
حرارة الدفاع وصدق الكلمات التي أطلقها الشهيد محمود الأحمدي في مرافعته أمام قاضي الإعدامات حسن فريد، في هزلية مقتل النائب العام، كانت كافية لإقناع الملايين الذين شاهدوها واستمعوا لها بأن الأحمدي ورفاقه المعتقلين أبرياء.
ربما كان الأحمدي، الطالب بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، ضعيف البنية لكنه كشف عن ثبات تخشع له الجبال وتلين له القلوب القاسية.
في حواره الأخير مع قاضي الإعدامات، أكد الأحمدي أنه تعرض لتعذيب وحشي وصعق بالكهرباء، ليرد قاضي الإعدامات حسن فريد: “لكنك اعترفت بالجريمة يا محمود”، ليأتي الرد صاعقًا مفحمًا زلزل القاضي ومنصته والقاعة كلها: «لقد تعرضنا لتعذيب وحشي.. اديني صاعق كهرباء وأنا أخلي أي حد يعترف أنه قتل السادات.. إحنا تعذبنا بكمية كهرباء تكفي مصر 20 سنة».
هذا الشموخ وذلك الثبات لم يقف عند الشهيد محمود الأحمدي؛ فالأسرة كلها على هذا المستوى الراقي؛ فأخوه في المعتقل وزع الحلوى عندما علم أن أخاه نال الشهادة، أما الأم فقد كان ثباتها وصبرها مثالا تحتذي به الأجيال لمئات السنين، حيث استقبلت جنازته وودعتها بالتهاني لا الدموع، مؤكدة أن ابنها شهيد، وسينال كل ما حرم منه في حياته، وسيكون شفيعًا للأسرة كلها يوم القيامة.
وسوف تظل الأجيال تتعلم من هذه المواقف شموخ الإيمان أمام ظلم الطغاة والمستبدين، وكيف يعلو الإيمان بأصحابه فوق كيد الطاغين ومكر المنافقين والظالمين، حتى وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال.
وفي جنازته خرجت قرية السواقي، التابعة لمركز أبو كبير بمحافظة الشرقية، عن بكرة أبيها تودع ابنها الشهيد، في جنازة أبكت الملايين الذين تابعوها عبر وسائل التواصل الاجتماعي يصبون لعناتهم على نظام عسكري أدمن سفك الدماء من أجل تكريس حكمه الشمولي واستبداه وطغيانه. وتعالت أصوات المشيعين بالدعاء للشهيد، والتكبير والتهليل وشهادة التوحيد والدعاء على الظالمين؛ الأمر الذي دفع ميليشيات الأمن إلى إغلاق مداخل القرية خوفًا من وصول الآلاف من خارجها للمشاركة في تشييع جنازة الشهيد الذي ضرب أروع المُثل في حياته وفي مماته.. فسلام عليك أيها الشهيد في الأولين وسلام عليك في الآخرين وسلام عليك إلى يوم الدين.
أما قاضي العسكر حسن فريد الذي أصدر “قرار” الإعدام على محمود ورفاقه؛ فقد بات محل سخرية وكراهية من ملايين المصريين والمسلمين في العالم كله، ويكفي أنه عجز عن قراءة الحكم بصورة صحيحة في فضيحة مدوية جعلته مثار سخرية العالم كله، خصوصا وأنه أصدر 147 قرارًا بالإعدام تأتيه عبر الهاتف من الأجهزة الأمنية في عصفٍ بكل ضمانات العدالة والنزاهة بصورة لم تحدث من قبل في تاريخ مصر والعالم.