هكذا تُلطّخ دماء خاشقجي صورة “مملكة أرامكو”

إن ما يميّز اغتيال الكاتب السعودي الشهير جمال خاشقجي لا يكمن في الحدث ذاته، أعني تصفية معارض سياسي، فهذا من الأحداث المتواترة في تاريخ الكثير من الطغاة في المنطقة العربية وفي غيرها، غير أن فكرة استدراج صحفي وكاتب إلى مقر تابع إلى الدولة التي يحمل جنسيتها ليجد نفسه ضحية فخ محكم انتهى بتقطيع جسده وإحراقه، يشكل سابقة بكل المقاييس.

فمملكة الثراء والبترول والقتل في صورتها الجديدة مع ابن سلمان، حاولت مرارا تسويق الأمير المنشار باعتباره من سيُخرج المملكة من ظلمات التشدد إلى نور الحريات والحقوق، وهي شعارات سرعان ما كشف زيفها حدثُ الاغتيال الآثم.

فإذا كان الكاتب الذي يعيش خارج السعودية قد لاقى هذا المصير المروّع، فما هو وضع معتقلي الرأي من كتّاب ومفكرين وعلماء دين وناشطين حقوقيين داخل أقبية السجون التي يشرف عليها أتباع طاغية المملكة؟.

مملكة أرامكو

وقالت صحيفة “واشنطن بوست”، في افتتاحيتها، إن إعلان حكومة القتل في الرياض عن بدء المرحلة الأولى من اكتتاب شركة النفط السعودية “أرامكو” يجب أن يذكر المستثمرين الدوليين بمخاطر الاستثمار في “أرامكو”؛ لأنه “استثمار في ظل نظام وحشي.”

وتقول الافتتاحية، “يبدو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان واثقا من أنه تجاوز ردة الفعل السلبية التي أعقبت مقتل الصحفي جمال خاشقجي قبل 13 شهرا”.

وتشير الصحيفة إلى أنه “في الأسبوع الماضي شهد مؤتمر سنوي للاستثمار، ترعاه المملكة، عودة كبار مسئولي الحكومة ومديري رجال الأعمال الذين قاطعوه العام الماضي، بعد جريمة القتل التي قالت (سي آي إيه) إن من أمر بها هو ولي العهد، وفي يوم الأحد، أعلنت شركة النفط، (أرامكو) عن أنها ماضية نحو المرحلة الأولى في الاكتتاب العام، وهي مبادرة يروج لها محمد بن سلمان منذ عام 2016”.

وتقول الافتتاحية: “قبل أن يتدفق المستثمرون الغربيون عليهم التفكير بالكيفية التي تغيرت فيها السعودية خلال السنوات الخمس منذ وفاة حاكمها الملك عبد الله، وكما يكشف تقرير منظمة (هيومن رايتس ووتش)”.

حقيقة مرعبة

وبينما تلفت الصحيفة إلى أنه “حتى دون التقرير فإن الطرح الأولي لشركة (أرامكو) جاء بمحاذير، فقد تم منح الأسهم الأولى للسوق المالية الصغيرة، وهناك تقارير عن إجبار المستثمرين المحليين لشرائها، وتبنى محمد بن سلمان التقييم للشركة بتريليوني دولار، رغم ما يقوله المحللون الدوليون بأن قيمتها أقل من ذلك، فـ(أرامكو) فقدت نصف إنتاجها بعد الهجمات المدعومة من إيران على منشآت إنتاج النفط في سبتمبر، وهناك أسئلة حول قدرتها للدفاع عن نفسها من هجمات أخرى”.

وترى الافتتاحية أن “المخاطر السياسية أكثر خطورة، فكما أظهرت وثائق في تقرير منظمة (هيومن رايتس ووتش)، فإن مشروع التحديث، الذي روج له محمد بن سلمان، ترافق مع حملة قمع شرسة واضطهاد تعسفي لم تشهد المملكة مثله في تاريخها”.

وكشف برنامج “ما خفي أعظم” الذي بثته قناة الجزيرة عن حقيقة مرعبة، تتعلق بالفرن الذي تم إعداده لحرق جثة الكاتب جمال خاشقجي، رحمه الله، ولم يكن الحديث عن هذا السلوك الإجرامي مجرد تفصيل عابر في توصيف جريمة سياسية دامية، بقدر ما هو تعبير عن حالة من التعطش إلى الدم وتصفية الخصوم بشكل يعبر عن هوس إجرامي لدى أصحابه، يستوي في ذلك من أمر أو أشرف أو نفذ.

بقعة الدم

ورغم ما بذله محمد بن سلمان من جهد من أجل تبرئة نفسه من جريمة القتل، فلا أحد يصدّق الدعايات التي يروجها الإعلام التابع له؛ فقد ظلت صورة الحاكم الذي يحمل المنشار لقتل مناوئيه ترافق زياراته الخارجية وتلاحقه حيثما حل.

إن الحاكم هو الذي يصنع لنفسه الصورة التي يحملها الناس عنه، ومثلما اقترن العدل باسم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، والعظمة والنفوذ باسم الخليفة هارون الرشيد، وفي العصر الحديث اقترنت الهالة النضالية بشخصية نيلسون مانديلا الزعيم الإفريقي، فإن صورة الحاكم الدموي المتعطش إلى السلطة سترافق اسم محمد بن سلمان، وسواء وصل إلى خلافة والده أو رحل قبلها، فإنه من الأكيد أن الذاكرة التاريخية ستحتفظ له بأسوأ موضع بين صفحاتها الكثيرة، إلى جانب طغاة مماثلين له أمثال السفيه عبد الفتاح السيسي، كانوا يتلذذون بتعذيب مناوئيهم وتقطيعهم وحرقهم، وإخماد كل صوت حر قد يزعج ميولهم التسلطية.

يذكر التاريخ أن الحجاج بن يوسف كان واليًا دمويًّا يسارع إلى قتل الخصوم، وظل اسمه مقترنا بذكر ضحاياه، ولعل أشهرهم دون منازع التابعي سعيد بن جبير، ومثلما لاحقت لعنة ابن جبير الحجاج، فستظل لعنة خاشقجي تلاحق محمد بن سلمان مهما حاول تبييض نفسه، ولن يكون سهلا الفصل بين ذكر الجلاد والضحية؛ لأن التاريخ سيظل دوما يذكر القاتل كلما جاء ذكر اسم ضحيته، فبقعة الدم يصعب محوها.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...