سيناء.. “الرصاصات الطائشة” تقتل الأبرياء وتفضح عمليات التهجير الإجباري

تشهد شبه جزيرة سيناء منذ فترات طويلة حالة من الاختناق للأهالى، خاصة بعد تثبيت أقدام الانقلاب بالحكم القابع طوال 6 سنوات، ما ترتب عليه تنفيذ ما يشبه عملية عسكرية فاشلة “العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨”، والتي لا تثمن ولا تغنى من مكافحة الإرهاب، بعدما كشفت عورات عبد الفتاح السيسي، الأمر الذى دفع لاستخدام بديل كان عبارة عن “رصاصات طائشة”.

كان نشطاء سيناويون دعوا لتنظيم إضراب عام في شمال سيناء بعد مقتل الشابة رغد محمد جمعة (24 عاما) قبل أيام، بعد إصابتها برصاصتين طائشتين من الجيش المصرى، أثناء سيرها مع والدتها بالقرب من إحدى الكمائن.

رصاص طائش

وقالت مصادر طبية في مستشفى العريش العام لـ”العربي الجديد”، إنّ المستشفى استقبل خلال الأيام العشرة الماضية حالة وفاة وثلاثة مصابين نتيجة رصاص عشوائي أطلقته قوات الأمن باتجاههم. وكانت حالة الإصابة الأولى للطفل موسى سليمان عودة السواركة (10 أعوام)، من سكان مدينة الشيخ زويد، الذي أصيب بجروح خطيرة جراء طلق ناري في 10 أغسطس الجاري، وتمّ نقله على إثر ذلك لمستشفى قصر العيني.

وفي 15 أغسطس، أصيب الشاب عبد الرحمن إبراهيم، من سكان مدينة العريش، بطلق ناري في الوجه، ما أدى لنقله للعلاج خارج سيناء لصعوبة حالته ودخوله العناية المركزة. أمّا في 17 أغسطس، فقد وصلت جثة الشابة رغد محمد جمعة (24 عاما)، بواسطة إسعاف إلى المستشفى، بعد تعرّضها لطلق ناري ناحية القلب في منطقة حي العبور بالعريش، فيما لم تفلح محاولات طاقم الإسعاف بإنعاشها في طريق الوصول للمستشفى لصعوبة حالتها.

وبعد يومين، في 19 أغسطس، أي أوّل من أمس الإثنين، أصيب الشاب أحمد محمد أبو حلو برصاصة في اليد من قبل قوة كمين في مدينة الشيخ زويد، وجرى نقله على أثرها لمستشفى العريش العام.

وأضافت المصادر ذاتها أنّ عدد ضحايا الرصاص العشوائي يزداد بشكل كبير في الآونة الأخيرة، فيما لا يجري الاهتمام بالتقارير الطبية للضحايا من قبل الأجهزة المعنية في الدولة، ويتم الاكتفاء باعتبارهم من ضمن خسائر الحرب على الإرهاب، على الرغم من أنّ التقارير الطبية توضح أنه جرى إطلاق النار عليهم بشكل مباشر، وغالباً ما يكون ذلك من مسافة قريبة، ما يشير إلى تعمّد إطلاق النار من قبل القوات الأمنية المنتشرة في مدن المحافظة. إلا أنّ هذه التقارير التفصيلية لا تُسلَّم إلى أهالي الضحايا، ولا يمكن الإفراج عن الجثث من المشرحة إلا بالتوقيع على أن القتل جرى برصاص عشوائي مجهول المصدر، من دون توجيه أي تهمة لقوات الأمن، بالإضافة إلى التشديد على المصابين بعدم التطرق لتفاصيل الإصابة، لضمان استلام المستحقات المالية التي تصرف لضحايا الإرهاب في سيناء من قبل الجهات الحكومية ذات الاختصاص.

تصفية 11 شخصا

يأتي هذا فى الوقت الذى أعلنت فيه داخلية العسكر، أنها قامت بتصفية 11 شخصا في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء، بدعوى أنهم إرهابيون اتخذوا وكرا بإحدى مناطق العريش لتنفيذ عمليات عدائية ضد الجيش والشرطة والمدنيين!.

