بداية الملاحقة القانونية.. مذبحة الحرس الجمهوري إبادة جماعية وليست تفريقًا للمعتصمين

في مثل هذه اللحظات قبل 6 سنوات، كانت عشرات الأسر المصرية تستقبل أسماء ذويها ضمن قوائم ضحايا “الحرس الجمهوري”، أول مذبحة وقعت بعد انقلاب 3 يوليو 2013 في مصر، والتي أفردت مؤسسة “وعي” للبحث والتنمية موسوعة توثيقية كبيرة لتوثيق وقائعها، كما أنها مستمرة بالفعل في دعوة من شهدوا مذبحة الحرس الجمهوري يومي 5 و8 يوليو 2013، “إلى تسجيل مشاهداتك وتجربتك المأساوية في تلك المجزرة”.

وضمن عدد من التصنيفات للجريمة، توصلت المؤسسة إلى أن أرقام الضحايا رهيب، وأن ما حدث إبادة جماعية، ولم يكن تفريقًا للمعتصمين أو صدًّا لهجوم من مجموعة إرهابية، بحسب البيان الرسمي.

وأشارت تقديرات المذبحة إلى أن إجمالي عدد الضحايا 945 مصابًا، منهم 145 شهيدًا، أي بنسبة 15.34% من الإجمالي، و800 مصاب، أي بنسبة 84.66% من الإجمالي. ومع ملاحظة أن من تواجدوا من المتظاهرين في موقع الحدث وقت المذبحة (2500 حسب تقديرات الشهود) ويكون المصابون 37.8%، بواقع مصاب لكل 3 لم يصابوا.

وخلص البيان الإحصائي إلى أنه من خلال الجداول ومقارنة النسب، فإن القتل كان متعمدا ويمثل نوعًا صارخًا من التصفية الجسدية والترويع والصدمة.

ومما استخلص من أسباب الوفيات المسجلة في شهادات الوفاة وتصاريح الدفن للشهداء، أنها شملت الطلق الناري وما نتج عنه من مسببات الوفاة مثل: تهتك في أنسجة المخ ونزيف فموي جسيم، وتهتك في الرئة اليسرى أو الرئتين ونزيف، وكسور في الأضلاع وتهتك في الرئتين، وكسور في عظام الجمجمة، وتهتك في المخ، ونزيف غزير في البطن، وتهتك في الأحشاء.

الملاحقة القانونية

وقالت إنه وسط هذا الإخفاق للسلطات المصرية في إقامة العدالة، فإن هذا الجهد التوثيقي هو بداية لملاحقة المجرمين الحقيقيين الذين أداروا ونفذوا واشتركوا في هذه الجريمة ضد الإنسانية، كما هو وسيلة لإثبات حقوق الضحايا والعمل على جبر الضرر المادي والمعنوي الواقع في حقهم وحق أسرهم، وكما جاء في التقرير فقد قامت هذه الأطراف بالهجوم المباشر على المعتصمين السلميين أمام الحرس الجمهوري باستخدام السلاح الناري “الدمدم المتفجر” والخارق والمطاطي والخرطوش عن قرب.

100 قائمة استنادية

واستندت “وعي للبحث والتنمية” ومقرها لندن، في إصدار توثيق شامل ومتكامل مدعم بالبحث الممنهج والمدقق، في وثيقة علمية بعنوان: “مذبحة الحرس الجمهوري 5 و8 يوليو 2013: أول توثيق علمي شامل”.. وخصت الضحايا من الشهداء والمصابين بجهد تحليلي إضافي متخصص في بابها الخامس.

فخلال العمل على إصدار قائمة شاملة للمصابين والشهداء اعتمادا على 62 قائمة استنادية للمصابين و42 قائمة استنادية للشهداء؛ قام الفريق العلمي– بمعاونة أطباء متخصصين– بتفريغ المعلومات الطبية الخاصة بإصابات الشهداء والمصابين من تلك القوائم، وكذلك المعلومات الطبية الواردة من مصادر أخرى مثل: تقارير المستشفيات الحكومية والخاصة التي باشرت استقبال الإصابات، وتقارير شهادات الوفاة، والمعاينة المباشرة لجثث الشهداء في مشرحة زينهم من خلال وصف فريق نقابة الأطباء وقت المذبحة، وكذلك وصف أطباء المستشفى الميداني، وكل الوثائق والتقارير التي اهتمت ببيان الإصابة بشكل طبي ومهني.

تحليل حالات 800 مصاب

أظهرت النتائج أن الإصابات الشديدة شكلت 376 مصابا، بنسبة 47% من إجمالي الإصابات، بينهم 372 مصابا من ذوي جرح نافذ في البطن أو الصدر أو الأطراف، و4 فقط إصابات غير نافذة، لكنها صُنفت شديدة، لما أحدثته من صدمة بالمصاب نتيجة للرصاص المطاطي.

