جنون العظمة.. تقرير عالمي يفضح مشروعات العسكر “العقيمة” واستفحال الأزمة الاقتصادية

نشر مركز “كارنيجي” تقريرا سلط فيه الضوء على مشروعات العسكر التي يجري العمل على تنفيذها خلال الأعوام الأخيرة، واصفا إياها بأنها تعكس غرور قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي وبحثه عن أي إنجاز، رغم أن تلك المشروعات لا فائدة اقتصادية منها.

وقال التقرير: إن مشاريع البنى التحتية التي يجري تنفيذها ذات فوائد اقتصادية مشكوك فيها، وإنها تأتي على الرغم من تفاقم أزمة الديون، إلا أنها لا تزال تشكل أولوية من أولويات حكومة الانقلاب، وهو ما يثتير التساؤل حول أسباب الاهتمام بها.

وتابع التقرير أن ذلك الاهتمام دفع حكومة الانقلاب إلى خطة إعادة هيكلة الديون، بالاعتماد على القروض وإصدار السندات وأذون الخزانة، والتي تباع بفوائد كبيرة؛ ما زاد من الضغط على الميزانية.

ولفت التقرير إلى أن العسكر يُروَّج لهذه المشاريع بأنها أساسية لإنعاش الاقتصاد المصري، لكنها في الواقع تؤدّي وظيفتَين مهمتَين، فهي توفّر للجيش فرصًا إضافية لزيادة تدخّله في جوانب مختلفة من الاقتصاد المصري، وكان السيسي قد أنكر ذلك في مايو، مشيرًا إلى أن دور الجيش في هذه المشاريع هو محض “إشرافي”، بيد أن التقارير تحدّثت مؤخرًا عن نمو الشركات المملوكة من القوات المسلحة في عهد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي من خلال مشاركتها في مشاريع ضخمة للبنية التحتية.

احتكار الأسمنت

وأوضح التقرير أن المثال الأبرز في هذا الصدد هو شركة العريش للأسمنت التي شيّدت مؤخرًا مصنع الإسمنت الأكبر في مصر بقيمة مليار دولار أمريكي، وبلغت قدرة المصنع الإنتاجية 79 مليون طن من الإسمنت في عام 2018، وهذه الكمية أعلى بكثير من قدرة السوق على الاستيعاب والتي تُقدَّر بـ52 مليون طن، غير أن الجيش أشار سابقاً إلى أن أعمال البناء والمشاريع الجديدة سوف تؤدّي إلى زيادة حجم السوق.

ودفع توسُّع الامتداد الاقتصادي للقوات المسلحة بصندوق النقد الدولي إلى التحذير في سبتمبر 2017 من أن تدخّل الكيانات التابعة لوزارة الدفاع قد يتسبب بتعطيل استحداث الوظائف وتطوير القطاع الخاص، وكان السيسي نفسه أشاد في نوفمبر 2014 بقدرة القوات المسلحة على تنفيذ مشاريع البنى التحتية الضخمة بوتيرة أسرع بثلاث إلى أربع مرات من القطاع الخاص، في إشارة إلى نيّته التعويل على الجيش لتنفيذ هذه المشاريع التي تُفضي إلى زيادة النفوذ الاقتصادي للقوات المسلحة، وتنهي على القطاع الخاص.

خداع المؤيدين

الوظيفة الثانية لتلك المشروعات – وفق التقرير – هي أنها تُستخدَم أداة لفرض السلطة وترسيخ الدعم في صفوف مؤيدر النظام، والمثال الأبرز في هذا المجال هو توسعة قناة السويس التي صُوِّرت بأنها ضرورية للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية.

وفي عام 2014، زعم رئيس هيئة قناة السويس، مهاب مميش، أنه يُتوقَّع أن تصل الإيرادات إلى مئة مليار دولار في السنة، ولكن الأرقام تُظهر أن الحجم الإجمالي للاقتصاد المصري بلغ 249 مليار دولار في أواخر عام 2018، في حين أن مجموع العائدات التي أمّنتها قناة السويس في السنة نفسها لم يتجاوز 5.7 مليارات دولار.

