فساد للركب.. “صندوق تحيا مصر” مليارات منهوبة بعيدًا عن الرقابة

الفيديوهات التي بثها الفنان المقاول محمد علي حول فساد زعيم الانقلاب وكيف بنى قصرًا لأحد أصدقائه في المخابرات الحربية تكلف ملياري جنيه، بخلاف أحد قصوره الذي تكلف 250 مليونًا، تثير قدرًا كبيرًا من السخرية عندما نستعيد مشهد السيسي وهو يقف أمام أحد الموظفين ليتبرع بنصف مرتبه البالغ 42 ألفًا، ونصف ثروته التي لم يتم تحديد حجمها بالضبط؛ فالسيسي كان حريصًا كل الحرص على الظهور في صورة الوطني الغيور الحريص على التضحية بشطر ماله من أجل الوطن والمشروعات القومية.

جرى ذلك في أعقاب إعلانه، في 24 يونيو 2014م، عن إنشاء ما يسمى بصندوق تحيا مصر؛ “من أجل جمع 100 مليار كده على جنب” للإنفاق على ما تسمى بالمشروعات القومية.

وفي أواخر 2016 قادت انتصار السيسي، زوجة زعيم الانقلاب، حملة تبرع للصندوق في مشهد أثار حفيظة مغردين، إزاء الأزياء والحلية باهظة الثمن التي ظهرت بها، في مقابل مطالبة الأسر الفقيرة بالتبرع بجنيهات معدودة لدعم الاقتصاد.

لك أن تُقارن ذلك وحملات “صبح على مصر بجنيه، ومبادرة التبرع بالفكة، رغم أن زوجة السيسي كانت ترتدي حليًّا بقيمة 14 مليون جنيه، وهي تطالب الفقراء بالتبرع بجنيهات قليلة يقتطعونها من طعامهم وشرابهم!.

وعلى مدار سنوات تالية، صدعتنا وسائل إعلام العسكر بهذه المشروعات القومية؛ لكن شهادة الفنان محمد علي كشفت الغطاء عن نفاق متأصل في زعيم الانقلاب، فما تبرع به باليمين أمام عيون الناس وشاشات الفضائيات التي حرصت على إظهار اللقطة، نهب أضعافه بيده الشمال، بعيدا عن عيون الناس وكاميرات الفضائيات.

وكان لا بد من إضفاء مسحة دينية على هذا النهب المنظم، فأصدرت دار الإفتاء “السيسية” فتوى تجيز وضع أموال الزكاة في الصندوق، وهي الفتوى التي أثارت استغرابًا كبيرًا؛ لأن الصندوق بناء على القانون الضابط له لا رقابة عليه مطلقا من أي جهة؛ فهل يقبل الشرع أن يتم وضع أموال الزكاة في أماكن لا رقابة عليها؟!.

بلا رقابة

لم يتم العمل بالصندوق رسميًّا إلا بعد عام من إطلاق المبادرة، وتحديدا في يوليو2015، حين نشرت الجريدة الرسمية- ليكون قانونًا ساري المفعول- أن الصندوق له شخصية اعتبارية ويتمتع بالاستقلال المالي والإداري. وبموجب القرار الانقلابي الذي أقره مجلس النواب ألغيت الرقابة المالية على الصندوق ضمنيًّا بعيدًا عن الموازنة العامة للدولة.

وفي يوليو 2014، نقل موقع “فيتو” المقرب من سلطات العسكر، عن مسئول مصرفي بالبنك المركزي قوله: إن “الصندوق فرض على حساباته نوعًا من السرية لعدم الكشف عن الحسابات التي ستُعرض دوريًّا على السيسي”.

ووفقًا للموقع الإلكتروني للصندوق، فإن إدارته تضم قادة عسكريين سابقين وحاليين إلى جانب وزيرة الاستثمار سحر نصر، وعضوية المفتي السابق علي جمعة، ورجلي الأعمال محمد الأمين ونجيب ساويرس. لكن تقارير صحفية تؤكد أن إدارة الصندوق تخضع فعليا لمكتب السيسي مشاركة مع الجيش، الذي أعلن سابقًا عن تبرعه بمليار جنيه (الدولار حوالي 18 جنيها) للصندوق.

أرقام متضاربة

خلال السنوات الخمس الماضية وهي عمر الصندوق، لم يصدر بيان رسمي واحد يكشف حجم التبرعات بدقة، بخلاف تصريحات متضاربة غابت عنها الإحصاءات الرسمية، وهو ما جعل مراقبين يطلقون عليه “أحد أسرار الأمن القومي بالبلاد”.

