الحج سلوك وعبادة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد 
أولاً: سلوك المسلم الحاج مع ربه عز وجل ومنه:


1 طلب العون من الله عز وجل على إتمام هذا النسك: فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: «يَا مُعَاذُ! وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ».


2 الإخلاص لله عز وجل في أداء المناسك: قال تعالى: {وَأَتِمُّوا الْـحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ٦٩١] . قال السعدي: بإخلاصهما لله، تعالى» 
3 استشعار التوحيد الخالص عند التلبية: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ؛ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ. 
4 ويدعو الله أن يجنبه الرياء والسمعة، كما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ حَجَّةً لَا رِيَاءَ فِيهَا وَلَا سُمْعَةَ.


5 والتوجه إليه بالذكر والثناء قبل الشروع في الدعاء؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».


6 وصلاته ركعتي الطواف بسورتي الإخلاص والكافرون، كما ورد عَنْ جَابِرٍ رضي الله تعالى عنه قال: (فَقَرَأَ فِيهِمَا بِالتَّوْحِيدِ وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ).


ثانياً: سلوك الحاج مع الرسول صلى الله عليه وسلم (الاتِّباع):
عن جَابِر رضي الله عنه قال: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْــرِ وَيَقُـولُ: لِتَـأْخُذُوا مَنَـاسِكَكُمْ فَإِنِّـي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ»[8]. وَتَقْدِيره: هَذِهِ الْأُمُور الَّتِي أَتَيْت بِهَا فِي حَجَّتِي: مِنْ الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال وَالْهَيْئَات، هِيَ أُمُور الْحَجِّ وَصِفَته؛ وَهِيَ مَنَاسِككُمْ فَخُذُوهَا عَنِّي وَاقْبَلُوهَا وَاحْفَظُوهَا وَاعْمَلُوا بِهَا وَعَلِّمُوهَا النَّاس. وَهَذَا الْحَدِيث أَصْل عَظِيم فِي مَنَاسِك الْحَج. ومن المواقف العظيمـة التي ظهر فيها الاتباع: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ لِلرُّكْنِ: (أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ).


ثالثاً: سلوك الحاج مع الشعائر (التعظيم): 
قال تعالى : {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:. 
ومن تعظيمه لشعائرالله: تعظيمه للحرم وعدم اقترافه لعمل سيئ، كما قال عز وجل: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإلْـحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: ٥٢]. ومن تعظيمه لشعائر الله: اغتساله للإحرام، وتطيُّبه بعد الغسل بأطيب طيب وجده، ولهجه بالتلبية من وقت دخوله النسك إلى حين رميه جمرة العقبة يوم النحر.


ومن تعظيمه للشعائر: عدم هتكه لحرمة شيء منها؛ فلا يفعل إلا ما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.


ومن تعظيمه للشعائر: اختياره أفضل البُدْن وأحسنها وأسمنها: قال أبو أمامة بن سهل: كنا نسمِّن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يُسمِّنون؛ فالبُدن من شعائر الله، كما قال عز وجل: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج: ٦٣].


ومن تعظيمه لشعائر الله: السعي بين الصفا والمروة: حيث بدأ بما بدأ به الله. قال تعالى: {إنَّ الصَّفَا وَالْـمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ٨٥١].


ومن تعظيمه لشعائر الله: احتفاؤه بالحجر الأسود: فعَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: (رَأَيْتُ عُمَرَ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَالْتَزَمَهُ وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَ حَفِيّاً). ومن تعظيمه للشعائر: صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم، كما قال عز وجل: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ٥٢١].

رابعاً: سلوك الحاج مع نفسه بتعريضها لنفحات الله عز وجل:
عَنْ مُحَمَّدِ بن مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٌ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، لَعَلَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا، فَلا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَداً»، «ومقصود الحديث أن لله تعالى فيوضاً ومواهب من تعرَّض لها مع الطهارة الظاهرة والباطنة بجمع همةٍ وحضور قلبٍ حصل له منها دفعة واحدة ما يزيد على هذه النعم الدائرة في الأزمنة الطويلة على طول الأعمار.


