أهم 4 رسائل ودلالات في قرارات السيسي برفع المرتبات والمعاشات

فاجأ رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي أمس السبت 30 مارس 2019م الجميع بإعلانه عدة قرارات لها أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية لا يمكن التقليل من شأنها؛ ومنها رفْع الحد الأدنى للأجور لجميع العاملين بالدولة (يقدرون بـ5 ملايين موظف) من 1200 إلى 2000 جنيه وأعلن السيسي أيضا زيادة معاشات التقاعد بنسبة 15 في المئة بحد أدنى 150 جنيها ورفع الحد الأدنى لمعاش التقاعد إلى 900 جنيه. جاء ذلك في كلمة ألقاها في احتفال سلَّم خلاله أوسمة للأمهات المثاليات.

هذه القرارات تأتي في وقت يشكو فيه جميع المصريين من ارتفاع تكاليف المعيشة وسط مخاوف كبيرة من موجات غلاء مرتقبة وارتفاعات قياسية جديدة في الأسعار مع اقتراب بداية السنة المالية الجديدة في الأول من يوليو المقبل.

وأعلن السيسي منح جميع العاملين بالدولة علاوة إضافية استثنائية 150 جنيها “للعمل على معالجة الآثار التضخمية على مستوى الأجور”.

دلالة التوقيت!

لغز التوقيت ودلالته تكتسبان أهمية كبرى في هذه القرارات؛ ذلك أنها تأتي بالتزامن مع تصميم النظام الانقلابي على تمرير تعديلات الدستور المشبوهة التي تفضي إلى منح زعيم الانقلاب صلاحيات فرعونية مطلقة بخلاف تأبيده في السلطة حتى 2034 وربما أبعد من ذلك. فالبرلمان الذي تشرف عليه الأجهزة الأمنية سوف ينتهي قريبا من إقرار هذه التعديلات وعلى الأرجح وفق تصريحات مسئولين بالنظام العسكري فإن المستهدف هو الانتهاء من هذه الترقيعات قبل رمضان المقبل الذي يأتي بعد أقل من شهر ونصف من اليوم.

وقد اعترف السيسي أمس أنه كان مفترضًا إعلان “هذه الإجراءات” مع نهاية السنة المالية الحالية يوم 30 يونيو 2019، لكنه رأى أن إعلانها يجب ألا ينتظر إلى ذلك الوقت. وذلك في توظيف سياسي للتوقيت من أجل ضمان تمرير هذه التعديلات المشبوهة.

وبحسب بيان وزارة المالية بحكومة الانقلاب أمس السبت فإن هذه الحزمة من الإجراءات الاجتماعية التي يبدأ تنفيذها من أول يوليو المقبل؛ ستكلف الخزانة العامة نحو 60 مليار جنيه تعتبر هي كلفة الرشوة الحكومية لهؤلاء وتتضمن نحو 30.5 مليار جنيه لتمويل زيادات الأجور والمرتبات، بجانب 28.5 مليار جنيه لتمويل زيادات المعاشات الاجتماعية ونحو مليار جنيه لتمويل ضم 100 ألف أسرة جديدة لبرنامجي تكافل وكرامة.

وبحسب مراقبين فإن هذه الحزمة تعتبر أكبر رشوة يقدمها حاكم مستبد لقطاع من المواطنين من أجل تشجيع هذه الفئات على المشاركة في تمرير هذه الترقيعات؛ فالنظام الانقلابي لا يريد سوى مشاركة هؤلاء من أجل ضمان اللقطة وتسويقها على أن هناك مشاركة شعبية واسعة في الاستفتاء المرتقب خصوصا أن ما جرى في مسرحية الرئاسة مارس 2018 مثل فضيحة من العيار الثقيل سواء على مستوى إخراج المشهد وحجم المنافس وصولا إلى خلو اللجان باستثناء بعد اللقطات المفتعلة والعمل على تسويقها.

