول ما يريد”.
وأضاف الهاشمي بثبات صاحب المبدأ والمدافع عن قضية عادلة: “أنا في مؤسسة عمومية وما أرفعه يعنيني وحدي، ولا يعني أحدا غيري، إذا كانت عندك خلفية وعقدة أيديولوجية. فأنا لا، أنا أتعاطف مع أشخاص قُتلوا بالرصاص الحي في ساعات معدودة”.
تجريم الإنسانية
وفي الوقت الذي لا يزال العالم الحر يدافع عن الإنسانية، ويرى في شعار رابعة العدوية أيقونة لأنصار الحرية، كان المنبطحون تحت بيادة الانقلاب يرتعدون من التذكير بالجريمة، ويطالبون بتجريم الشعار، ومعاقبة كل من يلوح بأربعة أصابع ترمز إلى مذبحة السيسي.
ولم يترك إعلام الشئون المعنوية منصة دون أن يطالب بضرورة التحرك من أجل وأد الذكرى في أذهان أصحاب القضية، وبالفعل عمدت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري، برئاسة محمد قشطة، نائب رئيس مجلس الدولة، إلى النظر في دعوى انقلابية تطالب بإصدار قرار بقانون يُجرم رفع شارة رابعة، باعتبارها تهديدا لأمن العسكر، وتحت مزاعم أنها تشيع الفوضى على حد زعم مقيم الدعوى.
الدعوى رقم 8717 لسنة 68 قضائية، اختصمت كلًا من قائد الانقلاب، ورئيس حكومة العسكر، ووزيري العدل والداخلية، من أجل اتخاذ خطوات متسارعة في هذا الشأن، مع التحرك دبلوماسيًّا في ذات المسار، لإيقاف مد شعار الإنسانية، والذي لا يفارق حقائب الأحرار.
وصادق مجلس الدولة، بدوره، على مشروع قرار انقلابي، يقضي بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، بما يضمن إنزال عقوبة الحبس والغرامة على كل من يرفع شعار “رابعة”.
ونصّ التعديل الفاشي على أن “يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على ثلاثين ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين، كل من نشر أو صنع أو روّج أو صدّر أو استورد أو نقل داخل البلاد أو خارجها أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض، مطبوعات أو شارات أو رسومات أو ملصقات أو علامات أو رسوما يدوية أو فوتوغرافية أو إشارات رمزية أو غير ذلك من الأشياء التي «يرتعد منها السيسي» تعمل داخل البلاد أو خارجها”.
قصة شعار
وعلى مدار 6 سنوات، اكتسب شعار رابعة العدوية رمزية عالمية عرفت طريقها إلى أحرار العالم، فلا يترك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مناسبة تمر دون أن يذكر العالم بجريمة عسكر مصر، فاصطحبها معه إلى منصة الأمم المتحدة وعواصم أوروبا الداعمة للنظام الفاشي.
وظهر الشعار في مراسم تأبين الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا، والذي يعد أحد أيقونات الحرية حول العالم، بعد كفاحه الطويل في مواجهة التمييز العنصري، والتصدي للاستعمار، فكان من المسلّمات أن تكون أصابعُ الحرية الأربعة في خلفية المشهد الأخير في رحلة رئيس جنوب إفريقيا.
رؤساء وسفراء ومسئولون وأحرار حول العالم يرفعون بين الحين والآخر شعار رابعة العدوية، والمتظاهرون في عواصم الاستبداد العربية يرون فيه رمزًا للربيع العربي، وشاهدًا على جرائم الأنظمة المستبدة لوأد الحراك الشعبي، لهذا السبب يرعب الشعار دولة العسكر، ويؤكد أن جريمة السيسي لم تسقط بالتقادم، وأن السلطة لم تستقر تحت قدميه، وإنما ينتظر اليوم الذي يحاسب فيه على جرائمه ويسدد فاتورة 14 أغسطس كاملة غير منقوصة.