بين ثورة مصر وحراك الجزائر.. الاكتفاء بالوعود أم رحيل النظام؟

“أسقطنا النظام في 18 يوما” هذا ما ردده كثير من المصريين بعد إعلان محمد حسني مبارك في 11 فبراير/شباط 2011 تنحيه على لسان مدير المخابرات العامة وقتها عمر سليمان، عقب مظاهرات حاشدة انطلقت يوم 25 يناير/كانون الثاني من العام نفسه.

مبارك -الذي سيطر على كرسي الحكم منذ مقتل سلفه أنور السادات عام 1981- لم يكن واردا بذهن أحد أن نهاية حكمه ستكون على يد الشعب الرافض لاستمراره حاكما أو مورثا السلطة لنجله جمال.

نفس السيناريو تقريبا تكرر بالجزائر، حيث أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ـ في رسالة نشرتها وكالة الأنباء الرسمية أمس الثلاثاءـ استجابته لمطالب الشعب وتأجيله للرئاسيات وعدم خوضها من الأساس.

قرار -وإن لم يفاجئ الكثيرين- فإن عددا من الجزائريين خرجوا إلى الشوارع فرحين مبتهجين، وردد بعضهم “نعم، لقد حققنا مطالبنا في 17 يوما”.

وبالنسبة للمصريين، فقد يبدو لاحقا أن من سقط هو مبارك وعدد من الأسماء البارزة التي ميزت حكمه، وليس نظام من توصف بـ “الدولة العميقة” التي يلعب فيها الجيش الدور الأبرز، إذ سرعان ما بُرّئ مبارك ومساعدوه من تهم الفساد وتهريب أموال مصر وقتل أبنائها، وتقوت صلاحيات الجيش وامتداداته في مجالات الاقتصاد والسياسة تحديدا، وانتهى السيناريو إلى انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 الذي قاده وزير الدفاع وقتها عبد الفتاح السيسي ضد أول رئيس مصري مدني منتخب هو محمد مرسي.

“لم أنتو”

مبارك أعلن في خطابه الشهير قبل التنحي “لم أكن أنتوي الترشح لفترة رئاسية جديدة” مؤكدا أنه قضى “ما يكفي من العمر في خدمة مصر وشعبها”.

نفس النغمة رددها بوتفليقة في رسالة نشرتها وسائل الإعلام الرسمي، حيث قال “لا محلَّ لعهدة خامسة، بل إنني لم أنْوِ قط الإقدام على طلبها حيث أن حالتي الصحية وسِنّي لا تتيحان لي سوى أن أؤدي الواجب الأخير تجاه الشعب الجزائري”.

وتلك المهمة هي “بناء جمهورية جزائرية جديدة” بل إنه جعل أسمى أمانيه في نهاية المشوار تسليم “مهام رئيس الجمهورية وصلاحياته للرئيس الجديد الذي سيختاره الشعب بكل حرية”.

المثير أن بوتفليقة، وقبل أيام قليلة فقط، تقدم بترشيحه رسميا للعهدة الخامسة التي أثارت سخط الجزائريين، وأكد في رسالة الترشيح التي نشرتها وسائل الإعلام الرسمية أن مسار حكمه مكن الجزائر من تحقيق تنمية اقتصادية، وإصلاحات سياسية واجتماعية استفاد منها الشعب، وأوضح أن ترشحه للرئاسيات -التي كانت مقررة في أبريل/نيسان القادم- سببها رغبته في مواصلة الإصلاحات، وتقوية أسس الديمقراطية.

ولم ينس بوتفليقة أن يذكر الجميع بأن ترشحه هو ـ أولا وأخيرا ـ استجابة للأصوات السياسية التي ناشدته الترشح “مرة أخرى لمواصلة مهمتي في خدمة البلاد” وهي الأصوات “التي أشعرتني بارتياح كبير” لأنها أكدت “بأنني لم أخيب أمل أغلبية شعبنا”.

ضمان الانتقال

مبارك، وبعد تأكيده أنه لم يكن ينوي الترشح، أعلن أن أسمى أمانيه خلال الأشهر المتبقية من ولايته آنذاك هي “تسليم أمانته (الوطن) ورايته ومصر عزيزة آمنة مستقرة وبما يحفظ الشرعية ويحترم الدستور، واتخاذ التدابير والإجراءات المحققة للانتقال السلمي للسلطة”.

وكذلك فعل بوتفليقة في رسالته أمس، حيث ردد أنه “تفهم” ما عبر عنه الشباب المحتج، وأكد أن أسمى أمانيه أن يسلم “مهام رئيس الجمهورية وصلاحياته للرئيس الجديد الذي سيختاره الشعب الجزائري بكل حرية”.