أما الإصابات المتوسطة فشكلت عدد 408 إصابات، بنسبة 51% من إجمالي الإصابات، منها 392 جرحا نافذا، ولا يوجد في الإصابات المتوسطة جرح غير نافذ، ولكن ما رفع النسبة إلى 51% هو وجود إصابات في العين بعدد 16 مصابًا.

وفيما يخص الإصابات البسيطة (غاز حالة واحدة – خرطوش حالة واحدة – اشتباك 14 حالة)، فقد مثلت 2% فقط من إجمالي الإصابات، وبالتالي شكلت الإصابات الشديدة والمتوسطة نسبة 98% من إجمالي الإصابات.

وعن أسباب الإصابة رصدت المؤسسة 568 حالة إصابة جاءت نتيجة استخدام الرصاص، أي بنسبة 71.56% من إجمالي الإصابات، منها 244 من النوع المتفجر الدمدم. كما وجد أن 217 حالة جاءت نتيجة استخدام الخرطوش، أي بنسبة 27.5% من إجمالي الإصابات، منها 50 إصابة عن قرب. وقد سجلت حالة إصابة واحدة بسبب الإصابة بالغاز وإصابة 14 إصابة اشتباك.

وعن نوع السلاح الناري، رصدت بيانات نوع السلاح الناري، ووُجد أن 40% من الإصابات ناتج عن السلاح الناري الموصوف بـ”خارق”، ونسبة 30.5% الموصوف بـ”متفجر”، وأقله موصوف بـ”مطاطي”.

أما عن نوع السلاح “خرطوش”، فقالت إنه فاق عدد المصابين بالخرطوش عن بعد، عدد المصابين بالخرطوش عن قرب (أقل من 40 مترا).

دلالات معنوية

ولهذا التحليل الإحصائي دلالات، منها استخدام القوَّة المفرِطة، حيث لم يتناسب حجم القوة المستخدمة مع ما يمكن أن نسميه فض اعتصام، فضلا عن الأسلحة المستخدمة، وتعليقات الجنود المعبئين بالكراهية عندما يقول أحدهم مفتخرا: “الشارع مليان دم”. وكما بينت النتائج؛ فإن الإصابات البسيطة (غاز حالة واحدة – خرطوش حالة واحدة – اشتباك 14 حالة)، قد مثَّلت 2% فقط من إجمالي الإصابات، بينما شكلت الإصابات الشديدة والمتوسطة نسبة 98% من إجمالي الإصابات، وهو أكبر دليل على الاستخدام المفرط للقوة.

الرصاص الدمدم

وشكّل هذا النوع من السلاح الناري كلمة السر في سقوط المئات من المتظاهرين السلميين بين قتيل وجريح، فقد أوضحت الجداول أن أكثر الإصابات التي أدت إلى الوفاة كانت ناتجة عن تصويب رصاص (130 من إجمالي 145 بنسبة 89.6%)، والنسبة الأكبر كانت للرصاص من النوع المتفجر الدمدم (72%)، وهو النوع الدقيق جدًا الذي يصوِّب نحو الهدف باستخدام الليزر، وبالتالي فإن الضحايا قد تعرضوا للقنص المباشر والقتل العمد بصدورهم العارية.

دقة التصويب بالليزر

وأوضحت البيانات الإحصائية أن الدلالة المعنوية لإصابات الرأس والصدر تبيّن أن عملية التصويب تتصف بالدقة والقنص المتعمد بهدف القتل وإحداث صدمة ورعب في قلوب المتظاهرين. يؤخذ أيضًا بالاعتبار أن التصويب ناحية القلب باستخدام الليزر كما في سلاح الدمدم يهتك كلاً من الرئة والقلب بشكل تام.

الضرب المتعمَّد والمتكرِّر

تبيّن أن الإصابات شديدة الخطورة سادت في الحالات التي فيها تمت الإصابة بمكانين (198 من إجمالي 378)، وأن الإصابات متوسطة الخطورة سادت في الحالات التي وقعت بها الإصابة في ثلاثة أماكن (210 من إجمالي 408) (ضرب متعمَّد ومتكرِّر)، حيث لم يكفهم الضرب في الرأس، ولكن ضربوا في الرأس والصدر والبطن والأطراف؛ مما عدَّد أماكن الإصابة وزاد من مستويات الخطورة، وهو يعني أن القتل العمدي كان هدفا ممنهجا من القوات المكلفة بهذه المذبحة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...