بعد جفاف النيل.. ديون السيسي تُغرق مصر

سجَّلت الديون الخارجية لمصر قفزة جديدة بنهاية مارس الماضي، لتكشف بيانات رسمية صادرة عن البنك المركزي أنها زادت بنحو 20% على أساس سنوي، فيما أظهر مسح اقتصادي أنها قفزت بنسبة 130% منذ وصول عبد الفتاح السيسي للحكم قبل نحو 5 سنوات.

وذكر البنك المركزي المصري أن الدين الخارجي ارتفع إلى 106.2 مليارات دولار في نهاية الربع الأول من العام الجاري 2019، مقابل 88.16 مليار دولار في نفس الفترة من 2018.

ومن المرجح تجاوز الديون الخارجية لمصر 110 مليارات دولار، خلال أغسطس الجاري، بعد أن حصلت الحكومة على الشريحة الأخيرة من قرض صندوق النقد الدولي البالغ قيمتها نحو ملياري دولار في وقت سابق من هذا الشهر، فضلاً عن بيع سندات دولية (أدوات دين) بقيمة ملياري يورو (2.25 مليار دولار) في إبريل الماضي.

ويتنامى القلق من تجاوز الديون المستويات المتضخمة الحالية، ما يجعل أجيالا من المصريين رهينة مستويات متدنية من العيش، في ظل دوران البلاد في دوامة لا تنتهي من الاستدانة، وفق الكثير من المحللين الماليين.

20  بالمائة خلال عام

قفز الدين الخارجي على الحكومة المصرية إلى 53.8 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، مقابل 48.07 مليار دولار في نهاية 2018، وعلى البنوك المحلية إلى 10.09 مليار دولار مقابل 7.69 مليار دولار، وعلى القطاعات الأخرى إلى 13.7 مليار دولار مقابل 12.5 مليار دولار، وذلك وفقًا لبيانات البنك الدولي.

كما ارتفع خلال الـ12 شهرًا المنتهية في مارس 2019 بما يعادل 20.4% من إجماليه العام، حيث زاد نحو 18.1 مليار دولار عن مستوياته في مارس 2018 حينما سجل 88.2 مليار دولار، فيما ارتفعت بشكل طفيف الديون على البنك المركزي بالعملة الأجنبية إلى 28.5 مليار دولار مقابل 28.3 مليار دولار.

أما الديون طويلة ومتوسطة الأجل فقد تراجعت حصتها من إجمالي الديون إلى 88.3% بعدما سجلت نحو 93.8 مليار دولار، مقابل 89.2% في ديسمبر الماضي بقيمة 86.3 مليار دولار، في الوقت الذي ارتفع فيه الدين الخارجي قصير الأجل إلى 12.4 مليار دولار مقابل 10.34 مليار دولار في ديسمبر 2018.

فيما سجلت الديون الحكومية الخارجية 102.6 مليار دولار، والديون الخاصة المضمونة من جهات حكومية 229 مليون دولار، وذلك وفقا لتأكيدات المنظمة الدولية التي يرجح خبراء أن سقف توقعها لزيادة معدلات الدين خلال السنوات القادمة لن يقف عند هذا الحد.

بوابة الديون الجديدة

لكن ما يقلق القطاع المصرفي بشكل كبير، أن يتم إقحام البنوك بشكل مباشر في تمويل مشروعات كالعاصمة الإدارية، لا سيما المشروعات السكنية التي تنفذها الشركات الخاصة، ما ينذر بتعرّض البنوك لكارثة تعثر حقيقية، حال تعرض الدولة لمشاكل اقتصادية محتملة خلال الفترة المقبلة، وفق مسئول رفيع في إدارة الائتمان بأحد أكبر البنوك الحكومية.