ومثلما فعل مبارك عندما خيّر المصريين بين الاستقرار أو الفوضى، حرص بوتفليقة في ختام رسالته على تقديم الخيار نفسه بالنسبة للجزائريين، حيث قال بعد عرضه القرارات التي اتخذها “ذلِكُم هو المخرج الحسن الذي أدعوكم جميعا إليه لكي نُجنّب الجزائر المحن والصراعات وهدر الطاقات”.

إقالة الحكومة

لقد بادر مبارك في 29 من يناير/كانون الثاني -قبل أيام قليلة من تنحيه – إلى إقالة حكومة أحمد نظيف، ومعها أبرز من حكموا إلى جانبه وبينهم وزير الداخلية حبيب العادلي الذي يتهمه المصريون بالوقوف خلف انتهاك الحقوق والحريات.

كما أعلن تكليف حكومة جديدة للتعامل مع أولويات المرحلة القادمة -يرأسها الفريق أحمد شفيق- حاولت الترويج لسياسة جديدة تحترم الحقوق، ومنفتحة على الشعب، وتقطع مع سياسة الحكومات السابقة.

لكن المحتجين رفضوا إجراءات مبارك، وأكدوا أنها لن تثنيهم عن الاستمرار في الاحتجاجات حتى سقوط النظام نهائيا.

نفس الخطوة اتبعها بوتفليقة أمس فقبل استقالة حكومة أحمد أويحيى، وكلف وزير الداخلية السابق نور الدين بدوي بتشكيل حكومة جديدة، نائبه فيها رمطان العمامرة وزير الخارجية السابق.

الساحة أم البيت؟

أغلبية المصريين في ثورة يناير قرروا الانسحاب من الميادين والساحات عقب إعلان مبارك تنحيه عن الحكم، وسيطرة المجلس العسكري على السلطة كهيئة سيادية ستعمل على إنجاح المرحلة الانتقالية تنتهي بانتخاب الرئيس والبرلمان.

وحده الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل وقف رافضا لهذا الخيار، وطالب القوى السياسية والمحتجين بعدم الوثوق بوعود العسكر، مشددا على أن الثورة إن لم تستأصل شأفة الفساد في كل المجالات بما فيها الداخلية والقضاء، فلن تحقق أهدافها، لأن أدوات الاستبداد ستبقى هي هي إن تغير رأس النظام فقط.

ويرى كثيرون أن التجربة أثبتت صحة ما قاله أبو إسماعيل، الذي كان من أوائل من اعتقلوا إثر الانقلاب وصدرت بحقهم أحكام صارت عصية على العد.

نفس الخيار يناقشه الجزائريون منذ إعلان بوتفليقة عدم ترشحه وتمديد العهدة الرابعة لأجل غير مسمى، واستقالة الحكومة، وإنشاء لجنة انتخابية مستقلة تشرف على الرئاسيات، وإطلاق مبادرة ندوة وطنية لمناقشة الإصلاحات الضرورية لنهضة الجزائر، وبينها دستور جديد يعرض على الاستفتاء الشعبي.

قرارات لا شك أنها تشكل بارقة أمل للجزائريين غير القادرين على تحمل عهدة خامسة لرئيس مريض لا يكاد يرى إلا لماما، لكنها في الوقت نفسه وضعت المحتجين في مفترق الطرق نفسه الذي عاشه المصريون قبل ثماني سنوات: الميدان أم البيت؟

هل يجب الوثوق بوعود بوتفليقة ونظامه ومن ثم ترك ساحات الاحتجاجات والعودة للمنازل، أم الاستمرار في الاحتجاج حتى استئصال رموز الاستبداد وعدم الاكتفاء بمشروع تنحي الرئيس الحالي؟

لقد خرج كثير من الجزائريين محتفلين أمس بـ “تنحي” الرئيس لكن هل كان المطلب فقط ذهاب بوتفليقة أم النظام كله؟

سؤال أجاب عنه شاب غاضب، ظهر على شاشة إحدى القنوات الأجنبية وهو يصرخ “يتنحاو كاع” (ليتنحوا كلهم) فالمطلب الأساسي للمحتجين ـبحسب مراقبين- لم يكن مختزلا في بوتفليقة، بل إسقاط النظام كله.

وقد ردد نشطاء التواصل الاجتماعي مقولة الشاب الغاضب، وروجوا لها في مواقع التواصل للتأكيد على أن المطلب هو تنحي الجميع وليس فقط رأس الحكم، كما حدث في “أرض الكنانة”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...