شهادات “مجزرة النهضة المنسية”.. قتل وحرق بعد إغلاق المجرمين للممرات “الآمنة”

استخدم العسكر أسلوب الحرق للضحايا في فض الاعتصامات، ففي جوار جامعة القاهرة كصرح علمي، أطلقت مليشيات السيسي على المعتصمين في ميدان نهضة مصر، وصولا للجامعة مرورا بهندسة القاهرة، القنابل الحارقة على المعتصمين السلميين وأشعلت الخيام عليهم وهم داخلها، ما تسبب في استشهاد مئات المعتصمين في مشهد دامٍ لم تره مصر على مدى تاريخها.

وقال مراقبون، إنه منذ اللحظة الأولى لفضّ الاعتصام، كان واضحا أن أوامر صادرة من قيادات عليا في السلطة بالتعامل بأعلى درجات القتل وبث الرعب مع كل المتواجدين في محيط الميدان، حتى مع النساء والصحفيين.

بل ووظفت إدارات الجامعة، وخاصة هندسة القاهرة، لمنع المعتصمين من الاحتماء من الرصاص الحي وقنابل الغاز وقناصة الانقلابيين من الشرطة والجيش، فأصدرت إدارة “هندسة القاهرة” بيانا في 15 أغسطس، قالت إن “معتصمي النهضة اقتحموا الكلية أثناء الفض ولم يتمكن الأمن من منعهم”، وأضافت أنه أثناء فض اعتصام النهضة لجأ بعض المعتصمين إلى اقتحام مبانى كلية الهندسة فى هذا اليوم بأعداد كبيرة تصل إلى المئات، ولم يتمكن أمن الكلية من منعهم.

مجزرة الهندسة

وكما هي عمارة المنايفة في رابعة، أطال العسكر أمد التجرد من الإنسانية بحصار هندسة القاهرة والتي ضمت المئات تحت الحصار، ومن بين ثنايا الشهادات حول المجزرة، ومحاصرة هندسة القاهرة، كانت شهادة ندى جمال المخرجة السينمائية، حيث قالت: “حاصرتنا قوات الجيش والداخلية بإطلاق الرصاص الحي من كل الاتجاهات.. ولأن المنصة موقعها قريب من الباب الثاني لـ”هندسة” قام آلاف المتظاهرين بالاحتماء بها من وابل الرصاص والقناصة والبلطجية وتوجهنا لأحد المباني بالكلية بالدور الأول”.

وتابعت: “توالت ملاحقات الداخلية بمحاصرة كلية الهندسة بقنابل الغاز الكثيف وإلقائها على المتظاهرين بالاستعانة بالطائرات، لم يتحمل الأطفال والنساء رائحة الغاز الخانق والمحرم استخدامه دوليًا، الأمر الذي دفعنا لمغادرة المبني خوفًا من الموت مخنوقين برائحة الغاز السام، وحينما توجهنا للمبنى الآخر كان بحيرة من الدماء، عدد رهيب من الجرحي والشهداء، طرقات المبنى مليئة بالدماء والأشلاء، آلاف المصابين يستنجدون بمن يسعفهم، عدد قليل من الأطباء يعملون على إسعافهم وسط وابل من القنابل والرصاص وبكاء الأهالي والأصدقاء”.

وأضافت: “في الظهيرة بدأ الهجوم يتزايد باستهداف الشبابيك لكشف المتظاهرين بالداخل ومنع الأطباء من إسعاف المصابين.. ثم جاءت أنباء أن مدير أمن الجيزة وعد المعتصمين بالخروج الآمن، ولكن بمجرد خروج بعض الشباب كان يتم سحلهم من البلطجية واعتقالهم على الفور، فقررنا أن نظل داخل كلية هندسة حتى لا يتم الغدر بنا كما حدث مع الآخرين”، وأوضحت أنه مع الرابعة عصرا، خرج مجموعة من الشباب لمعرفة الأوضاع بالخارج ولكن نالتهم طلقات قناصة في الصدر والرأس وحاولنا إسعافهم ولكن ارتقى منهم الكثير شهداء”.

وأشارت إلى أنه “مع غروب الشمس تحولت المستشفى لمشرحة ليلية، يفترش المصابون والشهداء طرقات مباني كلية الهندسة، وبعد مرور ساعة من الصمود أمام مدرعات الجيش وجثامين الشباب العاري أمام رصاصها بدأت تدخل الدبابات لمحيط الحرم الجامعي.”

وواصلت ندى شهادتها “في تمام السادسة مساء، قام الشباب بمحاولة إنقاذ المصابين بحملهم والخروج بهم خوفًا من إحراقهم بالبنزين مثلما فعلوا بعدد من الشباب بمحيط ميدان النهضة”.

