«حق العودة».. الحلم الذي يتآمر عليه المستبدون العرب

منذ مجيء دونالد ترامب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض وهيمنة تيار اليمين المتطرف الموالي لإسرائيل على معظم مؤسسات صناعة القرار الأمريكي، تتجه كل السياسات والقرارات الأمريكية نحو تكريس التمكين الصهيوني وحماية التفوق الإسرائيلي على كل البلاد العربية، لكن الأكثر خطورة هو العمل الدؤوب والإصرار على اغتيال القضية الفلسطينية عبر ما تسمى بصفقة القرن، التي تقوم على أساس حماية أمن الكيان الصهيوني مقابل قدر من الفتات الاقتصادي للشعب الفلسطيني، وسط تآمر صارخ وتواطؤ مفضوح من جانب المستبدين العرب الذي أبهروا العالم بحالة من الانبطاح والانصياع لجميع الرغبات الأمريكية الصهيونية.

وكان العالم يترقب إعلان تفاصيل هذه الصفقة الحرام، أمس الثلاثاء 14 مايو 2019م، بحسب تصريحات سابقة لجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي، وقد تم اختيار التوقيت بعناية لأنه يتزامن مع ذكرى النكبة الفلسطينية وإعلان إنشاء الكيان الصهيوني سنة 1948.  لكن تم تأجيل الإعلان إلى مرحلة ما بعد شهر رمضان المعظم؛ خوفا من ردود الفعل الغاضبة من جانب الشعوب العربية والإسلامية في ظل رفض معظم الحكام للصفقة رغم تواطؤ البعض، وعلى رأسهم عبد الفتاح السيسي زعيم الانقلاب العسكري، ومحمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ومحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي.

التآمر على «6» ملايين لاجئ

وتتجه صفقة القرن إلى التلاعب بمعنى اللاجئ وقصره على حوالي “800” ألف فقط، وهم أولئك الذين طردوا من ديارهم سنة 1948م مع استبعاد ذرياتهم من بعدهم، وهو توجه شديد الفاشية والعنصرية والظلم.

ويكشف تقرير للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، عن تشريد حوالي 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 في 1300 قرية ومدينة فلسطينية؛ حيث انتهى التهجير بغالبيتهم إلى عدد من الدول العربية المجاورة، إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلا عن التهجير الداخلي للآلاف منهم داخل الأراضي التي أخضعت لسيطرة الاحتلال عام النكبة وما تلاها، بعد طردهم من منازلهم والاستيلاء على أراضيهم.

وأوضح التقرير أن الاحتلال الصهيوني سيطر خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، حيث دمر 531 منها بالكامل، وما تبقى تم إخضاعه إلى كيان الاحتلال وقوانينه، ورافق عملية التطهير هذه اقتراف العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين أدت إلى استشهاد ما يزيد على 15 ألف فلسطيني، مشيرا إلى أن عدد السكان في فلسطين التاريخية عام 1914 بلغ نحو 690 ألف نسمة، شكلت نسبة اليهود 8% فقط منهم، وفي العام 1948 بلغ عدد السكان أكثر من 2 مليون حوالي 31.5% منهم من اليهود، وارتفعت نسبة اليهود خلال هذه الفترة بفعل توجيه ورعاية هجرة اليهود إلى فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني، حيث تضاعف عدد اليهود أكثر من 6 مرات خلال الفترة ذاتها.

وأضاف التقرير أنه بين عامي 1932 و1939 تدفق أكبر عدد من المهاجرين اليهود، وبلغ عددهم 225 ألف يهودي، وتدفق على فلسطين بين عامي 1940 و1947 أكثر من 93 ألف يهودي، وبهذا تكون فلسطين استقبلت بين عامي 1932 و1947 نحو 318 ألف يهودي، ومنذ العام 1948 وحتى العام 1975 تدفق أكثر من 540 ألف يهودي.

وعن اللاجئين، فقد أشارت سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إلى أن عدد اللاجئين المسجلين كما هو في الأول من ديسمبر للعام 2018، حوالي 6 ملايين و20 ألف لاجئ فلسطيني، حوالي 28.4% من هؤلاء اللاجئين يعيشون في 58 مخيما رسميا تابعا للأونروا، تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيمًا في لبنان، و19 مخيما في الضفة الغربية المحتلة، و8 مخيمات في قطاع غزة المحاصر.