وتحت عنوان “أوقفوا الرصاص العشوائي”، دشن الناشطون هاشتاجا، دعوا فيه لتنظيم الإضراب العام، مؤكدين أن ما يقوم به الجيش يمثل استعداء لأهالي شمال سيناء، ويزيد من العداوة بينهما.

وعبّر سكان المحافظة عن غضبهم من استمرار الإهمال الأمني بإطلاق الرصاص العشوائي باتجاه المواطنين، داعين إلى محاسبة المسؤولين عن قتل وإصابة المواطنين بلا وجه حق منذ ست سنوات وحتى يومنا هذا، بالإضافة إلى تعويض ضحايا الرصاص العشوائي الذي تطلقه قوات الأمن باتجاه المناطق السكانية. كما دعوا إلى تسهيل إجراءات العلاج للمصابين، وجنازات قتلى الرصاص العشوائي، خصوصاً بعد الحالات الأخيرة التي لاقت إهمالاً متعمداً من خلال عدم توفير العلاج اللازم للمصابين في مستشفيات ذات قدرات عالية تابعة للقوات المسلحة، بدلاً من تركهم في المستشفيات العادية في سيناء وخارجها، بالإضافة إلى ما جرى من إعاقة لجنازة الشابة رغد في المدافن، حيث اعترضتها قوات الأمن، محاولةً إطلاق النار في الهواء لترويع المشاركين فيها.

إضراب عام

بدوره، دعا الناشط في محافظة شمال سيناء، فيصل أبو هاشم، عبر مقطع مصوّر نشره عبر حسابه بموقع “فيسبوك”، إلى ضرورة الوصول لمرحلة الإضراب العام في سيناء، في حال عدم توقف القتل العشوائي للمدنيين برصاص الأمن.

وأشار أبو هاشم، الذي يعمل موظفا في العلاقات العامة، إلى أنّ القتل العشوائي بالرصاص الطائش ليس مجرد ظاهرة، وإنما سياسة ممنهجة، قائلا: “أبناء سيناء يقتلون برصاص الجيش والشرطة، وليس رصاص الإرهابيين”. وطالب الناشط بالتحقيق في حوادث القتل كافة، ومحاسبة المسؤولين عن ذلك، ومعرفة مصدر الرصاصة الطائشة ومن هو الضابط أو العسكري الذي أطلقها، معتبرا أنّ “ما يدفع للاستهتار بالدماء هو عدم محاسبة أي عسكري أو ضابط أو أمين شرطة”.

كما طالب أبو هاشم في المقطع المصور، نواب سيناء في مجلس الشعب المصري بتقديم طلب لاستجواب وزير الدفاع محمد زكي في البرلمان، ومساءلة عبد الفتاح السيسي عن سبب قتل أهالي سيناء. كما طالبهم بالاعتصام والإضراب عن الطعام بمجلس النواب أو إعلان الاستقالة.

ورأى أبو هاشم أنّ أهالي سيناء “سيضطرون للجوء إلى إضراب شامل والتظاهر بالشوارع، لأن ما يحدث هو استعداء لهم، وخلق أعداء من دون مبرر”، لافتاً إلى أنّ “القتل سيدفع الأهالي لكراهية الدولة المصرية، ما سيتسبب في إطالة أمد الحرب على الإرهاب”، مع إشارته إلى عدم قلقه من اعتبار الرسالة التي وجهها عبر صفحته دعوة للتجمهر والاعتصام لكل أبناء سيناء خلال الفترة المقبلة.

حماية الكمائن

فى المقابل، أكد سياسيون ومختصون بالأمن القومي، أن توسع قوات الجيش في استخدام سياسة الرصاصات الطائشة بشمال سيناء لحماية الكمائن ونقاط الارتكاز الأمنية، يعكس فشل خطط الجيش في مواجهة أنصار تنظيم ولاية سيناء، بعد العمليات النوعية التي جرت ضد قوات الجيش والشرطة في الأشهر الماضية.

وحسب الخبراء، فإن دعوات الإضراب التي دعا إليها نشطاء بسيناء، ردا على استهداف الجيش للمدنيين بشكل عشوائي، سوف تكشف للعالم حقيقة ما يحدث هناك في ظل التعتيم الإعلامي، والحصار الأمني الذي تعيش فيه سيناء منذ بدأت العملية العسكرية “سيناء2018” قبل أكثر من 18 شهرا.

