المصريون يتساءلون: إن لم تدافع الجيوش عن أوطانها فماذا تصنع؟

دخل الحكم العسكري إلى البلاد العربية بعد خروج الاحتلال الأوروبي تدريجيًا؛ حيث كان من المستحيل بقاء الاحتلال الأوروبي العسكري لأنه يجرح كبرياء الشعوب، فتستمر في مقاومته لتكبّد الدول الأوروبية خسائر كبيرة، ولحل هذه المعادلة أوجدت أوروبا في بلاد العرب حكمًا عسكريًّا أو ملكيًّا يدين لها بالولاء والطاعة، ووظيفته مراقبة ومعاقبة وتشغيل الشعوب لصالح رفاهية الجنس الأوروبي.

وبات معلومًا بعد صدام الثورات المضادة مع الربيع العربي، أن وظيفة الجيوش فى كل دول العالم الدفاع عن البلد ضد أي عدوان، أما وظيفة الجيوش العربية فهي الاستيلاء على الحكم ونهب ثروات وخيرات الأوطان، وكم من أمور مضحكة مبكية أن أغلب الشعوب التي قيل إنها تحررت من الاستعمار في ستينيات القرن الماضي، لم تفعل سوى استبدال احتلال باحتلال، وفي بعض الأحيان استبدلت السيئ بالأسوأ.

واتضح الآن للجميع أن الجيوش العربية لا تهتم بالحروب، سواء الدفاعية أو حتى الهجومية، وأن مهمتها الوحيدة هي حماية الحاكم من شعبه، وأن مليارات الدولارات التي يدفعها الشعب لشراء الطائرات والدبابات والمدافع الثقيلة، وغيرها من الأسلحة الخفيفة، تستخدم لإراقة دماء المدنيين العزل، فصارت على هذا النحو مجرد جيوش للمرتزقة، يقودها جنرالات باعوا ضمائرهم وخانوا الشرف العسكري.

من جهته يقول ‏‏المستشار وليد شرابي، نائب رئيس المجلس الثوري المصري والمتحدث باسم حركة “قضاة من أجل مصر” وعضو جبهة الضمير: “بالأمس قصفت إسرائيل مواقع في سوريا وقبلها مواقع أخرى في العراق ولبنان.. وقبلها أعلنت عدة مرات عن تنفيذ غارات داخل مصر وتحديدا في سيناء، فلم نجد أي جيش عربي قام بالرد على ذلك العدوان؛ فالجيوش لم تعد تجرؤ حتى على المقاومة، ولكن تبقى فلسطين درة التاج وعنوان الكرامة والشرف والمقاومة”.

احتلال غير مباشر

مع انتهاء الحرب العالمية الثانية خرجت القوى الأوروبية منهكة ضعيفة، فتحوّلت وجهتها إلى لملمة جراحها، وترميم قواها المتصدّعة، وقد حاولت الاستعاضة عن الاحتلال المباشر باحتلال غير مباشر، وذلك من خلال إيصال نخب عسكرية عميلة لها إلى سدّة الحكم في ظلّ ما سُمّي آنذاك بمرحلة “الاستقلال”.

وظنّت الشعوب العربية أنها خرجت فعلا من الاحتلال الأوروبي، ولم تكن تدرك أنّ هذه النخب العسكرية التي صعدت إلى سدّة الحكم هي نخب “عميلة”، لا تملك قرارها المستقلّ خارج ما يحدّده لها المحتلّ الغربي؛ بل لم تكن تدرك آنذاك أنّ هذه النخب العسكرية الحاكمة ستكون أكثر قمعًا ودمويةً من الاحتلال الغربي المباشر.

تقول الناشطة زهرة محمود: “إسرائيل تعربد فى المنطقة بأكملها.. تضرب سوريا والعراق ولبنان ولم يجرؤ جيش عربي واحد أن يطلق صاروخًا عليها.. بينما تتلقى عشرات الصواريخ من حماس المحاصرة إذا تجرأت على ضرب أى هدف فى غزة المحاصرة.. إن لم تُصنع الجيوش للدفاع عن أوطانها فلماذا تصنع وينفق عليها مليارات الدولارات؟”.