وتسببت جرائم الاحتلال منذ النكبة في استشهاد نحو 100 ألف شهيد، فيما بلغ عدد الشهداء منذ بداية انتفاضة الأقصى 10 آلاف و853 شهيدا خلال الفترة من 29/09/2000 وحتى 07/05/2019، حيث كان عام 2014 أكثر الأعوام دموية حيث سقط 2.240 شهيدا منهم 2.181 استشهدوا في قطاع غزة خلال العدوان الصهيوني، فيما بلغ الشهداء في فلسطين عام 2018 حوالي 312 شهيدا، منهم 57 طفلا و3 سيدات، ولا يزال الاحتلال الصهيوني يحتجز جثامين 15 شهيدا.

وبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال حوالي 5.700 أسير كما هو في نهاية مارس 2019 (منهم 250 أسيرا من الأطفال و47 امرأة)، أما عدد حالات الاعتقال فبلغت خلال العام 2018 حوالي 6.500 حالة، من بينهم 1.063 طفلًا و140 امرأة، فيما فرض الاحتلال الإقامة المنزلية على 300 طفل في القدس منذ أكتوبر عام 2015 ولا زال ما يقارب 36 طفلا تحت الإقامة المنزلية حتى الآن.

خيوط المؤامرة

وقد بدأت الإدارة الأمريكية بالفعل في تنفيذ إجراءات عملية لإسقاط حق العودة؛ حيث قطعت الولايات المتحدة مساعداتها لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والتي كانت تصل إلى “400” مليون دولار سنويا، كما اقتطعت جزءا كبيرا من مساعداتها للسلطة الفلسطينية، كحالة استباقية ابتزازية للسلطة الفلسطينية، لإجبارها على الموافقة على “صفقة القرن”، متعاملة مع القضية بوصفها صفقة تجارية إذعانية، على السلطة الفلسطينية وغيرها من العرب الموافقة عليها، لأن ليس هناك لعبة أخرى مطروحة في المنطقة، وأن على المضطر أن يوافق على الصفقة المجحفة، وهو في هذه الحالة السلطة الفلسطينية.

أما بالنسبة لحماس فالتعامل معها يتم بالحصار المتواصل الذي تفرضه “إسرائيل” ونظام العسكر في مصر منذ أكثر من 10 سنوات، وكذلك شن الحرب كل عدة سنوات للعمل على إسقاط روح المقاومة وإجبار الفلسطينيين على الركوع أمام هيمنة واشنطن وإجرام تل أبيب.

تآمر الحكام المستبدين

تواطؤ حكام تحالف الثورات المضادة على القضية الفلسطينية لا يحتاج إلى دليل أو برهان؛ فتحالفهم الوثيق مع الاحتلال خير برهان على ذلك، وهؤلاء الحكام على استعداد لبيع كل شيء وأي شيء مقابل الاحتفاظ بعروشهم وبقائهم في السلطة، وحتى إذا ما اتخذوا بعض القرارات والتحركات التي يبدو من ظاهرها أنها تستهدف مصلحة القضية، إلا أنهم في نهاية المطاف يقومون بها بالتنسيق مع الاحتلال وبما يضمن عدم ضرره من ورائها، بل لا يتحركون إلا بناء على توجيهات من الاحتلال وبما يضمن مصالحه وأمنه وأمن مستوطنيه.

فالسيسي حريص على البقاء في السلطة، وعلى الأرجح أنه ما تم تمرير التعديلات الدستورية التي تمكنه من البقاء حتى 2030 على أقل تقدير إلا بعد تفاهمات مع واشنطن وتل أبيب، وفي ظل الإشادة المتواصلة بدوره في المنطقة لخدمة المشروع الصهيوني الأمريكي.

أما محمد بن زايد فقد سبق السيسي بعشرات السنين في طريق الخيانة والتآمر على العرب والمسلمين، وبات عرابا للكل، ما يخدم الكيان الصهيوني، وقد تمكن ابن زايد من غواية محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الذي بات شيطانًا مريدًا لا همّ له سوى وراثة العرش السعودي خلفا لوالده العجوز. وهو أيضا أبدى تجاوبًا مثيرًا للدهشة يصل إلى حدود التواطؤ والخيانة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...