وتساءل الناشط السيناوي أبو الفاتح الأخرسي، عبر حسابه بـ”فيسبوك”، عن الذنب الذي اقترفته الشابة “رغد” حتى تلقى حتفها، وهي تسير مع والدتها، وليس معها سلاح، مضيفا: “حدِّثوني أكثر عن بطولات جيشكم في سيناء.. هذا هو الطفل موسى سليمان عودة، عمره 10 سنوات، اتكتب عليه يقضي عمره مشلول، بعد أن اخترقت رصاصة صدره وخرجت من العمود الفقري بعد ما أصابته بالتفتت”.

وأوضح الأخرسي أن “موسى كان بيلعب عند بيته في الشيخ زويد (..)، من فضلك تخيل إنه ابنك (..)، قبل ما تطلع تتكلم وتردد شعارات فاضية عن وطنية زائفة، وبعد كده أنا راضي برأيك”، بحسب تعبيره.

فشل “العملية 2018”

وتعقيبا على إطلاق الرصاص الطائش، قال رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشورى السابق رضا فهمي، إن الوضع في سيناء يزداد خطورة، وهناك فشل واضح لسياسات النظام العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي، ما جعل كل أهالي العريش ورفح والشيخ زويد والقرى التابعة لهم، يقعون في نطاق استهداف قوات الجيش والشرطة.

ويوضح فهمي أن العملية العسكرية التي بدأها الجيش بسيناء في نوفمبر 2018، لا يعرف أحد ما الذي انتهت إليه، إلا أنها قامت بعزل سيناء، ووسعت الفجوة بين أهلها وبين الدولة المصرية، وبدلا من أن يعلن النظام العسكري عن نتائج مواجهته لما يعتبرهم إرهابيين تابعين لولاية سيناء، تعامل مع كل الشعب السيناوي على أنهم أعداء للنظام، وأعداء لاستقراره، وأحد المعوقات التي تقف أمام تطبيق خطته الرامية لتفريغ سيناء لصالح إسرائيل.

ويضيف فهمي قائلا: “يجب أن يعرف العالم حقيقة ما يحدث في سيناء، وأن يعرف أن النظام العسكري، فشل في محاربة الإرهاب، ويقوم بدلا منه بمحاربة أبناء سيناء العزل والمعزولين عن العالم الخارجي، كما يجب على المجتمع الدولي أن يضع ما جاء في تقرير هيومن رايتس ووتش، عن المأساة التي تعيشها سيناء محل مناقشة ومحاسبة للنظام المصري الدموي”.

التهجير الإجبارى

ويرى الباحث عبد المعز الشرقاوي أن “الهدف من سياسة الرصاصات الطائشة ليس حماية الأكمنة الأمنية، أو توسيع نطاق استهداف عناصر تنظيم الدولة، وإنما الهدف الأساسي هو دفع أبناء سيناء للفرار بأنفسهم وترك أراضيهم وقراهم، بعد أن أصبحوا جميعا في مرمى نيران قوات الجيش والشرطة، وهو ما يأتي ضمن خطة شاملة ينفذها نظام الانقلاب لإخلاء سيناء من أهلها”.

ويضيف الشرقاوي أنه “لم يتم تقديم اعتذار من قوات الجيش عن أية حادثة جرت خلال الأيام الماضية، ولم يتم تقديم أي فرد أمن وليس حتى ضابطا، للمحاكمة بتهمة قتل المدنيين العزل، ولكن الواقع يشير إلى أن الأوامر ما زالت مستمرة، ومحددة بأن يتم توجيه الرصاص للأطفال والنساء والشابات”.

وحسب الشرقاوي، فإن العديد من التقارير الحقوقية أكدت مقتل ما لا يقل 6 آلاف مواطن سيناوي، منذ العملية العسكرية “سيناء 2018″، بالإضافة لاعتقال الآلاف من الشباب والنساء، وتلفيق القضايا العسكرية لهم، والتوسع في إصدار أحكام الإعدام ضدهم وتعرض المئات منهم للتصفيات الجسدية، وهو ما يشير إلى أن هدف النظام، لم يكن حماية سيناء من الإرهاب، وإنما الانتقام من أبنائها لمواقفهم المعروفة برفض الانقلاب العسكري.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...