وقال المسئول المصرفي، في تصريحات صحفية اليوم، “الكل يعلم أن خفض أسعار الفائدة مؤخرا وما يتبعه من خفض متوقع يستهدف تمويل الشركات العقارية وعملائها في العاصمة الإدارية بشكل خاص والقطاع العقاري بشكل عام، بينما يدرك كثيرون أن الركود الذي بدأ يضرب أركان القطاع يهدد الجميع حال عدم اتخاذ خطوات واعية، وليس مجرد الانصياع لما يأتي من أوامر فوقية”.

وتابع أن “البنوك بالفعل منغمسة في إقراض الحكومة بشكل غير مسبوق، وهناك تباطؤ اقتصادي يثير القلق، الكثير من القطاعات الاقتصادية تعاني ولديها مشاكل حقيقية، وبالتالي التحوط في التمويل في مثل هذه الظروف أمر حتمي، فهو بمثابة حياة أو موت للبنوك”.

وفي 28 يوليو الماضي، أعلنت مصادر مصرفية عن أن البنك المركزي يعكف على دراسة مبادرة للتمويل العقاري، تشمل توفير برامج تمويل للموظفين المقرر انتقالهم إلى العاصمة الإدارية بأسعار فائدة ميسرة.

وكان رئيس العاصمة الإدارية الجديدة قد قال إنه سيتم نقل الوزارات إلى العاصمة الإدارية في 30 يونيو 2019، مشيرا إلى أن وزارة التخطيط تقوم بوضع ضوابط عمليات نقل الموظفين، والإدارات، حيث إن عمليات النقل ستكون لبعض الإدارات وليس كلها، لكن تقرر تأجيل نقل الموظفين إلى العام المقبل 2020 في ظل عدم اكتمال الكثير من الأعمال.

وقال مسئول تنفيذي في إحدى أكبر شركات التطوير العقاري، التي حصلت على مئات الأفدنة لإقامة مشروع عقاري في العاصمة الإدارية، إن “حجم ما تم حجزه منذ أكثر من عامين لا يتجاوز 20 في المائة من إجمالي المشروع، هناك ضعف في الإقبال، ليس لدينا فحسب، وإنما عند مختلف الشركات التي لديها مشروعات هناك”.

وأضاف المسئول، الذي طلب عدم نشر اسمه، في تصريح لـ”العربي الجديد”: “الجميع يعلم أن أسعار الوحدات مرتفعة، لكننا لسنا السبب في ذلك، فقيمة الأرض التي حصلنا عليها من الحكومة مرتفع، وبالتالي، فإن القيمة النهائية للوحدة لن تكون في مقدرة الكثيرين، لذا تحدثنا صراحة مع الحكومة عن ضرورة تيسير شروط التمويل العقاري من جانب البنوك لتحريك المبيعات، وإلا فسيواجه الجميع مأزقا حقيقيا في العاصمة الجديدة”.

وفي مقابل مئات مليارات الجنيهات التي يجري إنفاقها في العاصمة الجديدة، تظهر بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في يوليو الماضي، زيادة الفقراء إلى ما يقرب من ثلث السكان، بينما يشكك خبراء اقتصاد في شفافية هذه البيانات، مؤكدين أن نسبة الفقر تطاول نحو ثلثي المصريين، في مؤشر على تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، وسط غلاء متفاقم وتآكل في قيمة الأجور ونقص في الخدمات.

ووفق بيانات جهاز الإحصاء، فإن معدل الفقر خلال العام المالي 2017/2018 ارتفع إلى 32.5 في المائة، مقابل 27.8 في المائة خلال العام المالي 2015/2016.

تبعات سياسة الاقتراض

وبحسب خبراء اقتصاد، تلتهم فوائد الديون والأقساط المستحقة أكثر من 80% من الإيرادات العامة للدولة خلال العام المالي الحاليّ، وهي النسبة الأعلى في تاريخ الموازنات المصرية.

كما أن ارتفاع عبء الديون يُقيد حرية صانع السياسة المالية أو الاقتصادية، كما يضيق المساحة المتاحة للخيارات من أجل التنمية، بل ويضع اعتبارات التنمية في المحل الأخير، ويحرمها من الموارد الضرورية. وهو ما يصرخ منه مسئولون مثل وزيري التربية والتعليم والصحة”.

