بعد صدمة فورين بوليسي.. الموازنة الجديدة وبيانات “المركزي” تؤكد انهيار الاقتصاد المصري

مقال يحيى حامد، وزير الاستثمار بحكومة الرئيس مرسي، بمجلة فورين بوليسي، كان صدمة كبيرة لعموم المصريين، استقبله الاقتصاديون والمتابعون بقلق شديد على مستقبل البلاد، الذي يحاول السيسي ومخابراته والمطبلاتية له إخفاءه والتعتيم عليه، مخافة ثورة شعبية مؤجلة، يسعى النظام الانقلابي لتأخيرها.

الغريب في ردود أفعال مطبلاتية السيسي هو انتقادهم لشخص “حامد” فقط كونه معارضًا لنظام السيسي الانقلابي، مبتعدين عن مناقشة الأرقام الواردة بالمقال، والتي استقاها حامد من نشرات البنك المركزي المصري نفسه.

والاقتصاد لا يعرف لغة الشتم والقدح أو وصف حامد بأنه كان موظفًا بشركة فودافون ليس إلّا، وأن عمله كوزير هو فترة قصيرة تقدر بثلاثة أشهر، وهي من باب الحكايات والقصص التى يسوقها الضباط الهواة الذين يسيطرون على ملف الإعلام المصري، وثبت فشلهم في السياسة والاقتصاد وكل مجالات الحياة المدنية التي لا يجيدونها.

ما قاله الوزير يحيى حامد هو أرقام وحقائق معروفة عن الديون، وأي خبير اقتصادي يعلم أن هذا مدخل للإفلاس لولا الدعم الخليجي والأمريكي لنظام السيسي.

ديون مصر

أحدث بيانات البنك المركزي أظهرت ارتفاع حجم ديون مصر الخارجية والداخلية إلى 338 مليار دولار في عهد عبد الفتاح السيسي، وذلك بعدما كانت 128 مليار دولار في عهد الرئيس مرسى، وفى عهد المخلوع مبارك كانت 89 مليار دولار.

وقد توسعت مصر في الاستدانة من الخارج خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة زادت على 130%، بحسب بيانات أعلنها البنك المركزي.

كما كشفت أحدث بيانات المركزي (تقرير أبريل 2019) عن ارتفاع إجمالي الدين العام المحلي للبلاد 20.25% على أساس سنوي ليصل إلى 4.108 تريليون جنيه في نهاية ديسمبر 2018، فيما زاد الدين الخارجي للبلاد 16.6% على أساس سنوي، ووصل إلى 96.612 مليار دولار في نهاية شهر ديسمبر 2018 أيضا، ما يجعل إجمالي الديون الداخلية والخارجية 338 مليار دولار.

وفي إطار الخراب الاقتصادي الناجم عن عقلية العسكر الهواة، ارتفع الدين المحلي الداخلي (اقتراض الحكومة من الداخل أو طبع بنكنوت) بنحو 20.25% على أساس سنوي في 2018 ليصل إلى 4.1 تريليون جنيه، مقارنة بنحو 3.887 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر 2018، بزيادة 220 مليار جنيه تقريبًا وبنسبة نمو 5.66%، ومقابل 2.895 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2017، وفقا لبيانات البنك المركزي.

يشار إلى أنه في 25 أكتوبر 2018، كشف البنك المركزي عن أن الدين العام المحلى ارتفع إلى 3.695 تريليون جنيه في نهاية شهر يونيو 2018، أي ما يمثل 83% من الناتج المحلى الإجمالي، مقابل 3.536 تريليونات جنيه في نهاية مارس 2017.

وبلغت نسبة الدين المحلي للناتج المحلي الإجمالي 78.2% بنهاية عام 2018، مقارنة مع 77% عام 2017.

كما أظهرت بيانات البنك المركزي زيادة الدين الخارجي بمعدل 16.5% بالربع الثاني من العام المالي الجاري ليصل إلى 96.6 مليار دولار، مقارنة مع 82.9 مليار دولار لنفس الفترة (ديسمبر 2017).

أرقام الموازنة

لم يختلف ما ذكره الوزير في الفورين بوليسي عما ذهبت إليه الموازنة العامة التي أعدتها حكومة السيسي، حيث   أظهرت بيانات الموازنة الجديدة لعام 2019/2020 أنه جرى تخصيص نصف الموازنة الجديدة (47%) أي نحو تريليون جنيه، لسداد أقساط الديون وفوائدها، فيما تقلص نصيب الأجور والصحة والتعليم في الموازنة.

كما قفز النمو في الإنفاق على «سداد القروض» بنسبة 36% في موازنة السنة الجديدة مقابل 3.4% في السنة الحالية، في طفرة واضحة لهذا البند لم تحدث منذ سنوات.

كما يمثل بندا سداد القروض والفوائد النسبة الأكبر من بنود الاستخدامات في الموازنة العامة الجديدة، ويشمل سداد القروض- وفقًا لتعريف للموازنة العامة- تسديد أقساط القروض المحلية والخارجية وفقًا لمواعيد الاستحقاق المحددة لها.

و«تقدر هذه الأقساط (وحدها دون الفوائد) بمشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2019/2020 بنحو 375 مليار جنيه مقابل 276 مليار بموازنة السنة المالية الحالية» تبعًا للبيان التحليلي للموازنة.