خامساً: سلوك الحاج مع الناس: 
ويكون سلوك الحاج مع الناس بالإحسان؛ لأن الإحسان إليهم هو بِر الحج، كما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ».


والبر في الحج يُطلق على معاني، منها: الإحسان إلى الناس، والبر حُسن الخُلق، ومنها: فعل الطاعات، ومنها: ألا يُعقِب الحج بمعصية الله. ومن جملة حُسْن الخلق في أيام الحج وغيرها:
التواضع مع الناس: فمن صفاته صلى الله عليه وسلم إباؤه أن يخص نفسه بشيء يتميز به عن الناس: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِمِحْجَنٍ كَانَ مَعَهُ. قَالَ: وَأَتَى السِّقَايَةَ. فَقَالَ: اسْقُونِي. فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا يَخُوضُهُ النَّاسُ وَلَكِنَّا نَأْتِيكَ بِهِ مِنْ الْبَيْتِ. فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ اسْقُونِي مِمَّا يَشْرَبُ مِنْهُ النَّاسُ».


الرحمة بالناس: تتجلى الرحمة بالناس في الحج بإعانة الضعيف، والتيسير على المريض وحمله إلى حيث راحتُه؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قال: قال النَّبِي صلى الله عليه وسلم : «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ». وقال: «وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ».


الإحسان إلى الناس: ويكون الإحسان إلى الناس بإطعام الطعام، وحُسْن الكلام، وتقسيم الصدقات على المساكين، والإكثار من النحر، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».


الصبر على الناس: والصبر المطلوب من الحاج: صبر على طاعة الله في أداء المناسك؛ كما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم راجياً بذلك رضى مولاه، وصَبْر عن أن يقترف معصية في الأماكن الشريفة، وصَبْر على المشقة والتعب والنصب؛ لأن الحج جهاد، وصَبْر على الجاهل من الناس، وعلى الضعيف فيهم، وعلى المريض منهم وعونهم، وسدُّ خلَّتهم. عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطاً النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنْ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ».


الرفق بالناس: عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ». و عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ».


وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مَنْ رَفَقَ بِأُمَّتِي فَارْفُقْ بِهِ». فاملك غضبك أخي الحاج وألن جانبك، واترك العنف، وإياك والفظاظة.


التصدق على الفقراء والمساكين واليتامى وخاصة القريب: والتصدق على القريب حث عليه القرآن والسُّنة: قال تعالى : {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: ٥١]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ»، والسر في ذلك تقوية الأواصر الاجتماعية، وزيادة الرابطة بين أفراد المجتمع.


سادساً: سلوك الحاج مع أهله:
إن الحاج لا بد أن يكون خير الناس إلى أهله: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»، فقد كان صلى الله عليه وسلم على الغاية القصوى من حُسْن الخلق معهن، وكان يداعبهن ويباسطهن.


ومن سلوكيات الحاج مع أهله: تعليمهـم المناسـك: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا أَنَّهَا قَالَتْ: «قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . فَقَالَ: افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى تَطْهُرِي».وقايتهم من الفتن: مثل ما حدث مع الفضل بن العباس: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «اسْتَفْتَتْهُ جَارِيَةٌ شَابّةٌ مِنْ خَثْعَم فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَفَيُجْزِئُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: حُجِّي عَنْ أَبِيكِ. قَالَ: وَلَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ. فَقَالَ: الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ؟ قَالَ رَأَيْتُ شَابّاً وَشَابّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا».


وفي الطواف والسعي والرمي: عليه اختيار الوقت المناسب لهم، والرفق بهم والتيسير عليهم: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «نَزَلْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَاسْتَأْذَنَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَوْدَةُ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ وَكَانَتْ امْرَأَةً بَطِيئَةً فَأَذِنَ لَهَا فَدَفَعَتْ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ وَأَقَمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا نَحْنُ ثُمَّ دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ؛ فَلَأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا اسْـتَأْذَنَتْ سَـوْدَةُ أَحَـبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ». وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ»، والمراد: قبل أن يزدحم الناس فيدوس بعضهم بعضاً.


