رفعت ثورات الربيع العربي الستار عن طاولة المصالح الدولية التي تعبث بالشرق الأوسط، للدرجة التي جعلت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يرد على الهجوم الذي تشنه قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس، مؤكدًا أن أنقرة ستُسخر كل الإمكانات لمنع “المؤامرة على الشعب الليبي”.
أردوغان هو الرئيس الوحيد في العالم الذي يعلن بقوة احتقاره لجنرال إسرائيل السفيه السيسي، واصفا إياه بـ”مرتكب المجازر”، مؤكدا رفضه المصالحة معه، وكلما حاول السفيه الهرب من وجه أردوغان، أوقعته أقداره بين أصابعه مرة أخرى، وذلك عندما شن اللواء حفتر، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، هجومًا مؤخرًا للسيطرة على طرابلس، بدعم عسكري مفضوح من السفيه السيسي.
من جهته قال المبعوث التركي إلى ليبيا “أمر الله أشلر”: إنه لا يؤكد ولا ينفي تدخُّل بلاده في الأحداث التي تشهدها العاصمة طرابلس، وذلك من خلال تقديم دعم عسكري لحكومة الوفاق المعترف بها دوليًا، وأضاف في تصريحات صحفية، أنه لا يستطيع أن يؤكد أو ينفي التقارير التي تحدثت في هذا الإطار، لكنه قال إنه سيتحدث في الوقت المناسب.
وشدد على دعم بلاده للشرعية في ليبيا والمتمثلة بحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، مؤكدًا أن “التدخلات التركية في ليبيا تدعم الاستقرار، ولا تهدف إلى إثارة الفتن والفوضى”، مشيرا إلى أن بلاده تحركت على الصعيد الدبلوماسي، لكبح التدخلات الأمريكية والروسية والإماراتية والمصرية والسعودية الداعمة للمتمرد خليفة حفتر، قائد ما يسمى قوات “الجيش الوطني الليبي”.
ديكتاتور مدعوم
وأكد أردوغان، في اتصال هاتفي مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج، أمس الأحد، دعمه للحكومة باعتبارها الحكومة الشرعية، وقال أردوغان للسراج بحسب ما نقله المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي الليبي على موقع “فيسبوك”: إنه “لا وجود لحل عسكري للأزمة الليبية”، مشيرا إلى أن “المسار السياسي هو المسار الوحيد لبناء الدولة المدنية التي يتطلع إليها كل الليبيين”.
من جانبه شدّد السراج على أن قوات الجيش الليبي تدافع بكل قوة عن العاصمة وعن خيار الشعب الليبي في الدولة المدنية، وستواصل القتال إلى أن تنسحب القوات المعتدية، وقال أردوغان، في كلمة أمام حزب “العدالة والتنمية” في أنقرة: إن ليبيا “باتت تشكل مسرحًا لسيناريوهات مظلمة تستهدف أمن المنطقة. من جهة، هناك حكومة تتلقى شرعيتها من الشعب، ومن جهة أخرى يوجد ديكتاتور مدعوم من أوروبا وبعض الدول العربية”.
وأضاف: “تركيا ستقف بقوة إلى جانب أشقائها الليبيين كما فعلت في السابق، وستستنفر كل إمكاناتها لإفشال مساعي تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة”.
وفي وقت سابق اتهم أردوغان، الرؤساء الأوروبيين بأنهم ليسوا نزيهين وليسوا ديمقراطيين حقيقيين، معتبرا أنهم لو كانوا كذلك لما استجابوا لدعوة السفيه السيسي إلى مؤتمر في شرم الشيخ.
وأردف بالقول: “هناك كثيرون ممن يريدون مصالحتي مع السيسي، لكنني أرفض ذلك دائما وسأرفض. لماذا؟ لأنني لن أجلس إلى طاولة واحدة مع الشخص المناهض للديمقراطية والذي سجن الرئيس المصري محمد مرسي، الحاصل على دعم 52 % من شعبه، وكذلك يسجن زملاءه”.
وقال أردوغان، في كلمة ألقاها في وقت سابق أمام تجمع جماهيري بولاية آدي يامان جنوب شرقي البلاد: “سنظهر مجددا قوة الديمقراطية التركية للسياسيين المنافقين في أوروبا الذين اصطفوا في الطابور لمصافحة يد الانقلابيين في مصر يوم إعدامهم 9 شبان”.
وأضاف أردوغان: “تذكروا ماذا فعلوا في مصر، لقد أعدموا 9 شبان، والإعدام محظور في دول الاتحاد الأوروبي، لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ إنهم اجتمعوا مع عديم الضمير السيسي”، ونفذت سلطات الانقلاب يوم 20 فبراير الماضي، أحكاما بالإعدام بحق 9 شبان صدرت في إطار قضية اغتيال النائب العام السابق، هشام بركات، في صيف 2015.
وبعد مرور 4 أيام على ذلك عقدت أول قمة عربية أوروبية بمدينة شرم الشيخ، وسط حضور أوروبي واسع، في خطوة انتقدتها بشدة تركيا التي تمر علاقاتها مع عسكر مصر بتوتر كبير على خلفية الانقلاب على حكم الرئيس محمد مرسي، الذي دعمته أنقرة.
ضعف السيسي
وتشهد العلاقات بين عسكر مصر وتركيا أزمة سياسية حادة منذ العام 2013، بعد رفض السلطات التركية القاطع الانقلاب على مرسي، الرئيس المنتخب والقيادي في جماعة الإخوان المسلمين، والاعتراف بشرعية حكومة الانقلاب برئاسة السفيه السيسي.
وتعتبر تركيا الانقلاب على مرسي، الذي حدث في 3 يوليو على خلفية مظاهرات مدبرة من المخابرات والجيش، “انقلابا عسكريا”، فيما تدين سلطات الانقلاب، التي تصف تلك الأحداث بالثورة، هذا الموقف، متهمة تركيا بدعم جماعة “الإخوان المسلمين” التي أعلنها عسكر الانقلاب رسميا “تنظيما إرهابيا”.
ويشعر السفيه السيسي بالضعف أمام الرئيس أردوغان، ولا يجد مفرًا إلا أن يسلط أذرعه الإعلامية والبرلمانية للهجوم على تركيا، وهو ما جعل النائب في برلمان الدم “عبد الرحيم علي”، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس، يزعم العثور على عنصرين تركيين يقاتلان فى صفوف حكومة الوفاق الشرعية في معارك العاصمة طرابلس.