أيضًا تمثل أقساط القروض المحلية المستحقة 86.4% من الإنفاق على سداد القروض في الموازنة مقابل 13.6% فقط لأقساط القروض الخارجية ومع ذلك، فقد شهدت أقساط الديون الأجنبية ارتفاعًا كبيرًا في الموازنة الجديدة، إذ بلغ نمو أقساط الديون الأجنبية 58.7% تقريبًا، مقابل 33.1% زيادة في أقساط الديون المحلية المستحقة في الموازنة.

والأشد أثرًا على الشعب المصري، ما تضمنته الاستراتيجية التي وضعتها حكومة الانقلاب خطة لتخفيض الاقتراض ووضع حد أقصى للاستدانة سنويا، وأخرى لتأجيل سداد ديون للإمارات والسعودية باتفاق جديد تضمن فرض فوائد بعدما كان القرض القديم بلا فوائد.

لصالح الأغنياء

كان الوزير حامد قد أكد، في مقاله، أن برنامج الإصلاح الاقتصادي لم يستفد منه سوى النخبة الحاكمة، ولم يفعل شيئا للمواطن العادي سوى جعل حياته أصعب، وأن السيسي يضحي بالبلاد على مذبح صندوق النقد، ويصدر نظامه معلومات كاذبة عن تحسن الاقتصاد، بينما مصر تستدين وتدفع نصف ميزانيها لسداد الديون وفوائدها.

وأكثر ما أغضب سلطة السيسي هو سماح مجلة عريقة مثل فورين بوليسي لمن قالوا إنه “وزير إخواني” بالكتابة فيها وتشويه نظام السيسي، وزعموا أنه مقال مدفوع الأجر، ولكنّ خبراء ومتخصصين نفوا أن يكون من بين سياسة هذه المجلة الأمريكية العريقة النشر مقابل دفع أموال.

واهتم عدد من المواقع المصرية، خاصة الناطقة باللغة الإنجليزية، بالرد على مقال حامد، فاتهمه موقع “إيجيبت توداي” بنشر الأكاذيب، فيما أكدت مستشارة رئيس مجلس الوزراء للشئون الاقتصادية جيهان صالح، في مقالها بموقع أهرام أونلاين، أن مقال فورين بوليسي يحوي العديد من المغالطات والأكاذيب، وأطلق الانقلاب حملة إلكترونية للرد عليه مفادها أنه كان موظفا في فودافون وتولى الوزارة 3 أشهر فقط وخبرته محدودة فى الاقتصاد.

60% فقراء

وأشار حامد إلى أن العسكر يهندسون خداعا بازدهار الاقتصاد المصري مستعينين بأرقام ونسب، موضحا أنه “بعد مرور عام على إعادة تحديد موقع مصر على أنها “وجهة استثمار عالمية”، أخذ المعلقون الماليون يصفونها بأنها السوق الناشئة الأكثر سخونة في العالم. يتدفق المستثمرون إلى البلاد على أمل كسب ثروة من أسواق رأس المال في مصر؛ في ديسمبر 2018، ارتفعت الاستثمارات الأجنبية للديون المحلية بأكثر من 20% عن العام السابق، ومن المقرر أن يستمر هذا الاتجاه في عام 2019. ووصف أحد البنوك الاستثمارية الانتعاش الواضح في مصر بأنه “قصة إصلاح جذابة” في الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا الشرقية”.

لكنه أكد أن كل ما سبق يحجب حقيقة أكثر قتامة. ففي تقرير نشره البنك الدولي في أبريل 2019، تم تقدير أن “حوالي 60 ٪ من سكان مصر إما فقراء أو ضعفاء”، فكيف تبدو النظرة الاقتصادية لمصر وردية؟، موضحا أن “الخداع الكبير يكمن في قلب الانتعاش الاقتصادي المعجزة في مصر، ومهندسوها هم حكومة الجنرال عبد الفتاح السيسي وصندوق النقد الدولي”.

وأوضح أن سوء الإدارة المزمن للمالية العامة والإهمال العام تسبب في ارتفاع الدين الخارجي بمقدار خمسة أضعاف تقريبًا، بسبب انخفاض قيمة الجنيه في السنوات الخمس الماضية، والدين العام بأكثر من الضعف، ومن المتوقع أن يستمر هذا في المستقبل المنظور.

وتخصص حكومة الانقلاب حاليا 38 بالمائة من ميزانيتها بالكامل لمجرد سداد الفائدة على ديونها المستحقة. إضافة إلى القروض والأقساط.

وأشار إلى أن نصيب الأسد من الموارد العامة في مصر يذهب إلى تسهيل المدفوعات على الدين بدلاً من تعزيز ودعم المجتمع المدني. في بلد يقطنه 100 مليون شخص، فإن هذا الإنفاق الضئيل على الصحة والتعليم والبنية التحتية ينذر بالخطر، وينبغي أن ينذر بالخطر على الموجودين في أوروبا أيضًا.

إفلاس قريب

وحذر الوزير حامد من أنه إذا استمر الاتجاه الحالي فستفلس مصر قريبًا، وأن هذه ليست سوى الخطوة الأولى على طريق ضيق نحو فشل الدولة الكامل. ككيان سياسي، تفقد حكومة السيسي مصر مكانتها على الساحة الدولية بفضل التقارير الواسعة الانتشار عن التلاعب في الانتخابات، سواء في انتخاب الرئاسة والاستفتاء الأخير على تعديلات الدستور.

وقال إنه إذا فشلت حكومة الانقلاب في توفير الخدمات الأساسية للأشخاص الذين تزعم أنهم يخدمونهم– مع استمرار نظام القمع والقسوة – فستظهر عجزها التام عن الحكم.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...