تطور تكتيكي للثورة المضادة.. توظيف “المدنية” و”الديمقراطية” لتجميل حكم العسكر

تُفاجئنا الثورة المضادة العربية بـ”ابتكارات” و”إبداعات” هي في الحقيقة ألعاب وحيل وخروقات لشعوب العالم العربي، وتستخدم الغرفة الأعلى للثورة المضادة في الإمارات والسعودية ومصر، وداعموها من الصهاينة والأمريكان أسلوبا جديدا يبدو أنه يؤتي أكله في خداع الجماهير بعناوين براقة تخفي السم في الدسم أو العسل، وظهرت تلك الحيل بوضوح في موريتانيا والسودان وتونس.

المشهد التونسي

ويبدو أن تونس التي غاب عنها قايد السبسي بوفاته، وهو الموالي لمعسكر المضادة، كان يحافظ على مصالحها بدهاء وزير داخلية سابق في ظل ديكتاتوريات تونس، وإن جاء بشكل “ديمقراطي” فأخليت الساحة له، حتى لا تقنص الثورة المضادة رؤوس أينعتها ثورة تونس ورحيل بن علي.

حيث رشح حزب نداء تونس، تشكيلة العلمانيين الذين قادهم السبسي بوجه إسلاميو تونس، وزير الدفاع، وحتى تسير الأمور في شكل “ديمقراطي” يخلع ملابسه العسكرية، فيصبح مدنيا!

حيث أعلن وزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي، الأربعاء، استقالته من منصبه بعد تقديمه لأوراق ترشحه في سباق الانتخابات الرئاسية مدعوما من حزب “نداء تونس”.

ونقلت إذاعة “موزاييك” المحلية أن وزير الدفاع الوطني أعلن استقالته من منصبه كوزير للدفاع، إثر إيداع ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية.

وبحسب موزاييك فإن الزبيدي “تعهد بمواصلة مهامه في تسيير أعمال الوزارة إلى حين تعيين وزير جديد”.

وأوضح الزبيدي، وهو أحد أبرز المنافسين البارزين على المنصب، أنه يستقيل لـ”ضمان الشفافية الكاملة”!

وسبق أن رشح حزب نداء تونس رسميًّا، صباح الأربعاء، الزبيدي للانتخابات الرئاسية التي ستجري منتصف سبتمبر المقبل.

وقالت الحركة في بيان لها إنه تم “بناء على مخرجات اجتماع المكتب السياسي الموسع بتاريخ 1 أغسطس الجاري، التي فوض بموجبها لقيادة الحزب اتخاذ القرار النهائي في خصوص ترشيح عبد الكريم الزبيدي، وبعد الدرس قرّر الحزب مساندة ترشحه”.

غزواني موريتانيا

لم يصدق الموريتانيون عزم المنقلب العسكري الجنرال محمد ولد عبد العزيز، ألا يترشح للانتخابات الرئاسية وهو من انقلب عسكري قبل 11 عاما، في 6 أغسطس 2008، على الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله، في موريتانيا الغنية بمواردها ومواقعها الفقيرة بعسكرها الفاسدين.

ورغم اتساع الهوة لدرجة كبيرة بين تشبيه المراقبين بين النظام الروسي الحاكم، والنظام في موريتانيا، من حيث الشكل في تبادلية المراكز بين بوتين ورئيس الحكومة مدفيديف، يعين بوتين الرئيس السابق في منصب رئيس الوزراء واذا انتهت ولايته يأخذ كل منهما مكان الآخر.

فمحمد الغزواني الرئيس الحالي في موريتانيا، جنرال سابق في الجيش الموريتاني وشغل منصب وزير الدفاع، وتظاهر الموريتانيون لوقوع خروقات خلال العملية الانتخابية، وغياب المراقبين الدوليين، كما كانت الانتخابات من تنظيم شركة مقربة من الحزب الحاكم، الذي كان يرأسه الجنرال “ولد عبدالعزيز” رفيق سلاح الغزواني وزميله في انقلاب 2008.

كما أكد مراقبون إن الرئيس المنتهية ولايته، عبد العزيز، قد لا يخرج من أروقة السلطة وإنه قد يحافظ في واقع الأمر على تأثير قوي على الرئيس الجديد المنتخب. ومن هذه الزاوية تمكن قراءة دعم عبد العزيز لترشيح محمد ولد الغزواني.

ومعروف أن عبد العزيز اجتهد لتموضع موريتانيا كحليف للغرب ضدّ المقاتلين الإسلاميين في الصحراء الغربية، أكد الخميس الفائت أنه لا ينوي الانسحاب كليا من العالم السياسي، وأنه قد يترشح مجدداً للرئاسة بعد خمس سنوات.

ويؤكد المراقبون أنه في ضوء المعلن فإن الغزواني امتداد لعزيز، وأنه لن يكون كما يرى محمد المختار الشنقيطي من أن غزواني جسرا للعبور من الديمقراطية العسكرية ذات الأفق المحدود والسقف الواطئ إلى الديمقراطية المدنية ذات الأفق المفتوح والسقف المرفوع!!

