“الحركة المدنية” والاستسلام لتعديلات الدستور.. لماذا لا ينزلون إلى التحرير؟

في نبرة خنوع وتذلل، أصدرت ما تمسى بـ”الحركة المدنية الديمقراطية”، اليوم الثلاثاء 12 مارس 2018م، بيانا على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” قالت فيه إن “الدستور الحالي هو الذي يضمن التداول السلمي للسلطة، ويحافظ على استقرار البلد”، محذرة من المساس بالدستور بقولها إن “اللعب في الدستور سيفتح الباب للفوضى وسيعطي فرصة أكبر للعنف والاٍرهاب”. ودعت الحركة إلى ضرورة المحافظة على الجيش “وحمايته من التدخل في السياسة وإبعاده عن الصراعات ليتفرغ فقط للدفاع عن الوطن”.

وكانت الحركة وجهت أمس الإثنين خطابا إلى رئيس المجلس الأعلى للإعلام مكرم محمد أحمد؛ تطالبه بإتاحة فرص متساوية في الصحف والإذاعة والتلفزيون لمعارضي التعديلات الدستورية المتداولة الآن أمام مجلس النواب، وأكدت الحركة موقفها المبدئي المعلن برفض أي انتهاك أو تعديل لمبادئ ونصوص الدستور القائم، وذلك اتساقا مع ما نصت عليه المادة (226) التي أكدت أنه (وفي جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات)”.

وتذللت الحركة لرئيس المجلس الأعلى للإعلام بقولها إن “الحركة المدنية الديمقراطية يحدوها الأمل في تدخلكم لتصحيح الخلل القائم في أداء وسائل الإعلام والنشر، وتحيزها المطلق لوجهات النظر التي تصطف إلى جانب التعديلات الدستورية المطروحة”!.

ودعت إلى محاسبة “المسؤولين عن توجيه وإدارة المؤسسات الإعلامية على هذا النحو الذي ينتهك مواد قانون المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ذاته، وهو ما يفرض على المجلس تحمل مسئولياته في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الوطن”!

استسلام مبكر

وينتقد الباحث والمحلل السياسي أحمد الشافعي موقف هذه القوى العلمانية، مؤكدا أن موقفها ضعيف وهزيل في معركة التعديلات، مشيرا إلى أنها رفعت “الراية البيضاء” مبكرا، عندما تعرض بعض أعضائها للاعتقال والتهديد، ما جعل الأغلبية يفضلون الصمت التام، والاكتفاء بتعليقات لبعض القيادات بوسائل التواصل الاجتماعي، بما لا يعرضهم للمساءلة القانونية، أو الملاحقات الأمنية.

ويضيف الشافعي – في تصريحات صحفية – قائلا: “في الوقت الذي يجهز النظام للحشد الجماهيري الموجه، من خلال الجمعيات الأهلية والأحزاب الموجودة بالبرلمان، والمحليات، ودواوين المحافظات، والوزارات، والمصانع التابعة للإنتاج الحربي، وكل التجمعات الخاضعة لسيطرة الدولة، فإن الأحزاب اليسارية والمدنية تكتفي بالفرجة، والبكاء على الدستور المستباح”.

مقارنة كاشفة

أحد قيادات هذا التيار المدني صرح للعربي الجديد في 7 فبراير 2019م، أن هناك تحالفا سياسيا جديدا سيكون على غرار “جبهة الإنقاذ الوطني”، التي تشكلت في أعقاب إصدار الرئيس، محمد مرسي، الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012، لكن الأيام والأسابيع مضت ولم نجد من هؤلاء سوى معارضة صورية مستأنسة!

إضافة إلى ذلك فإن هذه النبرة الذليلة من جانب هذه الحركة مع نظام عسكري شمولي جاء عبر انقلاب عسكري دموي؛ وهي الحركة التي تضم الأحزاب العلمانية التي تشكلت منها ما تسمى بجبهة الإنقاذ في عهد الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، تكشف كفر معظم هؤلاء بالديمقراطية والحرية؛ فقد استأسدوا على الرئيس المنتخب ديمقراطيا ويتذللون الآن أمام جنرال فاشي معتوه يحكم بالحديد والنار! لماذا رضوا لأنفسهم أن يكونوا ستارا مدنيا لأقذر انقلاب عسكري في القرن الحادي والعشرين؟ لماذا فضلوا الديكتاتورية مع العسكر على الديمقراطية مع الإسلاميين؟ ولماذا قبلوا على أنفسهم أن يقفوا في ذات الصف الذي يقف فيه الفلول والعسكر وكل غربان الاستبداد وخدامي كل النظم الفاشية؟ ثم لماذا حرضوا على سفك دماء المتظاهرين السلميين في رابعة والنهضة وعشرات الميادين الأخرى في محافظات مصر من الإسكندرية حتى أسوان؟ لماذا كشفوا عن هذه النزعة العلمانية المتطرفة التي لا هدف لها سوى الإقصاء والعنصرية والفاشية تحت شعارات المدنية والديمقراطية؟! فالحقيقة أن علاقة القوم بالديمقراطية كعلاقة فرعون بالعدل أو علاقة السيسي بالحريات والحكم الرشيد!

مثقفون فاشيون

يقول الكاتب الكبير وائل قنديل: “لا يولد الطاغية وبيده حقيبة صغيرة تحوي أدوات الاستبداد، هو فقط يكون مسكونًا بالرغبة في الاستبداد، فيما تلعب النخب السياسية الدور الأعظم في ترسيمه مستبدًا، وتعميده طاغيًة، وراح يتساءل: هل كان عبد الفتاح السيسي يُقدم على خطوة طلب التفويض بممارسة القمع والدكتاتورية، لولا أن مثقفين وسياسيين أظهروا أمامه نزوعًا أكبر من نزوعه الشخصي نحو الإقصاء والإبادة؟”.

ويضيف قنديل: “راجع خطابهم في المرحلة السابقة على مجازر السيسي، منذ اللحظة الأولى التي نفذ فيها انقلابه، ستجدهم سيسيين أكثر من السيسي، وعسكريين أكثر من الجنرالات، وأمنيين أكثر من البوليسيين، ممهدين الأرض تحت أقدام الطاغية الصاعد، لكي يزاول القتل والقمع، بناءً على رغبة الجماهير التي انساقت وراء رموزٍ شقّت مجرى الاستبداد، واستمتعت بالسباحة في تياره، ظنًا منها أنها ستتخلص ممن تكرههم، وتكون شريكة للطغيان فيما بعد، بعد تجميله وتزيينه وتسويقه للناس على أنه الضرورة، ليتحول كل شيءٍ بعد ذلك إلى ضرورات، فالتطبيع ضرورة، والتبعية ضرورة أكبر، وقتل الحريات العامة والإجهاز على أية فرصة للديمقراطية هو الضرورة القصوى”.

وإذا كان القوم رافضين لهذه التعديلات التي تمنح الجنرال التأبيد في الحكم وصلاحيات مطلقة وتجعل الجيش وصيًّا على الشعب والساسة والنظام كله؛ فلماذا لا ينزلون للتحرير؟ لماذا لا يستأسدون على السيسي كما فعلوا مع مرسي؟ أم أنهم يخشون بطش فرعون وجنوده؟ والأهم من ذلك كله، لماذا لا يعترفون بأخطائهم حتى اليوم؛ ولماذا يطالب البعض الإسلاميين وحدهم بالاعتراف بالأخطاء بينما يغضون الطرف عن خطايا الآخرين وعلى رأسهم العلمانيون وما تسمى بالقوى المدنية؟!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...