وخلال تلك الفترة تناولت تقارير محلية إجمالي الأرقام التي تراوحت منذ تدشينه بين 4 و10 مليارات جنيه، على الرغم من إعلان السيسي أن المستهدف من الصندوق جمع مئة مليار جنيه. وخلال احتفالية للصندوق أواخر 2018، قال السيسي خلال احتفالية للصندوق: إنه تلقى وعدًا من الأمين العام للصندوق، محمد أمين، بوضع مئتي مليار جنيه فيه، دون أن يوضح الكيفية التي سيتم بها ذلك.

هذه الأرقام المتضاربة لم تبين تحديدا حجم المصروفات على المشاريع التي أعلن الصندوق عن تبنيها أو إذا كانت حصيلته النهائية التي توجد به. ويشير الموقع الإلكتروني للصندوق إلى أنه قائم على خمسة برامج تقوم على تطوير العشوائيات والقرى ودعم الفقراء والرعاية الصحية والأزمات، إلى جانب دعم البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، وخلال الاحتفالية التي حضرها السيسي مؤخرا احتفالا بالصندوق، تم عرض فيلم تسجيلي يتناول أبرز أعمال الصندوق.

ابتزاز

منذ إنشاء الصندوق صيف 2014، تحدث مراقبون عن إجبار مشاهير ورجال أعمال على التبرع، لكن لم يصدر أي تصريح من هؤلاء يؤكد أو ينفي تلك الأخبار. وما يؤكد هذه الفرضية حديث السيسي نفسه أثناء تدشينه مشروع محور قناة السيسي، حين خاطب رجال الأعمال قائلا: “هتدفعوا يعني هتدفعوا، باقول أهو هتدفع يعني هتدفع، خلي بالك يعني إيه صندوق أنا أشرف عليه!”.

وفي ديسمبر 2018، أثار إعلان الداعية الشهير محمد جبريل عن تبرعه بثلاثة ملايين جنيه للصندوق جدلا وتساؤلات بشأن دوافعه، وهل جاء تحت ضغوط أمنية أم بمبادرة شخصية كونه جاء بعد نحو شهر من عودته إلى مصر وتوقيفه لساعات في المطار، حيث قضى سنوات عدة بالخارج إثر منعه من الإمامة والخطابة في المساجد المصرية بتهمة استخدام الدعاء في الأمور السياسية، وهي ما عرفت إعلاميا بقضية “الدعاء على الظالمين”.

كما أجبر زعيم الانقلاب نجم كرة القدم المصري محمد صلاح، وقالت وسائل الإعلام إن اللقاء جاء عقب تبرع صلاح بخمسة ملايين جنيه لصندوق “تحيا مصر”، لكن صلاح كشف في لقاء تلفزيوني أنه لم يكن يعلم سبب اللقاء.

وتبقى هناك حالة غموض كبيرة بشأن أموال الخليج التي تلقاها زعيم الانقلاب في أعقاب 3 يوليو 2013م مكافأة له على الانقلاب على المسار الديمقراطي والرئيس المنتخب، والتي  قدرت بحوالي 30 مليار دولار بحسب تسريبات للسيسي، ولم يُعرف بعد هل دخلت هذه  الأموال صندوق تحيا مصر أم لا،  لكن المؤكد أن هذه الأموال لم تدخل الموازنة العامة للدولة بناء على أرقام الموازنة ذاتها خلال سنوات ما بعد الانقلاب.

إقالة جنينة

وبحسب صحيفة “العربي الجديد”، فإنها حصلت على معلومات موثقة من الجهاز المركزي للمحاسبات، تؤكد تلقي الجهاز تعليمات صريحة من رئاسة الانقلاب، مؤيدة بفتوى أصدرها مجلس الدولة بعدم مباشرة أي دور رقابي على أموال وأنشطة صندوق “تحيا مصر”، سواء على المستوى المحاسبي أو القانوني، كاستثناء وحيد من بين كل الجهات التي تدير المال العام، والتي ينص الدستور المصري على خضوعها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.

وتكشف المستندات عن قصة صراع خفي بين أجهزة الدولة المسيطرة على الصندوق من جهة، وبين إدارة الجهاز المركزي للمحاسبات في عهد رئيسه السابق هشام جنينة، قبل أشهر قليلة من صدور قرار السيسي بالتحقيق معه ثم عزله من منصبه، بسبب رفض تلك الأجهزة خضوع الصندوق بأية صورة للرقابة، إلى حد لجوء السيسي إلى استخدام سلطته المؤقتة كمشرع في غياب البرلمان لإصدار القانون سالف الذكر رقم 84 لسنة 2015 لمنع الجهاز المركزي للمحاسبات من الرقابة على الصندوق.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...