رئيس عسكري

وإلى الآن يسير حراك الشارع الجزائري ونخبه السياسية في اتجاه، ويتجه العسكر في اتجاه آخر، ويبدو من خلال هذين الاتجاهيين المتوازيين أنهما لن يتلقيا في نقاط، وقبل عزل الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقه، كان تصريح رئيس الأركان الجزائري قايد صالح في 18 مارس الماضي: “الجيش مسؤول عن إيجاد حلول للأزمة السياسية في أقرب وقت”، فمن ارغم الرئيس السابق على الترشح لعهدة خامسة هو من يستطيع أن يرغمه على الاستقالة.

وخلال الفترة الماضية، انتهج عسكر الجزائر أسلوبا لا يختلف كثيرا عما استخدمه المشير طنطاوي خلال عامين ونيف بعد إسقاط مبارك في 11 فبراير 2011، ولكن العسكر الجزائريين اتخذوا خطوة أكثر خداعا، فادعوا تطبيق الدستور المدني للبلاد وعينوا عبدالقادر صالح رئيس مجلس منتخب رئيس للدولة، وتعيين وزير الداخلية بدوي رئيسا للحكومة، وهما بالأساس من أعمدة النظام الفاسد الموالي لهم ولا يختلف كثيرا في تطويعه عن بوتفليقة في خاتمة حياته.

ويتعلل العسكر ببطئ تسليم السلطة بمصطلحات يرددها نخبة السياسيين مثل “الحراك في الجزائر ينتظر الحوار”، “الرئيس الحالي رئيس مدني دستوري”، كما يتلاعبون بمحاكمات يدعي الإعلام أنها لمسؤولين فاسدين أو ضباط سابقين على شرحه، وعزل قيادات مناوئة.

الحرية والتغيير

ويخشى المراقبون للأوضاع في السودان أن تؤول للأوضاع في مصر، ولكن عن طريق غير متوقع إلى الآن وهو “قوى الحرية والتغيير”، والتي لديها نفس النزعات الاستحواذية للعسكر والانتقامية، بتهميش فصائل الإسلاميين واستبعادهم، بل أن يكونوا أداة في يد الإمارات، بعدما حملوا أو صمتوا على تحميل “الإخوان” المسؤولية عن مجزرة الأبيض.

ومع أمنيات بخطأ التصور، يشير المراقبون إلى أن قوى الحرية والتغيير نجحت في إقصاء جميع الأحزاب وادعت انها تمثل الشعب كله، طمعاً في السلطة فتسبب ذلك في إخماد الثورة التي شارك فيها الإسلاميون.

الإعلامي المغربي ادريس الأمراني قال: أعتقد أنه حتى المبتدئ في عالم السياسة لا يقدم على الطريقة التفاوضية التي تنهجها قوى الحرية والتغيير في السودان في تفاوضها مع المجلس العسكري الذي يمضي بخطى واضحة نحو سيسي آخر في السودان تحت وصاية الإمارات.

بل كان واضحا أيضا إعلان دولة الامارات أن لها دورا بارزا في التوصل لاتفاق سياسي بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي في السودان، ثنى على هذا الإعلان تصريح وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش بأن الاتفاق قضى على دولة الإخوان في السودان. في حين يشير مراقبون إلى أن القاصي والداني يعلم أن الإخوان لم تكن لهم دولة في السودان وأن انقلاب 89 كان بشراكة بين المنشقين عن الإخوان المفكر حسن الترابي والرئيس السابق عمر البشير!

وأوضح سودانيون أن أفرادا من قوى الحرية والتغيير زارت الإمارات سرا وإلى الآن لم يعلقوا ببنت شفه على الزيارة.

وفي مايو الماضي، كشف سودانيون أن وفدا من قوى الحرية والتغيير زار السفارة السعودية ولم يعلنوا عن ما أفضت إليه الزيارة إلى الآن، وإن كان واضحا حضور الجانب السعودية بشدة في مسارات “الاتفاق” بينهم وبين المجلس العسكري، دون اعتراض على التدخل في الشأن السوداني، فضلا عن الحضور الأمريكي.

ومن المؤكد أن غرفة الثورة المضادة، استخباراتية بامتياز تضم عدد من علماء الاجتماع، وآخر لعلماء سيكولوجية الجماهير، وخبراء غربيين من عينة توني بلير وزير الخارجية البريطاني الأسبق وبرناردينو ليون المبعوث الأممي السابق في مصر وليبيا، ورجال من الغرب عموما وأميركا بشكل خاص، منهم السفيرة الأمريكية السابقة في مصر آن باترسون، التي قالت إن “سياسة الولايات المتحدة تجاه مصر ثابتة  لعقود، وكان كل شيء فيها يتعلق بالحفاظ على السلام مع إسرائيل”!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...