شهادة صحفي

ومن ميدان النهضة حطمت مليشيات الأمن معدات المصور الصحفي مصطفى الشيمي واعتدت عليه فأصيب بكدمات في الوجه والصدر، ووصف ما حدث في الميدان كجزء مما رآه، فقال: “في الساعات الأولى لصباح ذلك اليوم نزلت ومعي ثلاثة من زملائي المصورين لتغطية أعمال الفض، كنا في البداية بين صفوف قوات الأمن، بدءوا في إطلاق قنابل الغاز مباشرة بعد رسائل تحذيرية وجهها الأمن للمعتصمين أن يسلموا أنفسهم ويخلوا الميدان فورا، مقاومة لا تذكر من المعتصمين ثم اقتحمت قوات الأمن الميدان، بعد ذلك بدأت الفوضى، جنود الأمن المركزي اقتلعوا الخيام من الأرض من دون تمييز بين الخيام الخاوية والتي يحتمي بها أحد المعتصمين، و”الأوناش” الجرافات ساوت كل شيء بالأرض في بضع ساعات”.

وأضاف أن ما حدث في ميدان النهضة يرجع إلى أن كل الأنظار كانت موجهة نحو ما يحدث في ميدان رابعة العدوية، ولكن لم يلتفت أحد إلى ميدان النهضة، فمهما كانت درجة بشاعة ما وقع بميدان رابعة العدوية فلن تساوي مشهد الجثث المحترقة للمعتصمين في الخيام.

لا ممرات آمنة

ومن المؤكد أنه في فض ميدان النهضة؛ لم يكن هناك أي ممر آمن للخروج من ميدان النهضة؛ فمليشيات عبد الفتاح السيسي ومحمد إبراهيم ومدحت المنشاوي وأسامة الصغير دخلت من منافذ الميدان الثلاثة؛ من منطقة “بين السرايات” ومن المنطقة أمام تمثال النهضة، وتمركزت تلك المليشيات أعلى الكوبري المطل على ميدان الجيزة ومسجد الاستقامة (موقف الهرم وفيصل)، وكان الضرب مستمرًا من منطقة التمثال ومن أعلى الكوبري.

وجد مئات المعتصمين أنفسهم محاصرين عند النهضة، فدخلوا كلية الهندسة، مع علمهم أنهم محاصرون لا محالة، وكان الخيار الثاني القتل كما فعلت المليشيات مع من حاول الخروج أو التسليم للبلطجية المسلحين بالمولوتوف والسيوف والسنج.

وكان من رحمة الله أن سمح اتحاد طلبة الكلية وعميدها بالبقاء بالكلية، ورفضوا تسليم المعتصمين بالكلية منذ صباح 14 أغسطس 2013، مرورًا بالحصار في 9 صباحًا وهدوء شهوة القتل التي سكنت أفئدة سفاحي النهضة، بعدما ارتوت أرض الميدان ومنافذه بدماء نحو 500 شهيد ومصاب.

وزعمت داخلية الانقلاب ضبط 41 سلاحا ناريا مختلف العيار وآلاف الطلقات بعد فض اعتصام النهضة، بقياس هذا الرقم على عدد القتلى من صفوف المعتصمين، وبافتراض أن الشرطة قتلت كل من يحمل السلاح، بحسب تأكيداتها المتكررة، فإن الشرطة قتلت على الأقل 47 شخصا لم يُحاسَب قاتلوهم.

هزلية الانقلاب

وفي مايو الماضي، قضت محكمة جنايات الجيزة، المنعقدة بمجمع محاكم طرة، بالسجن المؤبد لمعتقل واحد والمشدد 15 سنة لـ52 آخرين والسجن 3 سنوات لمعتقل واحد وسنة واحدة لمعتقلين اثنين في إعادة محاكمتهم في القضية الهزلية المعروفة إعلاميًّا بـ”أحداث مذبحة فض اعتصام النهضة”.

كما قررت المحكمة براءة 10 مواطنين من الذين تعاد محاكمتهم، وإلزام المحكوم عليهم بدفع 2 مليون و95 ألف جنيه لحديقة الأورمان، و10 ملايين جنيه لمحافظة الجيزة، و25 مليونا و788 ألف جنيه لكلية الهندسة بجامعة القاهرة.

ولفّقت نيابة الانقلاب للمعتقلين اتهامات، تزعم تدبير تجمهر هدفه تكدير الأمن والسلم العام، وتعريض حياة المواطنين للخطر، ومقاومة رجال الشرطة المكلفين بفض تجمهرهم، والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وقطع الطرق.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...