ولم يدر بخلد أكثر المتشائمين لتبعات ثورة يناير، أن تفتح دولتهم التي خرجت على نظام مبارك الذي أغرقها في مستنقعات الديون، أذرعها كاملة لوحش الاقتراض مجددًا ينهش فيها كيفما شاء، لتعود ليس إلى ذات السياسات الاقتصادية التي ثبت فشلها فحسب، بل إلى ما هو أشد قبحًا.

الكثير من المراقبين وصفوا سياسات النظام الحالي بحقبة الخديوي إسماعيل (18 من يناير 1863 – 26 من يونيو 1879)، التي أوقعت المصريين في براثن الفقر والدين والمرابين وارتهان الدولة المصرية، وهي التي تركها محمد علي دولة ذات اقتصاد قوي للغاية.

يرى الباحث الاقتصادي برندان ميجان، في تقرير نشره مركز كارنيغي للأبحاث، مؤخرًا، تحت عنون “التحديات أمام الاقتصاد المصري”، أن واحدة من أخطر العقبات التي تواجه هذا الاقتصاد تتمثل في التراكم السريع للديون، لا سيما الديون بالعملات الأجنبية.

هذا التحذير تعزز بصورة أكبر مع ما كشفته بيانات وزارة المالية المصرية من أن فوائد الديون والأقساط المستحقة تلتهم أكثر من 80% من الإيرادات العامة للدولة خلال العام المالي الحاليّ، وهي النسبة الأعلى في تاريخ الموازنات المصرية، بعد أن تسببت عمليات الاقتراض الواسعة خلال السنوات الأربعة الماضية في الوصول بالدين العام إلى ما يقرب من 3 أضعاف ما قبل تلك السنوات.

وزير المالية، محمد معيط، في تصريح صادم له قبل فترة، أشار إلى أن فوائد وأقساط الديون تناهز نحو 800 مليار جنيه (45.2 مليار دولار) في موازنة  العام المالي 2018-2019، بواقع 541 مليار جنيه فوائد، و246 مليار جنيه أقساط مستحقة السداد، لافتا حينها أنه إذا استمر الدين الخارجي بنفس متوسط معدل الزيادة السنوية الأخيرة، فإنه في خلال ثلاث سنوات أو أقل سيتجاوز الدين الخارجي 100 مليار دولار، وهو ما تحقق بالفعل، ليس بعد ثلاث سنوات لكن بعد أقل من عام واحد فقط.

وقد انعكست تلك السياسات المتبعة على الأحوال المعيشية للمواطن العادي، فبينما كانت تؤمل الحكومة نفسها بتراجع معدلات الفقر بين المصريين في ظل ما يثار بشأن زيادة معدلات النمو الاقتصادي، جاءت الإحصائيات الصادرة عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء صادمة.

الإحصائيات كشفت عن وصول عدد الفقراء بيوليو من العام الحالى نحو 32 مليون و175 ألف فقير، من خلال نسبة الفقر البالغة 32.5 % من مجموع سكان 99 مليون نسمه، أى أن عدد الفقراء وحسب النسب الرسمية المعلنة زاد بنحو 9 ملايين و918 ألف فقير خلال 6 سنوات، وفق ما ذهب إليه المحلل الاقتصادي ممدوح الولي.

الولي كشف عن أن عدد الفقراء بمصر قبل تولى النظام الحالى بالثالث من يوليو 2013، كان 22 مليونا و257 ألف فقير، والذين مثلوا نسبة الفقر البالغة 26.3% من إجمالى سكان 84.6 مليون شخص بنهاية يونيو 2013، موضحًا أنه في حال الارتهان إلى مستويات خط الفقر الحقيقية وفق مفهوم البنك الدولي فإن عدد الفقراء في مصر سيزيد عن العدد الرسمي بصورة كبيرة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...