في مصر لا يعلم المسجون لماذا سُجن أو لماذا سيُعدم، ومع اقتراب أول أيام عيد الفطر المبارك يتذكر المصريون كيف بدأ جنرال إسرائيل السفيه السيسي حملة على كل ألوان المعارضة، منذ الانقلاب العسكري في صيف 2013، وتقول منظمة “هيومن رايتس ووتش” إنه جرى اعتقال ما لا يقل عن ستين ألف شخص وقتها، إلا أن العدد تضاعف وتجاوز الـ100 ألف معتقل في حملة بدأها السفيه السيسي بالإسلاميين، واستهدف جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية محمد مرسي.
ثم تحوّل السفيه السيسي إلى النشطاء السياسيين المحسوبين على ثورة يناير 2011 خاصة من حركة شباب 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين، وصولا إلى اعتقال أعضاء في أحزاب سياسية مؤيدة للسفيه السيسي بل ومقربين من السفيه نفسه مثل مسئول الشباب في حملته الانتخابية حازم عبد العظيم، وحتى قادة من الجيش مثل رئيس الأركان الأسبق سامي عنان، الذي اعتقل عقب إعلانه نيته الترشح لمنافسة السيسي على الرئاسة.
انصروهم
ويقضي الرئيس الصامد محمد مرسي وآلاف المعتقلين عيدهم الرابع عشر في محبسهم بلا أي ذنب، وهو محرومون من أبسط حقوقهم الإنسانية في رؤية أهلهم، وقد أطلقت “رابطة أهالي المعتقلين” هاشتاج #العيد_في_زنزانة، وقالت في تغريدة رصدتها (الحرية والعدالة): “ها قد أقبل العيد، ولا يزال مئات المعتقلين يعانون مرارة الفقد والشوق إلى أحبابهم! أما لهم عليكم من حق؟! انصروهم وأدخلوا على قلوبهم وذويهم السرور ولو بالتغريد في هذا الهاشتاج”.
وتحولت حياة أسر المعتقلين في مصر لحالة من البؤس والحرمان، تقول الناشطة عائشة محمود: “العيد الحقيقي يوم عودة الشرعية كاملة.. العيد الحقيقي يوم خروج كل المعتقلين.. العيد الحقيقي يوم تحرير بيت المقدس.. تحية إلى رئيس مصر الشرعي المختطف بسجون العسكر الرئيس مرسى وكل الأحرار الأبرار المرابطين في سجون الظلمة ممن تنازلوا عن بهجة الحياة من أجل بناء عالم أجمل وأنبل لأمتهم”.
وفي وقت سابق، أطلق مجموعة من الشباب شعار “عيدنا من غيرهم ما يكملش”، لتذكير المصريين بعشرات الآلاف من المعتقلين في السجون المصرية، من خلال توزيع كعك العيد على المنازل، أو تدشين حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو رسائل تهنئة تحمل أسماء المعتقلين.
المبادرة نفّذها بالفعل عدد من أهالي وأصدقاء المعتقلين، والذين وزّعوا على عدد من المنازل والبيوت في عدة مناطق سكنية، أطباق كعك العيد تحمل رسالة “عيدنا من غيرهم ما يكملش” وبعض أسماء المعتقلين، وعلى الفور انطلقت حملة مشابهة، تستهدف التذكير بقضية الشباب المعتقلين على خلفية قضايا سياسية، دشنها عدد من الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي، بعنوان “يلا نكمل لمتنا” في محاكاة لإعلانات واحدة من أكبر شركات المياه الغازية في العالم.
جدران السجون
الحملة اعتمدت على نشر صور المعتقلين السياسيين، مع شعار الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة للتذكير بقضية المعتقلين السياسيين في مصر، المنسيين في خضم الأحداث والأجواء الرمضانية ومن خلفها العيد، وربما كانت أقسى مشاعر الفقد، هي افتقاد طفل لفرحة العيد بجوار والده، وهذا واقع عشرات الآلاف من الأطفال والأبناء الذين غُيّب آباؤهم خلف جدران السجون، وعاش أطفالهم شعور الفقد في أيام الأعياد والفرحة.
وتختلف أمنيات أطفال المعتقلين عن غيرهم، فغاية ما يطمحون إليه زيارة وإلقاء نظرة على آبائهم وأبنائهم وإخوانهم، تقول مريم ابنة مراد محمد علي، المستشار الإعلامي لحزب الحرية والعدالة”: “في غياب بابا لم يعد هناك عيد أصلاً.. كان دائما حريصا على شراء لبس جديد ويوقظنا قبل الصلاة بكثير للاستحمام وينادي على كل واحد لوحده ليعطيه العيدية، ونستقل جميعنا السيارة معه ونبدأ التكبيرات إلى أن نصل لساحة صلاة العيد، ثم نرجع لنفطر معه، والعيلة تتجمع كلها ويوزع العيدية على ولاد أخواته ويفضل يهزر مع الجميع، كان يوم العيد يكون فرحانا جدا جدا وبالأخص وهو ذاهب لصلاة العيد.. حاليا لم يعد يفرق معنا اللبس الجديد ولم نعد نتجمع مع العيلة وغالبا نقضيه في البيت، ولو خرجنا دايما يبقى في حاجة ناقصة ويبقى كل كلامنا “بابا كان بيحب ديه” أو “لو بابا كان معانا كان…”.
ويمر العيد تلو الآخر على معتقلين محرومين من أبنائهم، وأمهات محرومات من فلذات أكبادهن، وتتحول الأعياد لحزن وقهر على فراق ذويهم، تقول سارة ابنه المعتقل إبراهيم السيد إبراهيم البدوي: “والدي كان يحرص أن يشتري لنا لبسا جديدا للعيد، لكنه كان دائما يقول لنا ليس العيد لمن لبس الجديد ولكن العيد لمن خاف يوم العيد.. وكان لوالدي في كل يوم من أيام شهر رمضان دعاء بأسلوبه الخاص على الإفطار افتقدناه هذا العام، وكانت له طريقة مميزة جدا في عمل الكنافة وكنا نقول لماما اتركي بابا يعمل لنا الكنافة، وهو ما حرمنا منه هذا العام”.