تجاهل 75% من الشعب

الدلالة الثانية من هذه القرارات أنها تختص بربع الشعب فقط، بينما تتجاهل الغالبية الساحقة من المواطنين؛ حيث اختصت هذه القرارات بموظفي الجهاز الإداري للدولة وعددهم (5 ملايين موظف) إضافة إلى أصحاب المعاشات وهم أيضا كانوا موظفين بالجهاز الإداري للدولة وعددهم لا يتتجاوز المليون شخض وبضم عوائل هؤلاء جميعا فإن عدد المستفيدين يصل إلى حوالي 25 مليونا بينما يبقى الغالبية الساحقة من المصريين حوالي 80 مليونًا لم تشملهم هذه القرارات ولم يوضح السيسي كيف سيتم التعامل مع هؤلاء وكيف ستشملهم الدولة بمظلة الحماية الاجتماعية في ظل موجات الغلاء الفاحش التي طالت الجميع بعد قرارات التعويم الكارثية في نوفمبر 2016م.

اللافت كذلك أن النظام الانقلابي يعتمد على هاتين الفئتين (الموظفين وأصحاب المعاشات) في حشد المواطنين على المشاركة في الاستفتاء الصوري المرتقب على التعديلات الدستورية المشبوهة ما يمثل رشوة واضحة لهؤلاء من أجل الوقوف إلى جانب النظام وتمرير هذه التعديلات المرفوضة شعبيا.

من جيوب الشعب

الملاحظة الثالثة هي أن هذه المليارات الضخمة إنما حصل عليها السيسي من جيوب الشعب؛ وذلك عبر فرض مزيد من الضرائب والرسوم ورفع أسعار الوقود 4 مرات خلال 5 سنوات فقط بخلاف رفع أسعار جميع السلع والخدمات حتى باتت الضرائب تمثل أكثر من 80% إيرادات الموازنة العامة للدولة وتصل إلى أكثر من 800 مليار جنيه سنويا.

ما يعني أن السيسي يأخذ من جيوب الشعب مئات المليارات ثم يمن على فئة من هذا الشعب بعشرات المليارات بينما يبقى الغالبية الساحقة من الشعب خارج مظلة الحماية الاجتماعية بعد أن قفزت معدلات الفقر إلى حوالي 50% بعد قرارات التعويم التي اتخذها السيسي بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وبالتالي فإن ترويج صحف النظام الانقلابي وفضائياته بأن هذه القرارات هي ثمرة ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي هو محض أكاذيب ذلك أن إيرادات الموازنة العامة للدولة لم ترتفع إلا في بند الضرائب والرسوم بينما بقييت مصادر الدخل القومي متراجعة كما هو الحال في السياحة والصناعة والتصدير وقناة السويس فلم يحدث على الإطلاق طفرة في إيراداتها ما يعني أن السيسي قد استعد لهذا القرارات بعصر المواطنين خلال السنوات الماضية من أجل توظيف هذه القرارات سياسيا لضمان تأبيده في السلطة ومنحه صلاحيات مطلقة بتمرير هذه التعديلات الدستورية المشبوهة.

توظيف سياسي

أما الدلالة الرابعة، بحسب الدكتور مصطفى شاهين، الخبير الاقتصادي، فإن قرار السيسي لرفع الحد الأدنى للأجور اتخذ منذ 2014 ولم ينفذ حتى الآن كما أن مرتبات الموظفين الأساسية مربوطة على 2014 لكن الاستقطاعات تتم وفق المرتبات الكلية.

وأضاف شاهين في مداخلة هاتفية لقناة مكملين أن الطبقة المقهورة في مصر الآن هي طبقة الموظفين، على الرغم من أنهم يمثلون ربع سكان مصر، بسبب أن دخول هذه الطبقة لا تكفي على الإطلاق لسداد الاحتياجات المعيشية.

وأوضح شاهين أن ما فعله السيسي يعد امتدادا لما فعله مبارك في 2009 عندما رفع مرتبات الموظفين بنسبة 30% تمهيدا لتنفيذ مخطط التوريث لنجله جمال لكنها لم تربط مع الأساسي إلا بعد 2014.

وتبقى مخاوف الشعب قائمة بعد تمرير التعديلات الدستورية فالأرجح أن النظام الانقلابي سوف يتخذ قرارات برفع أسعار الوقود للمرة الخامسة منذ الانقلاب وذلك تلبية لشروط وإملاءات صندوق النقد الدولي وهو ما يعصف بهذه القرارات التي تخفف قدرا من الأعباء الضخمة على كواهل الأسرة المصرية.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...