ولم يسجل التاريخ العربي الحديث حكما عسكريا قام وظل مشرفا وشبه مجمع عليه بما يوازي الحكم المنتخب، حتى إن الجيش المصري بعد ثورة 25 يناير 2011، ظل موضع شك وتخوف شعبي بعد تولي المجلس العسكري زمام الحكم، بحيث نام مصريون تحت عجلات دباباته لمنع تحركها بداية الثورة, ثم حدث الأسوأ بعد انقلاب عسكري في 30 يونيو 2013.

ولمن يرفض مفهوم الاحتلال الداخلي ويعتبره من باب البلاغة والمبالغة، نذكّره بأن الاحتلال بمفهومه الواسع هو التمكن من الفضاء الحيوي لشخص أو شعب والتحكم فيه بالقوة، لاستغلال موارده المادية والمعنوية للصالح الخاص دون أدنى اعتبار للصالح الآخر، اللهم إلا ما يكفل إبقاءه على قيد الحياة ويحول دون لجوئه للتمرّد؛ ضمانًا لمواصلة استغلاله.

وسواء احتلّك أجنبي أو ابن عمّك فالحالة متشابهة في الخصائص الأربع التي تُعَرف كل احتلال: استنزاف الخيرات لصالح أقلية، وتغليف الأمر بقناع سياسي للتمويه لإيهام الناس بأنهم يعيشون في ظل نظام يضمن التحضّر أو التقدم، والقبضة الأمنية للإبقاء على الوضع، واحتقار الحكام للمحكومين بامتهان حقوقهم وترويعهم بالرعب المستديم والمراهنة الدائمة على الجبن والخنوع فيهم.

عمق الكراهية

وفي مصر تحديدا يأتي انقلاب جنرال إسرائيل السفيه السيسي، امتدادًا أسوأ لحكم عبد الناصر والسادات ومبارك، وجميعهم أساءوا للمؤسسة العسكرية حين سلموا البلاد ومقدراتها وحتى انتصاراتها لأعدائها التاريخيين، وعلى رأسهم كيان العدو الصهيوني، الذي اعتبر انقلاب 30 يونيو 2013 أكبر معجزة إلهية لشعب إسرائيل.

وتولت جيوش المنطقة الشعوب العربية بالقهر الذي عمق الكراهية العالم العربي لحكم العسكر، وبدا كأن اللواء محمد نجيب هو الاستثناء وليس القاعدة, وهو للأسف ما يقال عن كل سياسي وطني وكل صاحب يد نظيفة في عالمنا العربي، كلهم باتوا استثناءات، بحيث نسيت الشعوب القاعدة!.

وتتهاوى الأسئلة في ظل ما يحدث اليوم في كل من مصر وسوريا وليبيا واليمن والجزائر، إن ما وقع في سوريا على سبيل المثال باستخدام الأسلحة الكيماوية وقتل الأطفال والنساء والشيوخ يطرح السؤال التالي: من هو المسئول: الجيش الطامع في السلطة والثروة والنفوذ أم المحتل الأجنبي الذي يملي عليه ما يفعل؟.

ومن هنا فإن من الضروري مواجهة هذا النهج الوحشي من سلطات العسكر علي امتداد العالم العربي، فالجيوش تجيش وتحارب أعداء البلاد في الخارج ضد أي عدوان محتمل، ومن مهامها بل واجباتها حماية الشعب واحترام الدستور والقانون.

ولا ننسى أن خيار اصطفاف الجيوش العربية وراء عصابة عسكرية ضد الشعب ليس خطرا على الشعب فحسب، وإنما هو أيضا خطر على وحدة الجيش، الذي يبدأ تفككه حالما يبدأ استعماله للقمع، فهذا الأخير مكوّن في مستوى قاعدة الهرم من الضحايا وأبناء الضحايا، ومن ثم وجود أجهزة المخابرات العسكرية، التي تتجسس على الجيش نفسه لاستئصال كل بذور التمرّد.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...