وجرى تمويل توسعة قناة السويس بصورة أساسية من خلال إصدار سندات محلية في سبتمبر 2014، بمعدّل فائدة بلغ 12 في المئة، وترافق ذلك مع حملة ترويجية وصفت المشاركة في التمويل بأنها واجب وطني، إلا أنه لم يُحقّق المشروع المنافع المتوقَّعة، وشهدت إيرادات القناة تراجعاً في السنوات الأولى.

وفي عام 2014، أي قبل التوسعة، بلغت الإيرادات 5.5 مليارات دولار. وفي عام 2015، تراجعت إلى 5.1 مليارات دولار، ثم إلى 5 مليارات دولار عام 2016، لتشهد ارتفاعًا من جديد عام 2018 مع بلوغها 5.5 مليارات دولار، وعلى الرغم من ذلك لم يتمكّن المشروع من توليد إيرادات كافية لتسديد الأقساط؛ ما أرغم وزارة المالية على تسديد مبلغ الـ600 مليون دولار؛ لأن هيئة قناة السويس لم تكن تملك الاحتياطي الضروري.

ومع ذلك، صرّح السيسي في مقابلة تلفزيونية في يونيو 2016 أن الهدف من التوسعة التي بلغت كلفتها 8 مليارات دولار كان رفع معنويات الشعب المصري لا تحقيق منافع اقتصادية ملموسة، وسلّط حفل تدشين المشروع الضوء على هذه الجهود، مع تأدية مروحيات عسكرية ومقاتلات “إف 16” عروضًا عبر التحليق على علو منخفض، وحضور السيسي في زيّه العسكري الكامل، ومشاركة بعض رؤساء الدول، وكان الهدف من هذا الاستعراض إظهار قوة النظام وعظمته.

فنكوش الجسر

ومن المشاريع العقيمة المشابهة جسر روض الفرج المعلّق الذي افتتحه الرئيس السيسي في 15 مايو الماضي، وقد تولّت تشييده الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بالاشتراك مع شركة “المقاولون العرب” المحلية للإنشاءات.

وعملت حملة إعلامية على الترويج للجسر الذي وصفته بأنه الجسر المعلّق الأكبر في العالم، وصوّرته بالإنجاز الذي تحوّل إلى “حديث العالم بأسره”، ومن الأمثلة الأخرى بناء المسجد والكنيسة الأكبر في البلاد، والعاصمة الإدارية الجديدة التي دشّنها السيسي في يناير 2018، وصُوِّر تدشين الكنيسة بأنه حيوي للأقباط في مصر، وعلاوةً على ذلك، أُطلِق على المسجد اسم الفتاح العليم في إشارة واضحة إلى اسم قائد الانقلاب.

وتشمل هذه المشاريع أيضًا بناء البرج الأطول في أفريقيا والمتحف الأكبر في العالم المخصّص لحضارة واحدة، ومن المتوقع أن تبلغ كلفة المتحف الذي أِطلِق عليه اسم “المتحف المصري الكبير” مليار دولار، ويُرتقَب أن يكون الافتتاح عام 2020.

ضغوط اقتصادية

وأكد التقرير أنه من المحتمل أن تكون لبعض هذه المشاريع منافع ما، لكن مصر تواجه عددًا من الضغوط الملحّة في مجال البنى التحتية، بما في ذلك ترميم السكك الحديد التي تنقل يوميًَا 1.4 مليون راكب في المعدل والتي باتت قديمة ومتهالكة.

يُشار في هذا السياق إلى أنه جرى مؤخرًا تخصيص 300 مليون جنيه مصري (18 مليون دولار) للسكك الحديد، في حين أن الحاجة هي إلى استثمار سنوي قدره نحو عشرة مليارات جنيه (602 مليون دولار). وفي عام 2017 وحده، شهدت السكك الحديد 1657 حادثًا، أي بزيادة بلغت نسبتها 33 في المئة في الأعوام الأخيرة.

ومن التحديات التي تطرحها هذه المشاريع الضخمة هي أنها تُنفَّذ على حساب مشاريع من شأنها إحداث تحسينات اقتصادية ملموسة تسهم في رفع المستوى المعيشي للمصريين العاديين الذين يرزحون تحت وطأة مشقات اقتصادية متزايدة. فقد ارتفعت معدلات الفقر من 27.8 في المئة عام 2017 إلى 30.2 في المئة عام 2018، ما يتسبب استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...