الصبر عليهم: فيقوم بشؤون من كبر منهم وثقل؛ كما فعل صلى الله عليه وسلم مع زوجته سـودة، ومن مرض منهم؛ كما فعل صلى الله عليه وسلم مع زوجته أم سلمة، والغلمان: كغلمان بني عبد المطلب وبني هاشم، فقد قام صلى الله عليه وسلم بأمرهم وخدمتهم خير قيام.


التلطف بهم: فكان يلاطف أهله، وييسر لهن ما يطلبنه، من ذلك: أن النبي أهلَّ بحجة، وأرادت عائشة أن تُهِل بعمرة فوافقها وأرسلها مع أخيها عبد الرحمن إلى التنعيم: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً سَهْلاً إِذَا هَوِيَتْ الشَّيْءَ تَابَعَهَا عَلَيْهِ»؛ ومَعْنَاهُ: إِذَا هَوِيَتْ شَيْئاً لَا نَقْص فِيهِ فِي الدِّين.


ومنه مع الضعفة من الغلمان وغيرهم: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ: «يَا بَنِي أَخِي! يَا بَنِي هَاشِمٍ! تَعَجَّلُوا قَبْلَ زِحَامِ النَّاسِ وَلَا يَرْمِيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْعَقَبَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ».


سابعاً: سلوك الحاج مع الشيطان، إغاظتُه وحزبَه:
لا بد أن يستحضر الحاج في نيته أنه في هذا الجمع المبارك يغيظ الشيطان وأتباعه. قال رَسُولُ صلى الله عليه وسلم : «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْماً هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ».


وإغاظة الشيطان وحزبه من أحب الأعمال إلى الله تعالى وتسمى هذه العبودية: عبودية المراغمة: وهي: عبودية خواص العارفين ولا ينتبه لها إلا أولو البصائر التامة؛ ولا شيء أحب إلى الله من مراغمة وليه لعدوه وإغاظته له.


وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج مراغمة الكفر وأهله وذلك بمخالفتهم :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ بِمِنًى: «نَحْنُ نَازِلُونَ غَداً بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْـرِ؛ يَعْنِي ذَلِكَ الْمُحَصَّبَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشـاً وَكِنَـانَةَ تَحَالَفَـتْ عَلَـى بَنِـي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْـدِ الْمُطَّلِبِ أَوْ بَنِي الْمُطَّلِـبِ؛ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم »، فَقَصَدَ النبِي صلى الله عليه وسلم إظْهَارَ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فِي الْمَكَانِ الذِي أَظَهَرُوا فِيهِ شَعَائِرَ الْكُفْرِ وَالْعَدَاوَةَ لِله وَرَسُولِهِ؛ وَهَذِهِ كَانَتْ عَادَتُهُ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنْ يُقِيمَ شِعَارَ التّوْحِيدِ فِي مَوَاضِعِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ وَالشرْكِ؛ كَمَا أَمَرَ النبِي صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبْنَى مَسْجِدُ الطائِفِ مَوْضِعَ اللاتِ وَالْعُزى.


إن هذه السلوكيات التي اكتسبها الحاج بعد عون الله له في المخيم الرباني السنوي، تحتاج من الحاج أن يستقيم عليها في حياته حتى تكون منهج حياة، وهي من المنافع التي قال الله تعالى عنها في كتابه: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: ٨٢].


نسأل الله أن يستعملنا في هذه الأيام الفاضلة بالأعمال الصالحة الـمُرضِية له والمقبولة لديه قبولاً حسناً.


وبعد كل هذا أبشر: فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( … والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )(متفق عليه)، ويقول: ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ). والحج يمحو ما سبق: فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:: ابسط يدك لأبايعك، فبسط يده فقبضت يدي، فقال: مالك يا عمرو ؟ قلت أشترط، قال تشترط ماذا ؟ قلت أن يغفر لي، قال: ( أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها وأن الحج يهدم ما قبله )(رواه مسلم). 
فاللهم ألف بين القلوب واجمع الأمة على كلمة سواء، وارزقنا حجًا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا
وصلِّ يا رب على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...